تمرد فاجنر وضعف بوتين.. أزمة فعلية أم لعبة سياسية؟ (الأسباب والسيناريوهات)
- الأزمة حدثت بعد سلسلة من الخلافات ما بين "فاجنر" والجيش الروسى على الجبهة الأوكرانية
- "بريجوجين" اتهم وزير الدفاع الروسى بإشعال حرب أوكرانيا بالخيانة وتوعد بشنقه
24 ساعة عاشتها روسيا في حالة من الاستنفار العسكري بالغ الشدة، والعالم يتابع من حولها في ترقب واهتمام بعد إعلان يفجيني بريجوجين قائد مجموعة فاجنر الروسية التمرد المسلح ضد قادة الجيش ووزارة الدفاع الروسية مساء الجمعة، بعد أن اتهم قادة الجيش بالخيانة وقيامهم بقصف قواته من الخلف، الأزمة انتهت بعد الإعلان عن وساطة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بالاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقبول سريع من قائد فاجنر، لتصبح الأزمة زوبعة في فنجان انتهت بشكل سريع يثير التساؤلات بل والشبهات.
- "بريجوجين" يتهم وزير الدفاع الروسى بالخيانة ويتوعد بشنقه
تصريحات "بريجوجين" الذي اشتهر بلقب "طباخ بوتين"، والتي سبقت إعلانه التوجه برفقة قواته إلى موسكو كانت صادمة وشكلت مفاجأة كبيرة للشعب الروسي بل ولقادة في الجيش أيضا، فقد اتهم "بريجوجين" وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس الأركان فاليري جراسيموف بالخيانة وأنهما وراء قصف قواته، وكذلك اتهامه لوزير الدفاع الروسي بإشعال الحرب مع أوكرانيا من أجل نيل لقب مارشال ومنع حل المشاكل مع أوكرانيا وديا.
كما اتهم قائد فاجنر "شويجو" بأنه تسبب في مقتل 2000 من رجاله في أوكرانيا، وأنه أمر بعدم إعلان ماحدث وإخفاء الجثث في مشرحة، مضيفا أن معظم العسكريين يدعمونه هو وقواته لتتحقق العدالة في الجيش، وتابع تصريحاته قائلا: هذه الليلة سنحل قضية الخونة والمجرمين الذين أهانوا روسيا وهما وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، و"شويجو" سيشنق في الميدان الأحمر وسيدفن في الضريح مع لينين، هذه التصريحات شكلت صدمة كبيرة في الداخل الروسي وشجعت بعض الجنود لدعم ومساندة موقف فاجنر بحسب قائدها.
بل وتصاعدت نبرة تصريحات "بريجوجين" عقب كلمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي كان من الغريب التزامه الصمت حيال هذه الأحداث، أعلن فيها أن تصرفات قائد فاجنر وقواته وإعلان التمرد هو طعنة في الظهر وأن من نظموا التمرد المسلح وصوبوا سلاحهم على رفاقهم في القتال خانوا روسيا، ولن يفلتوا من العقاب، ليرد بعد ذلك "بريجوجين" أنه "فيما يتعلق "بخيانة الوطن"، أخطأ الرئيس بوتين بشدة، نحن وطنيون، مضيفا "لن يستسلم أحد بناء على طلب الرئيس أو الأجهزة الأمنية أو أي كان"، هذه التصريحات تقودنا إلى البحث عن ما دفع "طباخ بوتين" إلى هذه الانتفاضة إلى حد حمل السلاح في وجه الدولة التي كان يحارب لأجلها حتى أيام قليلة ماضية، وما هي سيناريوهات أسباب ما حدث.
الأزمة أثارت العديد من التساؤلات حول مدى قدرة مجموعة فاجنر على تحقيق الأهداف التي حددها قائدها بالوصول إلى موسكو ومعاقبة القيادات العسكرية الذين اتهمهم بالخيانة، خاصة في ظل النجاحات العسكرية المهمة التي حققتها المجموعة على جبهة باخموت ومن قبلها سوليدار في أوكرانيا، وتصريحات "بريجوجين" بأن عدد قوات مجموعته في روسيا يتجاوز 25 ألف مقاتل، والتسليح الخاص بها حيث تمتلك وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، أسلحة ثقيلة مثل أسلحة الدفاع الجوي، بما في ذلك مركبات (SA-22) القتالية، و قذائف مدفعية ودبابات ومركبات عسكرية.
- كيف انتهت أزمة فاجنر وهل عاقب "بوتين" قائدها؟
انتهت أزمة تمرد قوات فاجنر وقائدها، من خلال وساطة رئيس بيلاروسيا عبر عملية تسوية، وقد تم الكشف عن أبرز البنود التي تضمنها الاتفاق والتي كانت كالتالي.
1- بعض مقاتلي "فاجنر" ممّن رفضوا منذ البداية الانخراط في حملة "بريجوجين"، ستتاح أمامهم إمكانية الانضمام لصفوف القوات المسلحة الروسية والتعاقد مع وزارة الدفاع.
2 - لن يخضع هؤلاء لأي ملاحقة قانونية.
3 - عودة قوات شركة "فاجنر" إلى معسكراتها.
4 -الجزء الذي لا يرغب في العودة إلى المقار والمعسكرات، سيوقع اتفاقيات مع وزارة الدفاع الروسية.
5- إغلاق القضية الجنائية بحق بريجوجين وسيغادر إلى بيلاروس.
- تاريخ من الخلافات مع الجيش الروسى
بالعودة إلى الوراء قليلا نجد أن هناك سجلا ليس بالبسيط من الخلافات ما بين قائد قوات فاجنر والجيش الروسي ففي إبريل الماضي، اتهم قائد فاجنر قوات الجيش الروسي بترك جنوده بلا ذخيرة، وقال إن مقاتلي فاجنر فرضوا سيطرتهم على معظم مدينة باخموت، وهناك نقص في الذخيرة لديهم.
ولفت إلى أن مستودعات الجيش الروسي ممتلئة بالذخيرة، مضيفًا أن الوضع الحالي يُنذر بزوال "فاجنر" بعد فترة وجيزة، موضحا أن قواته طلبت 4 آلاف من الذخيرة المختلفة، رغم أن الاشتباكات تتطلب 80 ألف ذخيرة يوميًا، فيما تم قطع الذخيرة عن مسلحي فاجنر، مهددا بالانسحاب.
ثم في مايو الماضي شكك قائد فاجنر في قدرة الكرملين للدفاع عن البلاد، واتهم وحدة من الجيش الروسي بالفرار من باخموت، وفي مقطع فيديو، قال يفجيني بريجوجين، إن وحدة كاملة من الجيش الروسي فرت من مواقعها بالقرب من مدينة باخموت التي تشهد معارك ضارية مع الجيش الأوكراني، وكرر تهديده بانسحاب قواته من باخموت إذا لم يقدم الجيش الروسي مزيدًا من الذخيرة.
كما اتهم وحدة عسكرية من الجيش الروسي بالفرار من مواقعها ما جعل الجبهة مكشوفة قرب باخموت في شرق أوكرانيا.
- قائد فاجنر يحذر من ثورة فى روسيا
وفي 24 مايو الماضي، حذر قائد فاجنر من حدوث ثورة في روسيا وخسارة الحرب، مشيرا إلى أن أوكرانيا تعد لهجوم مضاد يهدف إلى دحر القوات الروسية إلى حدود ما قبل 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وأن أوكرانيا ستحاول محاصرة باخموت وشن هجوم في القرم.
وأضاف أنه على الأرجح لن يكون هذا السيناريو في صالح روسيا، لذلك نحن بحاجة للاستعداد لحرب شاقة، وتابع نحن في وضع يمكن أن نخسر فيه روسيا، هذه هي المشكلة الرئيسية نحن بحاجة إلى فرض أحكام عرفية.
وقال إن النخبة الروسية تحمي أبناءها من المشاركة في الحرب بينما يهلك أبناء عامة الشعب على الجبهة، وهو وضع قال إنه يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في روسيا.
وفي 3 من يونيو الجاري، اتهم قائد فاجنر وزارة الدفاع الروسية بمحاولة تفجير مقاتليه من خلال وضع ألغام في طريقهم، حول مدينة باخموت.
واتهم القوات الروسية بزرع تلك الألغام، بينما كان عناصره يغادرون باخموت شرقي أوكرانيا، إثر تمكنهم من السيطرة على المدينة، في مايو الماضي.
وفي 13 يونيو الجاري، رفض قائد قوات فاجنر توقيع عقود نظامية مع وزارة الدفاع الروسية، وأكد رفض مقاتلي المجموعة توقيع عقود مع وزارة الدفاع، بعد يوم من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الاتفاقات ضرورية.
- سيناريوهات أسباب تمرد فاجنر المسلح
تتعدد السيناريوهات بخصوص تمرد فاجنر ما بين أنه أمر حقيقي أو ربما كان لعبة من ألعاب السياسة والتكتيكات العسكرية.
- السيناريو الأول أن هذا التمرد واقعي وحقيقي، وأنه حدث بعد محاولات طويلة لمضايقة فاجنر وتضييق الخناق على رئيسها، بسبب انفعاله وتصريحاته التي كشفت عن وجود مشاكل في الخطوط المتقدمة للجبهة مع أوكرانيا ، وأنه وضع قادة العملية العسكرية في موقف محرج بل وصل الأمر إلى اتهامات بين السطور بالفساد، مما جعل كبار قادة الجيش يمعنون في استفزاز "بريجوجين" وهم يعلمون أنه قد يتخذ قرارات أو أفعال متهورة تودي بالعلاقة المتميزة بينه وبين "بوتين" ما يجعله تحت رحمة القانون وقادة الجيش الذين دأب على مهاجمتهم.
- السيناريو الثاني هو أن يكون هناك لعبة سياسية عسكرية بعلم من بوتين نفسه، تم على إثرها الادعاء بوجود تمرد مسلح بهدف كشف الثغرات والأخطاء، وإعادة تنظيم وتغيير هيكل القيادة في الجيش وربما بعض الأجهزة الأمنية، هذا السيناريو يتوافق مع تصريحات سابقة لبوتين ذكر فيها أن الجيش يعاني من نقص في الأسلحة الدقيقة والطائرات المسيرة رغم التوجيه بزيادة ووتيرة عملية التصنيع لهذه المتطلبات العسكرية ، ما بدا معه أنه ربما يكون في الجيش أجنحة لا تستجيب بالقدر الكافي لأوامر القيادة العليا ويجب التخلص منها وتطهير الجيش منها.
- السيناريو الثالث أن تكون قد تكونت قناعة لدى بوتين وقيادة الدولة الروسية، أن مجموعة فاجنر قد توسعت بشكل أكبر مما يجب وأن دورها على الجبهة الأوكرانية وتحقيقها لانتصارات مهمة، قد جعلها تصاب بالغرور، وهوما تسبب في دعم الرئيس الروسي لمبادرة وزير الدفاع، سيرجي شويجو، التي تم الكشف عنها في نهاية الأسبوع الماضي، لوضع الجماعات غير النظامية تحت السيطرة المركزية، وهو مرسوم رفض مؤسس "فاجنر" الانصياع له.
هذا الرفض قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، واعتبر وكأنه محاولة للي ذراع الدولة، مما جعل الجيش يقرر الاستعانة بقوات "أحمد" العسكرية الشيشانية لتحل محل قوات فاجنر في أوكرانيا، ليكون التحذير الأخير الذي لم يفهمه "طباخ بوتين" قبل أن يقوم بقرارته المتهورة، ليكتب فصلا غير متوقع في العسكرية الروسية، امتد لـ24 ساعة قبل أن يتم تحجيمه.
وربما يكون ما حدث هو بداية النهاية لمجموعة فاجنر الذي رحل قائدها إلى بيلاروسيا فيما يشبه النفي بعد وساطة لوكاشينكو، وهذا السيناريو قد تثبته طريقة التعامل مع قوات فاجنر الموجودة في روسيا ومصيرها خلال الأيام المقبلة.