الاضطرابات النفسية.. جرح خفى لـ"النازحين من السودان"
يعاني عشرات الآلاف من الأسر والأطفال الذين فروا من السودان بسبب الاشتباكات الدائرة هناك، من الاضطرابات النفسية والتي تعد من توابع النزوح، وقد اضطر الكثير من السودانيين إلى الهجرة لدول مجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
الأزمات النفسية تلاحق النازحين من السودان
تشهد مناطق عدة في السودان صراعات مسلحة تسببت في نزوح مئات الآلاف الأشخاص داخليًا أو خارجيًا، ما أثر سلبًا على حالتهم الصحية والنفسية.
وأكد خبراء في الطب النفسي أن هؤلاء النازحين يعانون من أمراض واضطرابات نفسية مختلفة، تتطلب متابعة ورعاية مستمرة.
في هذا التحقيق يستعرض "الدستور" أبرز المشاكل والحلول المتعلقة بصحة اللاجئين والنازحين من السودان، وسنسلط الضوء على دور المنظمات المحلية والحكومة المصرية في تقديم المساعدات والدعم لهذه الفئة المعرضة للخطر.
بداية الأزمة في السودان
في 15 أبريل 2023 اندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم وبعض المدن الأخرى، ما دفع الدولة المصرية للتدخل إنسانيًا وسياسيًا للحفاظ على رعاياها وتنظيم عمليات إجلاء إنسانية لكل الأطياف هناك.
وفي التحقيق التالي، نوثق ما يحدث على أرض الواقع من مجهودات الدولة المصرية في توفير سبل الراحة للعائدين من السودان، وكذلك تقديم الرعاية والدعم النفسي للنازحين من السودان.
الدكتور جمال فرويز يوضح أسباب وأنواع الأزمات النفسية للنازحين من السودان
قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، والذي عمل استشاريًا للطب النفسي لدى الأمم المتحدة بعدد من مناطق النزاع، إن ليس كل النازحين تحدث لهم أمراض نفسية، موضحًا أن ذلك يعتمد على الجين الوراثي فمع النزوح من الكوارث الطبيعية أو مناطق النزاعات والتوتر كل من لديه مشكلة نفسية في الجينات تظهر في ذلك الوقت.
وأضاف فرويز، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن ضمن تلك الأمراض هي:
الاكتئاب: هو حالة نفسية تتمثل في شعور دائم بالحزن والإحباط وفقدان الأمل والاهتمام بالأشياء التي كان يستمتع بها المرء سابقًا.
الوسواس القهري: هو حالة نفسية تتمثل في ظهور أفكار أو صور أو رغبات غير مرغوب فيها بشكل مستمر ولا يستطيع المرء التخلص منها، مما يجبره على تكرار سلوكيات أو طقوس معينة لتخفيف قلقه.
اضطراب ما بعد الصدمة: هو حالة نفسية تترتب على تعرض المرء لصدمة نفسية شديدة، مثل حادث عنيف أو اغتصاب أو اختطاف أو حرب، مما يجعله يشعر بالخوف والذعر والكآبة ويرى كوابيس أو فلاش باك عن الموقف المؤذي.
اضطرابات في النوم: هي حالات نفسية تؤثر على جودة وكمية وإيقاع نوم المرء، مثل صعوبة في
الدخول في النوم أو الاستيقاظ منه أو الأرق أو النوم المفرط أو التبول أثناء النوم أو المشي أثناء النوم.
اضطرابات سلوكية وجنسية: هي حالات نفسية تؤثر على سلوك المرء وعلاقاته مع الآخرين، مثل العدوانية أو الانطوائية أو التهور أو الانحراف الجنسي أو فقدان الرغبة الجنسية.
الحلول المقترحة
وعن ما يحتاجه النازحون لتلاشي الأزمات النفسية للنزوح، أكد فرويز أن العاطفة هي العنصر الأساسي لتلاشي صدمات النزوح، بالإضافة إلى الشعور بالأمان والطمأنينة وتلك هي العناصر الأساسية للتقليل من الضغط النفسي عليهم، مؤكدًا أن تلك الاضطرابات تحتاج إلى متابعة مستمرة على مدار 6 أشهر.
وحدد فرويز أن هناك العديد من الأمراض النفسية التي تخلفها الصراعات تفوق في تأثيرها الأمراض العضوية، خاصة بالنسبة للأطفال والسيدات ممن شاهدوا الدمار والقتل.
وأكد أن خلال عمله ضمن فرق الأمم المتحدة في دارفور وجنوب السودان، شاهد تضرر الكثير من الأسر جراء النزوح والقتال، وشهد سكان تلك القرى إبادات وإصابات، فضلًا عن تهجير أغلبهم، وهذا له العديد من التداعيات عليهم.
وأوضح فرويز أنه دخل قرية حدثت بها مجازر، ضمن فريق الأمم المتحدة، وشاهد الأطفال ونظرات أعينهم والخوف الذي كان يسيطر عليهم لما شاهدوه من أحداث عنف واسعة، إذ يسقط العديد من القتلى والمصابين، وهناك من يترك منزله وبالتالي أدى ذلك لتزايد الأزمات النفسية والعصبية.
وأضاف أن الكثير من النازحين يعانون من اضطرابات نفسية، فالأطفال يعانون من الهلع واضطراب النوم والخوف المستمر من المصير الذي ينتظرهم، وهناك من فقد أولاده أو أطفال فقدوا آباءهم، وكل هذا يكون مصحوبًا بأمراض واضطرابات نفسية.
الدكتورة هبة عيسوي: الضغوط النفسية تتراكم على النازحين من السودان
قالت الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة عين شمس، في تصريحات لـ"الدستور"، إن الضغوط النفسية للنازحين تنشأ من ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: هي المرحلة التي تسبق الهجرة، حيث يتعرض المرء لأصوات القنابل والخوف والهلع من الموت وضيق سبل العيش وانقطاع وسائل التواصل كالتليفزيون والإنترنت، مما يثير اضطرابًا نفسيًا شديدًا لديه.
المرحلة الثانية: هي المرحلة التي يهاجر فيها المرء بطرق غير آمنة وينتظر طويلًا للحصول على إذن بالدخول إلى الدول المضيفة ولا يجد خدمات كافية لتغطية احتياجاته الأساسية في بلاده.
المرحلة الثالثة: هي المرحلة التي يصل فيها المرء ويستقر ويندمج مع البيئة الجديدة، وهذه المرحلة قد تكون طويلة أو قصيرة حسب شخصية المهاجر والصعوبات التي يواجهها في ظروف العمل أو المادية أو الصحية أو العزلة الاجتماعية التي تسبب له كثيرًا من الضيق.
وأوضحت عيسوي أن هذه المراحل تزيد من خطورة الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل:
القلق النفسي: هو حالة نفسية تتمثل في شعور مستمر بالقلق والتوتر والخوف من المستقبل أو من مواجهة مواقف معينة.
الاكتئاب: هو حالة نفسية تتمثل في شعور دائم بالحزن والإحباط وفقدان الأمل والإهتمام بالأشياء التي كان يستمتع بها المرء سابقًا.
اضطراب كرب ما بعد الصدمة: هو حالة نفسية تترتب على تعرض المرء لصدمة نفسية شديدة، مثل حادث عنيف أو اغتصاب أو اختطاف أو حرب، مما يجعله يشعر بالخوف والذعر والكآبة ويرى كوابيس أو فلاش باك عن الموقف المؤذي.
الأرق: هو حالة نفسية تؤثر على جودة وكمية وإيقاع نوم المرء، مثل صعوبة في الدخول في النوم أو الاستيقاظ منه أو النوم المفرط أو التبول أثناء النوم أو المشي أثناء النوم.
اضطرابات سلوكية وجنسية: هي حالات نفسية تؤثر على سلوك المرء وعلاقاته مع الآخرين، مثل العدوانية أو الانطوائية أو التهور أو الانحراف الجنسي أو فقدان الرغبة الجنسية.
جهود مصر في استقبال النازحين
وفي ظل استمرار تدفق المئات من المصابين بجروح نتيجة للصراعات في دارفور إلى مصر عبر ميناء سفاجا، كشف المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبدالغفار عن تفاصيل استقبالهم في الميناء، مؤكدًا أنه تم دفع بـ10 عيادات متنقلة في مختلف التخصصات.
وأضاف عبدالغفار أن هناك حالات من القادمين في حاجة إلى دخول المستشفيات، مشيرًا إلى أن كل العيادات الموجودة في المنافذ الحدودية مرتبطة بمستشفيات للإحالة بحسب التوزيع الجغرافي: "113 حالة جرى إحالتها إلى المستشفيات وخرج منهم 91 والباقي يتلقى العلاج في المستشفيات".
وأشار عبدالغفار إلى أنه تم فتح عيادات للدعم النفسي من خلال التحويل للمستشفيات وتابع القادمين لمدة لا تقل عن أسبوعين بعد وصولهم من أجل الاطمئنان على حالتهم.
دور جمعية الهلال الأحمر المصري في دعم وإغاثة القادمين من السودان
أعلنت جمعية الهلال الأحمر المصري عن حجم الخدمات التي قدمها متطوعوها في معبر أرقين ومعبر قسطل على الحدود بين مصر والسودان للنازحين من السودان، سواء كانوا من المصريين أو الأجانب، خلال الفترة من 21 أبريل إلى 20 مايو 2023.
وذكرت الجمعية في منشور على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" أنها خلال هذه الفترة قدمت خدمات غذائية وإغاثية وطبية ونفسية وغيرها للقادمين عبر المعبرين، وبلغ عددها 316939 وجبة جافة وحقائب نظافة، بالإضافة إلى تسهيل سفر 606 أشخاص، و388 مكالمة محلية ودولية، و4375 حالة دعم نفسي، و9 حالات تقصي، و9577 خدمة طبية.
وأضافت جمعية الهلال الأحمر المصري أنها نظرًا للظروف التي يمر بها السودان في هذه الفترة، أطلقت حملة "دعم سلامة أولادنا بالسودان"، حيث قدمت الخدمات المذكورة على الحدود المصرية السودانية في معبر أرقين ومعبر قسطل، بالإضافة إلى خدمات إعادة الروابط العائلية وتوزيع حقائب النظافة الشخصية وخدمات أخرى تحتاجها الفئات المستهدفة للوصول إلى منازلها بأمان.