رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عزبة جدّي".. أول مشروع يوفر فرص عمل لأمهات ذوي الاحتياجات

مشروع أمهات ذوي الاحتياجات
مشروع أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة

كتب القدر لهن أن يصبحن أمهات ملائكة من ذوي الاحتياجات، فأصبحن هن الأخريات حالات خاصة ليس كغيرهن من الأمهات، ففرص الحصول على لحظات من الراحة أقل، منهن الكثير ممن يعانين الفقر وفقدان العائل ، وعدم الحصول على مصدر عمل ورزق.

ليأتي أول مشروع يهتم بعمل وتشغيل أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مشروع "عزبة جدي" بالبحيرة الذي اختص ببيع المنتجات الفلاحي مثل الفطير والجبن والزبدة بيد هؤلاء الأمهات ولصالحهم، وبيعها من خلال التسويق لها عبر صفحة على الإنترنت، وذلك من أجل توفير فرصة عمل لهن ينفقن من خلالها على أطفالهن، في الوقت الذي لا يرض الكثير بتشغيلهم بسبب انشغالهم مع أطفالهن المرضى.

جيلان خالد إحدى الشركاء في تنفيذ المشروع قالت أن الفكرة في البداية راودتها عندما لاحظت اختلاف جودة وأسعار المنتجات الفلاحي مثل "الفطير المشلتت والزبدة والجبن وغيرها داخل الريف عن نظيرتها في القاهرة، فأرادت أن تنشأ مشروعًا تروج فيه لهذه المنتجات، وبالفعل أنشأت صفحة ترويجية باسم المشروع.

‏انتقل الأمر إلى عمل إنساني بحت عندما اطلعت جيلان على الحالات الإنسانية لبعض أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة التي تتبناها الطبيبة دينا ضيف شقيقة زوجها في مركز التخاطب، ومدى احتياجهما الشديد للعمل وتوفير نفقات أطفالهم ذوي الحالات الصعبة، ولكن عمل بما يتفق وظروفهم الخاصة. ‏

 ‏لذلك اتفقت جيلان مع والد ووالدة زوجها وشقيقته على مساعدة هؤلاء الأمهات من خلال إشراكهم في مشروع عزبة جدي عن طريق القيام بأعمال الخبيز والتعبئة وكافة الأعمال الأخرى التي يتضمنها المشروع، ومن ثم يحصلون على أجر مقابل هذا العمل مما يضمن لهم التعفف من السؤال.

بالفعل حسب جيلان حقق المشروع إلى الأن مكسبًا كبيرًا، وذلك لجودة المنتجات التي يقدمها وكذلك لكون أرباحه تذهب إلى أمهات تتضاعف لديهم المآسي والمعاناة وهم أمهات ذوي القدرات الخاصة. 

أم: أولادي مرضى والمشروع أنقذني من “مد الإيد ”

مي سليمان 31 عامًا، إحدى السيدات اللاتي وجدن في مشروع عزبة جدي مأوى يحاولن من خلاله إنقاذ أطفالهن وأنفسهن من ظروف قاهرة فهي لديها طفل ينتمي إلى ذوي القدرات الخاصة ويعاني نقص في كمية الأكسجين وكهرباء زائدة على المخ، إضافة إلى إصابته بحمى البحر المتوسط.

لا تعاني مي فقط مسئولية ابنها المريض الذي يصعب التعامل معه نظرًا لظروفه الخاصة، بل تعاني كذلك مع ابنتها ذات الـ12 عامًا مريضة القلب التي تحتاج إلى تغيير وصلة شريانية كل ثلاث أشهر، لتصبح مسئولية مي ومعاناتها مضاعفة وذلك دون مصدر للرزق تنفق منه على الاثنين وتصبح حالتها هي الأخرى حالة خاصة.

 

علمت مي بمشروع عزبة جدي من خلال مركز تأهيل ذوي الاحتياجات الذي كانت تذهب إليه بابنها للتخفيف من حدة نوبات المرض لديه ومحاولة علاجه. 

هناك تعرفت إلى الطبيبة دينا صاحبة المركز والتي ما أن لمست ظروفها حتى عرضت عليها العمل داخل مشروع عزبة جدي، من أجل مساعدتها وزوجها في توفير نفقات أطفالهما المرضى، وذلك بانتهاز فرصة وجود أطفالها داخل المركز من الثامنة صباحًا، وتلقيهما الرعاية داخل المركز لتعمل في هذا الوقت داخل المشروع.

داخل مشروع "عزبة جدي" تقوم مي بتنفيذ العديد من الأعمال الفلاحي مثل عجين الخبز، وتعبئة الزبدة الفلاحي وعمل الفطير المشتلتت وغيره من الأعمال الريف المصري، وتنتهي منها نحو الساعة الثانية لتصطحب أطفالها من المركز وقد حصلت على أجرتها اليومية التي استطاعت أن تربحها حسب "الأوردرات" المطلوبة من المجموعة يومها، "بامشي وبحمد ربنا وببقى راضية باللي بيطلعي "- تقولها.

بذلك تكون قد وجدت مي من يرع طفليها، وفي الوقت ذاته استطاعت أن تعمل وتجد مصدرًا للمساعدة في توفير نفقات علاجهما الضخمة التي لا تقدر عليها، واصفة المشروع بأنه جاء لينقذها هي ومن مثلها من "مد الإيد" وسؤال المساعدة وكان هو فرصة العمل المناسبة لها ولكل من في ظروفها.

وختمت أن أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات هن أيضًا حالات خاصة تحتاج إلى رعاية هم وأطفالهم، فهم يختلفون عن أي أمهات آخريات، إذا أنهم لا يستطيعون ترك أطفالهم الذين يحتاجون رعاية مستمرة، ويذهبون إلى العمل مثل العديد من الأمهات، لذا فهم يحتاجون بشدة إلى توفير العمل لهم مطالبة بأن يراع في هذا العمل ظروفهم ما يعانوه من مآس كبيرة مع أطفالهم. 

سميرة: لم يكن معي ثمن علبة الزبادي لابني المريض

ابن سميرة حسين، فَقد النطق نهائيًا عندما تعرض لحادث سيارة في عمر العامين، إضافة إلى ذلك فهو مريض بالتوحد ويحتاج إلى علاج مستورد وباهظ الثمن لكي تقل نوبات التشنج التي تصيبه.

سميرة التي تركها زوجها هي وطفلها الوحيد ليواجها معًا صعوبات الحياه متخليًا عن أبسط واجبات الأبوة، طرقت كثيرًا أبواب العمل لكي تنفق على ابنها وعلاجه، ولكنها في كل مرة تفشل بسبب حالة الطفل الصعبة التي تحتاج تواجدها معه ومحاولة السيطرة على حالته العصبية الشديدة التي تجعله يفرغها ضربًا إثر النوبات العصبية التي تفاجئه، فيزداد جسدها الهزيل ضعفًا وتنخر قواها على التحمل. 

على كوب من الزبادي لم تملك ثمنه توقف بإحدى المرات علاج طفل سميرة ما جعله أكثر عنفًا لتندهش طبيبة المركز  وتتساءل عن السبب في ذلك، فتجيبها أنها عجزت عن شراء كوب الزبادي الذي وصفه الأطباء لابنها لإذابة العلاج به وتناوله.

سميرة التي تخلى عنها عائلها ورفضت عائلته الإنفاق على ابنهما المريض اضطرت للعمل فترة في مصنع تعبئة الفراولة "كنت بقطع ١٥ كيلو وباخد ٤ جنيه ونصف" تاه منها طفلها أثناء هذا العمل لانشغالها وحركته المفرطة "هايبرته"، حتى استطاعت أخيرًا العثور عليه،  وظلت تبحث عن عمل يناسب حالة طفلها دون جدوى. 

عند الطبيبة دينا طبيبة مركز التخاطب وتأهيل الأطفال ذوي القدرات الخاصة الذي وصفته بأنه الأقل في أسعاره، كان بداية النور الذي تراه سميرة عندما عرضت عليها طبيبة المركز العمل داخل مشروع عزبة جدي لتنضم إلى باقي زميلاتها اللاتي يعانين ظروف شديدة الصعوبة لمسئولياتهم عن أطفال تحت رعاية خاصة، وسط المعاناة من الفقر والأمية.

بالفعل تمكنت سميرة من ترك طفلها داخل المركز ورعايته من قبل الطبيبات هناك حتى ظهرت عليه علامات التحسن، وفي ذات الوقت مارست عملًا مريحًا ومربحًا مكنها من أن توفر جزءًا من نفقاته ومصروفات علاجه.

وداخل المشروع وجدت سميرة حسب وصفها روح من الحب والتعاون من الجميع، موضحة أن الكل يشعر ببعضه وبمعاناة الأخر "كلنا قلبنا على قلب بعض.. وبنشتغل بحب"، تقولها موضحة أن هذا العمل وفر لهم فرصة كريمة للعيش خاصة مع ما تتطلبه ظروف حياتهم الصعبة التي تختلف عن الآخرين.

عايدة: ابني يعاني صعوبات التعلم

صعوبات التعلم التي يعاني منها ابن عايدة صلاح جعلت جميع المدارس التي تتقدم به إليها ترفض قبوله، وتطلبت هذه الصعوبات مبلغ ٧٠٠ جنيه شهريًا لمحاولة علاجه، ذلك المبلغ الذي لم تقدر على دفعه عايدة التي توفي عنها زوجها وتركها وحيدة لا عائل لها.

عايدة هى الأخرى كتبت لها الأقدار الحسنة أن تلحق ابنها بمركز التخاطب الذي تملكه الطبيبة دينا وزوجة أخيها لتنضم هي الأخرى إلى السيدات اللواتي قدم لهم المركز المساعدة ويد العون التي تأخذ بأيديهن وأيدي أبنائهن ذوي الحالات الخاصة.

"كتر خير كل حد بيساعد أم من أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ويحس بمعاناتها" تقولها عايدة وتختم حديثها بالمطالبة بتوفير المزيد من الأعمال لهؤلاء الأمهات للمساعدة في توفير نفقات علاج أطفالهم، كما طالبت بضرورة توفير هذا العلاج لأن حالات أطفالهم تتوقف على وجوده.

صاحبة مركز التخاطب: "كنت بتحرج أخد فلوس وهذا ما طلبته من الله

الطبيبة دينا ضيف صاحبة مركز التخاطب والتأهيل لذوي الاحتياجات والمتخصصة في التربية الخاصة تصف أنها كانت تقيم في السعودية منذ سنوات طويلة، وقامت بأداء مناسك الحج وهي في سن الـ26، وهناك دعت الله أمام الكعبة أن يجعلها دائمًا في خدمة الناس وتنفيذ مصالحهم.

بعد بعض الخلافات التي دبت بينها وبين زوجها والتي أدت إلى الانفصال، توجهت دينا ببناتها الثلاث إلى مصر للإقامة بها، وهناك قررت إكمال دراستها، ووجدت أن الدراسة المناسبة لها تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالفعل درست هذا التخصص حتى حصلت على الدكتوراه به، وافتتحت مركز التخاطب بترخيص من وزارة التضامن.

 مع حالات أمهات هؤلاء الأطفال الصعبة وظروفهم المادية المعدمة، التي شاهدتها دينا داخل القرية وجدت دينا أن عليها أن تخفض سعر الجلسات العلاجية التي يقدمها المركز إلى أقل سعر يمكن قائلة" كنت باتكسف أخد فلوس من الناس" وتابعت أنه كانت بالكاد تكفي ثمن جلسات العلاج مرتبات الطبيبات العاملات داخل المركز دون تحقيق أي نسبة ربح.

كنت باحاول أساعدهم بأي شكل من خلال توفيرعلاج أطفالهم باهظ الثمن عن طريق سؤال أهل الخير، وكان البعض يستجيب، والبعض لا يستجب.

وتابعت أن هناك من هؤلاء الأمهات من كن يرفضن من تعففهن أخذ المساعدات بل كل ما يطلبوه هو توفير علاج أبنائهن، أو توفير فرصة علم ملائمة لهم ولظروفهم الصعبة.

استمر الوضع كذلك حتى راودت إلى الدكتورة دينا وزوجة أخيها جيلان فكرة تنفيذ مشروع "عزبة جدي" وقرروا إشراك هؤلاء الأمهات في العمل به لانتشالهم من بحر المعاناه، وتم اختيار شقة تمتلكها العائلة "كمضيفة" لتكون مقر عملهن، وبالفعل تم بدء العمل بالمشروع منذ شهور وحقق إقبالًا ملحوظًا من قبل المواطنين، كما حقق فرقًا كبيرًا في حياة هؤلاء الأمهات.

وأخيرًا دعت دينا إلى ضرورة الالتفات إلى مثل هذه الفئات من الأطفال، ومساعدة ذويهم على استكمال الحياه، كما ناشدت بتوفير مبلغ ثابت من الدولة كمساعدة لهؤلاء.