في ذكرى وفاته.. لماذا اعتبر محمد عابد الجابري الفكر العربي سفسطائيًا؟
تحل اليوم الثالث من مايو، ذكرى وفاة المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، الذي كتب ما يربو عن ثلاثين عملًا لمناقشة قضايا الفكر العربي، من أهمهم سلسلة "نقد العقل العربي"، كما أنه حظي بتكريم اليونسكو لكونه واحدًا من أكبر المتخصصين في ابن رشد.
الفكر العربي القديم
في حوار أجري مع المفكر الراحل في مارس 1987 بمجلة “آفاق عربية"، وردًا على سؤال له ما إن كان الفكر العربي القديم فكرًا توفيقيًا أم أحادي النظرة؟ رفض الجابري الخيارين قائلًا إن الفكر العربي قد ضم الاتجاهين وأن مشكلته الأساسية تمثلت في عجزه عن تجاوز الفكر التوفيقي والأحادي نحو التركيب.
وأوضح ذلك بقوله: ليس من السهل أن يقول الإنسان العربي إن الفكر العربي كان أحاديًا أو توفيقيًا، الحضارة العربية هي ملتقى حضارات، ملتقى ثقافات، إنها حضارة تمثلت واختزنت حضارة وثقافة كثير من الأمم والشعوب، حضارة العرب القديمة وما تبقى منها وما ترسب وما نتج من خلال الحياة العربية والممارسة العربية في المغرب والعراق والشام، هذا التنوع أعطى حياة خصبة ومناقشات لا تنتهي.
وتابع: “كانت هناك حرية في التعبير لا تتوفر الآن، ولا أعتقد أنها تتوفر. في وقت قريب كانوا يبحثون في كل شيء، كان هناك قمع وكانت هناك أيضًا حرية، الإنسان لا يستطيع أن يحكم بسهولة ويقول إن التفكير الإسلامي كان حديا أو أنه كان توفيقيًا”.
غياب التركيب في الفكر العربي
وبحديثه عن غياب التركيب عن الفكر العربي بيّن فكرته بقوله: “الشيء الذي يمكن أن أقوله هو أن ما يسمى بالتركيب كان شيئًا غائبا عن الثقافة العربية وما زال غائبًا، ولكن التركيب بهذا المعنى ليس التوفيق أو التلفيق، يجب أن نعطي المصطلحات معانيها”.
وأضاف: “هناك التلفيق كأن يأتي الكاتب بمعلومات من هنا ومن هنا، ويقول كتابنا كما كان يقول القدماء خذ من هنا ومن هنا وقل هذا كتابنا. إنه يلفق والثقافة العربية في عصر الانحطاط شهدت هذا النوع من التلفيق”.
وهناك التوفيق وهو شيء آخر، كأن يكون هناك مذهبان متعارضان وأنت تحاول أن تدرس هذا وتدرس ذاك وتبحث عما يشتركان فيه فتنتج مذهبا فيه شيء من هذا وشيء من ذاك ولكن لا يعبر عنهما معا، فهذا توفيق سبينوزا مثلا أو كما فعل ابن سينا، لقد وفقا، لا يوجد هناك أصالة بل توفيق تأخذ من هنا ومن هنا فلا ابتكار، ولكن هناك مجهود للربط لإضفاء نوع من الوحدة.
وأشار الجابري إلى أن التركيب شيء آخر، إذ يعني أن يكون عندك شيء وهذا الشيء له ما ينفيه، فينتج عنه نفي للنفي يحتفظ فيه بالمعطى الأول، فعملية الصراع بين الأضداد بهذا الشكل إذا أعطى مخرجا جديدا فإنه لا يكون توفيقا لأنه لا يوفق بين الضدين بل بتجاوزهما؛ يلغيهما، ولا يلفق بينهما أيضًا بل يعطي تقييما جديدا، فعملية التركيب هي ثمرة الجدل، والفكر العربي هو فكر جدلي بمعنى كلامي سوفسطائي.
التفكير الأحادي والتفكير التوفيقي
وأوضح المفكر المغربي أن الفكر العربي كان به جوانب أحادية ممثلًا في أشخاص مارسوا التفكير الأحادي كما أن هناك أشخاصًا مارسوا التفكير التوفيقي، فيما كان التركيب هو الغائب أي كيف نخرج من الأضداد بشيء يتجاوزها جميعا، وهذا طبعا من أسس الحضارة الحديثة أو التفكير الحديث.
قال الجابري: “مشاكلنا بنسبة كبيرة سواء مشاكلنا الفكرية كثقافة وفكر ومشاكلنا السياسية والحضارية راجعة إلى أننا لم نستطع بعد أن نشق لأنفسنا طريقا يسود فيه التركيب في التفكير، الجدل ثم التركيب، لا لنتجادل ونختصم أو لنتقارب أو لنحمل الرصاص ضد بعضنا بعضا أي يجب أن نبحث عن شيء جديد يحتوينا معًا ويسير بنا خطوة إلى الأمام، هذه الظاهرة يمكن أن أقول منذ الآن من المسائل الغائبة في الفكر العربي بكيفية واسعة جدا، سواء المعاصر أو القديم”.