رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضرورة بناء مجتمع مصرى قائم على القيم والأخلاق الحميدة

القيم فى تقديرى هى مجموعة السمات الأخلاقية التى يتسم بها مجتمع ما، والتى تستقر فى سلوكيات الأفراد والمجتمع، وفى نمط علاقاتهم الاجتماعية، وهى سمات تختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر لتشكل منظومة اختلاقية لشكل وأسلوب تعاملات الفرد مع الأفراد فى المجتمع.

وإذا ما كانت القيم الأخلاقية سائدة فى مجتمع ما، فإنها تنظم العلاقات والتعاملات الإنسانية فيه، مما يضمن له البقاء والاستقرار والتعايش بين أفراده، إلا أنه من ناحية أخرى فإن القيم إذا ما غابت فى سلوكيات الأفراد اليومية فإنها تؤدى إلى شيوع الفوضى والفتن والخلافات، بما يؤدى إلى إضعاف المجتمع، وقد يسفر ذلك عن تدميره، ولهذا اختفت حضارات ومجتمعات لأنها لم ترتكز على منظومة قيم ومبادئ تضمن للمجتمع الاستمرارية والاستقرار والبقاء واحترام القوانين والأنظمة المنظمة لتعاملات الأفراد اليومية فى المجتمع.

ولهذا، فإننا فى بلدنا فى الوقت الراهن فى أشد الحاجة إلى التمسك بالقيم المصرية الأصيلة التى كانت دائمًا تميز الشعب المصرى.. وبالقيم العليا والأخلاقيات التى ميزت الشعب المصرى العريق، والتى بدأت فى العصور الفرعونية فى مصر القديمة منذ ٥٠٠٠ عام، والتى تؤكدها الرسومات والعبارات على جدران المقابر والآثار منذ مصر الفرعونية، والتى نحن فى حاجة الآن وأكثر من أى وقت مضى للتمسك بها، واستعادتها وإلقاء الضوء عليها لتصبح أساسًا للتعاملات اليومية.

ويكون ذلك بعيدًا عن ممارسات العنف والجرائم التى ظهرت فى مجتمعنا والبعد عن القيم والمبادئ المصرية الأصيلة التى ميزت الشعب المصرى منذ بدء الحضارة الفرعونية ومرورًا بالمسيحية ثم الإسلام بتعاليمه السمحة، ومن الضرورى والحتمى أن يتكاتف الشعب المصرى بكل فئاته لنبذ كل أشكال الانحرافات ورفض دعاوى وفتاوى التطرف والرجعية والتشدد والتكفير ونشر الكراهية والفتن والمؤامرات بين أفراد الشعب العريق من قبل فئة ضالة رفضها الشعب المصرى بقيامه بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الشعبية المجيدة. 

لذا أطالب بالتمسك بالقيم العليا والأخلاقيات فى تعاملات الأفراد فى مجتمعنا وتمجيد القيم وأصحاب القيم، ورفض كل الأشكال السيئة من السلوكيات اللا أخلاقية والتدمير والتشكيك ومحاولات إضعاف بنية المجتمع المصرى الراسخة منذ آلاف السنين، والتى هى سبب بقائه حتى الآن، ولهذا فإنه من الضرورى مع ما نشهده ونلاحظه من خلل فى منظومة القيم المصرية الرجوع إلى التاريخ المصرى القديم، لأنها فى تقديرى هى سر استمرارية المجتمع المصرى أمس واليوم وغدًا.

فمن القيم التى ميّزت المصرى القديم والتى نجدها محفورة على جدران المعابد الفرعونية قيمة الأخلاق والمثالية واحترام الكبير والحب ورعاية الصغير وتقدير المرأة، حيث شهدت مصر ملكات فى العصور الفرعونية يحكمن البلاد ويسيطرن على زمام الأمور ويخضن الحروب، ويواجهن المؤامرات الخارجية والداخلية، ومنهن: الملكة نفرتيتى والملكة كليوباترا والملكة تى والملكة نفرتارى والملكة حتشبسوت وشجرة الدر وغيرهن، فلقد شهدت مصر تتويج ملكات قبل أى دولة أخرى، حيث سبقت الحضارة الفرعونية العالم كله، حتى قال عنها هيرودوت الفيلسوف اليونانى إنها مهد الحضارة.

كما كانت مصر الفرعونية مهدًا للفنون والموسيقى والرقص، حيث كان الرقص على سبيل المثال طقسًا دينيًا وضرورة حياتية فى حياة الفراعنة، حيث سجلت على جدران معابد ومقابر ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة سلسلة كاملة من الرقصات ذات إيقاعات معقدة، ويشهد التاريخ وعلماء الآثار والمستشرقون والدارسون حول العالم لتاريخ مصر الفرعونية.

إن المصريين القدماء تركوا تراثًا إنسانيًا عامرًا من الآداب والحكم والأمثال توارثتها الأجيال حتى يومنا هذا جيلًا بعد جيل، وهم من أوائل الشعوب التى رسخت قواعد الأخلاق، فكانت حضارتنا المصرية القديمة حضارة اختلاقية جعلت جوهرها الحق والخير والعدالة التى كانت معيارًا خلقيًا عامًا نظم الكون والمجتمع وحكم علاقة الفرد بغيره وحكم علاقة الحاكم بالمحكومين.

ويؤكد التاريخ أيضًا أنه دون منظومة الأخلاق والقيم، فإن النظام الكونى يختل ويصل بالمجتمعات إلى الفوضى الشاملة، فعلى سبيل المثال فإنه من الحكم الأخلاقية التى تركها المصريون القدماء على جدران القبور أو على صفحات أوراق البردى يوجد نص مصرى قديم يقول: «لا تكثر السعى من أجل نفسك حتى لا تصبح مكروهًا»، ويقول المستشرق جيمس برستيد «إن مصر هى فجر الضمير الإنسانى ومبعث الأخلاق الحميدة التى قامت عليها حضارة عمّرت الأرض منذ آلاف السنين»، وهكذا يبين لنا التاريخ ويؤكد أن الأمة المصرية عاشت تعلى قيمة الأخلاق الحسنة، وآمن شعبها بوجود الإله حتى دخل فى المسيحية ثم فى الإسلام، وما زالت الأخلاق الحميدة تسكن وجدان غالبية الشعب المصرى، فالنظام الأخلاقى فى مصر القديمة قد وضع من أجل مصلحة الإنسان وتحقيق سعادته ليس فى الحياة الدنيا وحدها فقط، بل أيضًا فى الحياة الآخرة.

كما كشفت الآثار الفرعونية التى تحدت الزمن وبقيت صامدة حتى يومنا هذا عن أن المجتمع المصرى أدرك مبكرًا قيمة الأخلاق، حيث قامت حضارة المجتمع المصرى القديم على القيم والأخلاق، فحققت لمصر الخلود والاستمرارية والبقاء، وهذا ما كشفه أيضًا عالم المصريات «جيمس برستيد» فى كتابه الشهير «فجر الضمير»، حيث أثبت أن ضمير الإنسانية قد بدأ فى التشكل فى مصر قبل أى بلد فى العام، وذلك منذ نحو ٥٠٠٠ عام.