رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحيل مفاجئ لشريك العمر الكاتب الصحفى عبدالحميد شعير

أستئذن القارئ، اليوم، فى أن أكتب عن شريك العمر الكاتب الصحفى الكبير عبدالحميد شعير، الذى جاء رحيله المباغت صدمة كبرى لى، ولكل محبيه وأصدقائه وأصدقائنا، إلى الحد الذى جعل الصلاة على روحه الطاهرة بمسجد الشرطة فى منتهى الصعوبة، نظرًا لازدحام المسجد عن آخره بالمصلين، رجالًا ونساءً، كما امتلأ مسجد عمر مكرم عن آخره بالمعزين من كل المجالات، حتى اضطررنا لإحضار عدد كبير من المقاعد الإضافية ليجد المعزون مكانًا للجلوس.

كان عبدالحميد شعير، لكل من عرفه أو تعامل معه، إنسانًا يتمتع بقلب طيب، وخفة دم تلقائية وقدرة على نشر المرح أينما ذهب، هذا إلى جانب أنه كان قبل كل هذا كاتبًا صحفيًا ذا كفاءة مهنية، ومسيرة صحفية مشرفة كرئيس للقسم العسكرى فى الأهرام اليومى، ومن قبلها كنائب لقسم الحوادث، وبعدها كمدير لتحرير صحيفة الأهرام اليومية.

ولأننا قد تزوجنا عن حب، فإننى قد راهنت على أن الحب هو أساس نجاح أى ارتباط بين رجل وامرأة، وبين أى زوجين، ولقد كانت دائمًا قناعتى أن زواج الحب يدوم ويستمر لأن الحب قادر على تجاوز وتذليل كل الصعاب فى الحياة، وهذا الأمر حقيقى من واقع تجربتى الشخصية فى زواج استمر ٢٩ عامًا من زوجى الغالى، إلا أن هذا لا يعنى أن الحب فقط يكفى، فهل يكفى الحب فقط لإنجاح الزواج؟

هذا السؤال ربما يقفز إلى ذهن الكثيرين، حيث إننا نرى خلال السنوات الأخيرة زيجات حب تفشل خاصة بين الشباب، كما تزايدت أيضًا من ناحية أخرى معدلات الطلاق فى مصر، حيث احتلت مصر المرتبة العشرين حول العالم فى ٢٠٢٢، وبلغ عدد حالات الطلاق ٢٥٤ ألفًا و٧٧٧ حالة طلاق فى ٢٠٢٢، وذلك حسب الإحصاء السنوى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وسجلت النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق عدد حالات طلاق بلغ ٢٥٤٧٧٧ حالة عام ٢٠٢١ مقابل ٢٢٢٠٣٦ حالة فى ٢٠٢٠، بنسبة زيادة قدرها ١٤,٧ فى المائة.

وللإجابة عن سؤالى: هل الحب وحده يكفى؟ أقول إنه شرط أساسى وضرورى، ولا بد أن يكون أساسًا للزواج لكى يشعر الإنسان بالسعادة، وليتمكن من مواجهة مصاعب ومتاعب وضغوط الحياة اليومية ومستجداتها ومشاكلها، إنه الأساس السليم والضرورى لنجاح أى زواج، لكنه أيضًا من الضرورى أن تضاف إليه عدة أمور أساسية لتستمر العشرة بشكل سوى وصائب.

فلا بد أن تكون بين الزوجين قدرة على حل المشاكل بالتفاهم، لأنه أساس الاستمرار والعلاقة السوية المحترمة، إن التفاهم يعنى أن نتفاعل ونتفق ونتناقش دون أن تتصاعد الأمور أو تصل إلى طريق مسدود، فإذا ما اتفق شريكا الحياة على التفاهم، فإنها ستستمر بلا منازعات أو خلافات تفسد المودة والرحمة بين الزوجين، وهناك أيضًا ضرورة للعطاء المتبادل والاحترام وتقدير كل طرف للآخر، حتى تسير الأمور بسلاسة ودون عقد نفسية قد تفسد العلاقة الزوجية.

ولأننى أنا وعبدالحميد كنا نعمل فى نفس المجال، وهو دنيا الصحافة والإعلام، وفى نفس الصحيفة اليومية، فإن التفاهم بيننا كان قائمًا، لأن كلًا منّا يدرك طبيعة عملنا الصعبة، فكنا نهون المصاعب على بعض، ولا نختلف على مواعيد العمل، حيث إنها غير ثابتة، أو على أسلوب الحياة المختلف عن أى عمل آخر عادى أو روتينى، إن العمل الصحفى فى صحيفة يومية يسرق العمر ويتطلب التفانى والاجتهاد والمتابعة والمصداقية.

وكان عبدالحميد شعير دائمًا ما يقول إن الصحفى الكفء لا بد أن يتحرك ليغطى الأحداث والأخبار المهمة، ولا ينتطر أن تأتيه الأخبار من خلال النشرات أو البيانات، فلقد تولى مهام صعبة فى الأهرام اليومى، حيث كان رئيسًا للقسم العسكرى، فكان دقيقًا فى الخبر وفى التغطية الصحفية وفى التحقيق الصحفى.

وهو الذى كان دائمًا يؤكد لى أن الإرهابيين، حيث كان يرافق قوات الأمن أثناء مداهمتهم فى أوكارهم، لا يمتون بصلة للإسلام الصحيح، فأحدهم مثلًا كان أميرًا للجماعة وهو فى حقيقة الأمر كان يعمل طبالًا فى فرقة إحدى الراقصات، وهو لا يفقه أى شىء فى الإسلام الصحيح، وإنما نصبوه أميرًا للجماعة، فأدى هذا الدور المطلوب منه ببراعة.

ولم يكن عبدالحميد شعير وفديًا رغم أن أسرته كان معظمهم من أعضاء حزب الوفد، لأنه كان يحب حريته فى التعبير عن رأيه، فلم ينتمِ لحزب أو لجماعة صحفية، بل كان صديقًا وزميلًا للكبير والصغير ينشر البهجة فى أى مكان يدخله ويحرص على انتقاء كلمات جميلة للترحيب بالأصدقاء والزملاء تظهر صفاء روحه ونقاء سريرته، وأبدًا لم يكن يُحمل أحدًا همومه بل كان يسعد بإعطاء النصيحة العاقلة والتوجيه للسلوك السليم والصائب لأى زميل أو صديق يطلب رأيه.

وبالنسبة لى، كان أكبر داعم ومساند لى فى مشوارى الصعب مع الصحافة والإبداع والكتابة، وكان محبًا لابنتى وابنى فأحباه، وخير معين لى فى مرض والدتى الطويل، كان يحمل قلب طفل وحكمة شيخ محنك، رغم أن من يجلس معه لأول مرة حينما يستمع لخفة دمه وقفشاته اللاذعة لا يتخيل أنه يملك مفاتيح الخبرة والحكمة والعقل المتقد ذكاءً.

رحم الله شريك العمر عبدالحميد شعير، الكاتب الصحفى ومدير تحرير الأهرام «سابقًا»، والذى جمع صفات جميلة ونبيلة، يندر وجودها فى رجل واحد، لكنها كانت كلها فيه، يكفى أنه أحبنى بصدق وبإخلاص على مدى ٢٩ عامًا هى عمر زواجنا الذى مرت سنواته كأنها سنة واحدة، وإننى أحسست بالأمان مع زوج متحضر ومستنير وصادق، اللهم أدخله فسيح جناتك بقدر طيبة قلبه وحبه للخير للضعيف والمحتاج، ورعايته ودعمه المستمر والصادق لى فى مهنة البحث عن المتاعب.

اللهم امنحنى القدرة والصبر على تحمل مصابى الكبير، فالحزن يسكن فى القلب ولن يذهب عنى مهما مرت الأيام، ورغم أننى أقول إنه سيظل دائمًا فى داخل قلبى، فإننى أدرك أن الحياة ستكون صعبة دون مساندة شريك العمر الذى كان يخفف من وطأة مشاكلها وضغوطها.. الحياة من بعده ستكون خاوية ومؤلمة كصحراء قاحلة ممتدة وموحشة وبلا نهاية، فخذ بيدى يا الله حتى أتمكن من المضى فى مسيرتى وحياتى دون هذا الألم الذى يعتصر القلب بفقد شريك العمر طيب القلب.