رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا المعلم قدوة يُحتذى بها

هذا معلم مصرى يُحتذى به، هو قدوة لها منى كل التقدير والاحترام، إن ما فعله عن طيب خاطر من مبادرة وشجاعة وإنسانية هو عمل نفتخر به، يستحق أن يتم تكريمه من الجميع ومن وزير التربية والتعليم فورًا ودون تباطؤ، وأن يعرفه جميع المصريين، وأن تهتم به أجهزة الإعلام المصرية والأهم الفضائية المصرية جميعًا، إن ما فعله مع تلميذة فى امتحان الثانوية العامة لهو الدليل الحى على أن مصر بخير، وأن الشهامة المصرية لا تزال موجودة وحاضرة فى مجتمعنا، ولهذا فإننى أدعو أن نتذكر اسمه «أسامة عثمان».

إنه مدرس مصرى يتسم بالجدعنة المصرية وبكثير من الإنسانية، ولقد استوقفنى ما فعله مؤخرًا صباح أحد أيام امتحان الثانوية العامة، أسامة عثمان هو مدرس إنجليزى فى قرية صغيرة من قرى الجيزة وكان مراقبًا فى واحدة من لجان امتحانات الثانوية العامة، وأثناء توزيع أوراق امتحان الجيولوجيا لاحظ أن هناك طالبة مكانها شاغر، فلما سأل زميلاتها هل هى تعبانة؟ أجبن بأنها كانت تتواصل معهن حتى الفجر، فلما سأل عن سبب غيابها علم أنها من التلميذات المتفوقات، فأدرك أنه لا بد أن هناك سببًا قهريًا لغيابها، فما كان منه إلا أن طلب رقم تليفونها لمعرفة سبب غيابها، ولكن للأسف لم تكن هناك موبايلات لمنع دخولها فى الامتحانات.

وفى ثوانٍ فكر وقرر ونفذ، وهكذا عرف عنوان بيتها فخرج من المدرسة ركضًا واستوقف «توك توك»، وتوجه إلى عنوان التلميذة ووصل سريعًا لقرب البيت من المدرسة، وكانت الساعة ٩٫١٥، ولما وصل أخذ فى طرق الباب بشكل متتالٍ ومزعج، وكانت مفاجأة أن أهل البيت كانوا نائمين وراحت عليهم نومة، فاستيقظوا مخضوضين بسبب طرقه عالى الصوت، والمزعج، فلما رأى التلميذة عرفها وطمأنها، بوجه بشوش، بأنه مراقب اللجنة، وطلب منها سرعة ارتداء ملابس مناسبة، وأن تذهب معه بسرعة للحاق بالامتحان.

وهكذا استطاعت فى ثوانٍ أن تأتى بأدواتها، وأن تصل سريعًا إلى المدرسة فى الساعة ٩٫٣٠ صباحًا، وأدت الامتحان وتفوقت فيه بسبب موقف إنسانى للمدرس، وهنا تنتهى الواقعة التى من المؤكد أنها ستجعل كل من يعرفها يتوقف عندها كثيرًا، لأن «أسامة عثمان» ليس مدرسًا عاديًا إنما هو مدرس يتحلى بالضمير والإنسانية والأخلاق النبيلة والشهامة، وهو يستحق أن نتذكر معه قول أمير الشعراء:

«قم للمعلم وفه التبجيلا 

كاد المعلم أن يكون رسولا»؛

ويجعلنى أتوقف عند عبارة قالها مؤسس نهضة سنغافورة الحديثة فى نهاية الستينيات، وهو «لى كوان يو»، التى قالها حينما كان رئيسًا لوزرائها، وهى عن أهمية النهوض بالتعليم والمعلم، حيث قال:

«أنا لم أقم بمعجزة فى سنغافورة، أنا قمت بواجبى نحو وطنى، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيّرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة فى سنغافورة، فالعلم هو مَن صنع المعجزة، فالعلم هو من أنتج جيلًا متواضعًا يحب العلم والأخلاق بعدما كنا شعبًا يبصق ويشتم بعضهم فى الشوارع»، وكان رئيس الوزراء «لى كوان يو»، رئيس وزراء سنغافورة، قد اتبع سياسة الجدارة باكتشاف الكفاءات وتعيينهم فى الدولة ووضعهم فى الأماكن المهمة فى الدولة، وأعطى للمعلم الأولوية وغيّر مكانتهم وجعلهم على أولوية السلم الاجتماعى، ما كان السبب فى أن أصبحت سنغافورة من أقوى البلاد فى التنمية الاقتصادية، وهو الذى أدى إلى صعود سنغافورة لتصبح من أقوى الاقتصاديات العالمية، وكان يرسل تلاميذ المدارس إلى أهم الجامعات العالمية لتلقى العلم بها مثل كمبريدج وأكسفورد، وأصبح الثانى فى الجنسيات على العالم فى عدد التلاميذ بهذه الجامعات، بعد الصين، رغم أن تعداد سنغافورة ٣٫٥ مليون نسمة فقط.

وهكذا أدرك رئيس وزراء سنغافورة أن التعليم هو أساس تقدم الأمم، إلا أن الاهتمام بالتعليم ليس بمجرد النوايا الحسنة وإنما لا بد من أن توضع سياسة تعليمية تضع فى اعتبارها التقدم بالتعليم على أسس سليمة، وتدريب المعلمين بشكل سليم واختيار الكفاءات منهم وتقديرهم وتحسين أحوال المجتهدين أو ذوى الضمير، والذين يقدمون الجهد الأمين والمخلص ويتحلون بالإنسانية والشهامة والعطاء للتلاميذ ولرسالتهم التعليمية، خاصة فى المدارس الحكومية التى فى حاجة إلى استخدام سياسة الجدارة التى اتبعها رئيس الوزراء السنغافورى لى كوان يو، ومتابعة ما يجرى فى المدارس الدولية من الغلاء والمصاريف، بما لا يتناسب مع دخول المصريين من أولياء الأمور الشباب وفوق إمكانياتهم كثيرًا، حيث أصبحت المدارس الدولية تطلب مبالغ مهولة وغريبة للمصروفات، ما يجعل التعليم قد تحول إلى تجارة واستغلال وليس رسالة تعليمية مهمة، مما لا يصح أن تُترك بهذا الشكل فى بلدنا من جانب وزير التربية والتعليم.

لهذا فإننى أتمنى أن تضع الدولة سياسة تعليمية تتناسب مع أهداف التنمية، وأن تلتفت للمدارس الدولية ومغالاتها فى المصروفات، وأن تلتفت إلى النهوض بالمدارس الحكومية التى تدهورت حالتها كما تدهور حال المعلمين والتلاميذ، وكلنا نعرف مشكلة التكدس بأعداد كبيرة فى الفصول ومشكلة الدروس الخصوصية، مما لا يتيح تعليمًا جيدًا ولا يُخرج تلاميذ ذوى كفاءة وجدارة.

إننى أقول هذا بمناسبة الموقف النبيل الذى قام به المدرس «أسامة عثمان»، الذى أعتقد أنه لا بد أن نحييه جميعًا وأن نعرفه، وأن نتذكر اسمه، لأنه علامة مضيئة فى ملف التعليم فى مصر، ومن الضرورى أن تكرمه الدولة بأى صورة من الصور، وأن تقوم وزارة التربية والتعليم بتحية هذا المدرس الذى أعطى من وقته ومن جهده عن طيب خاطر ليصبح نموذجًا فى الإنسانية والأخلاق النبيلة والعطاء، نتمنى أن يُحتذى به.

فقد استطاع أن ينقذ مستقبل تلميذة مجتهدة من الضياع، وكادت ترسب بسب ظروف قهرية فى الثانوية العامة، إنها مبادرة لمعلم واحد فقط لكنها تجسيد حى لأهمية الاهتمام بالتعليم وأهمية اهتمام المعلم بالتلميذ أو التلميذة المتفوقة، لكنها دعتنى لأن أقول إننا أيضًا فى حاجة إلى النهوض بمستوى المعلمين والنهوض بمستوى التلاميذ والتعليم فى مصر بشكل عام، وتخصيص ميزانيات تضع فى اعتبارها أن يكون النهوض بنظام التعليم فى مصر سياسة متبعة توضع على أولويات خطط التنمية الاقتصادية للدولة للنهوض بها بشكل سليم.