«معركة فكرية».. لماذا رفض مراد وهبة كتابًا يعيد الاعتبار للحضارة المصرية؟
في يناير 1998، شهدت مكتبة القاهرة معركة فكرية حول كتاب يدافع عن الحضارة المصرية ما بين مؤيد ومعارض لأطروحات الكتاب، الذي أثار جدلًا واسعًا ليس فقط في العالم العربي وإنما في العالم الغربي الذي لم تكن معارضته للكتاب أقل حدة.
بعد أن صدر في مصر كتاب "أثينا السوداء" لمؤلفه المفكر الإنجليزي مارتن برنال، قامت نخبة من المترجمين بترجمته وإصداره عن المشروع القومي للترجمة. وفي يناير 1998 ثارت المعركة الفكرية التي شهدتها مكتبة القاهرة حول الكتاب، والتي نقلت مجلة العربي تفاصيلها في 5 يناير من العام المذكور.
كتاب أثينا السوداء
سعى الكتاب إلى إثبات أن أصل الحضارة الأوروبية الحديثة أفريقي ومصري على وجه الخصوص، فقدم أدلة من زوايا أثرية ولغوية وأدبية وتاريخية، ليثبت أن المصريين القدماء هم الذين وضعوا ركائز الحضارة اليونانية التي قامت على أساسها الحضارة الأوروبية الحديثة.
وقال برنال؛ المتخصص في اللغويات، إن دراسة اللغة اليونانية تبين أن 45% منها من أصل مصري، وأن مدن طيبة اليونانية وأسبرطة وأثينا مصرية لأن مؤسسها من أصل مصري هو سنوسرت.
أثار الكتاب جدلًا في الغرب لما يدحضه عن نظرية النموذج الآري التي تقول بتفوق الجنس الأبيض الشمالي على العنصر الأسود الجنوبي، وأن أوروبا أصل الحضارة لقدرة الرجل الأبيض على التفكير والتنظيم والعقل بينما يغوص الأسود في الخرافات والأساطير بحكم تكوينه العرقي.
وقال برنال إنه هدف من الكتاب إلى التقليل من الغطرسة الثقافية الأوروبية، وتعرية المركزية الأوروبية والدفاع عن مصر وحضارتها التي بلغ التقليل منها ذروته بعد الاحتلال الإنجليزي لها.
فإن كان مثقفو الغرب قد جابهوا هذا الكتاب لما يدحضه من أفكار عن تفوقهم، فلماذا انتفض مثقفون مصريون ضده؟ ولم ثارت معركة فكرية حول الكتاب؟
ضد التنوير
ما بين المفكر مراد وهبة والباحث في المصريات أحمد عثمان وأستاذ الدراسات اليونانية أحمد عتمان، نشبت معركة بدأت باعتراض وهبة على ما ذكره الكتاب، إذ أنكر وهبة أن المصريين عرفوا النظرية العلمية.
قال وهبة إن فكرة العودة إلى الفرعونية خطأ لأن الفراعنة لم يملكوا علومًا وإنما امتلكوا خرافات أسطورية وفكرًا دينيا وأن التنويرين الأوروبيين هم الذين أقاموا عصر العقل وحققوا نهضة علمية.
رفض مراد وهبة أستاذ الفلسفة الكتاب على الرغم من أنه يعيد الاعتبار لمصر وحضارتها ودورها التاريخي الذي ظلمه الاستعمار، فقال إن الكتاب ضد التنوير وأن الفكر اليوناني إبداع يوناني لا علاقة له بمصر.
رفض كلمة مراد وهبة
رفض الباحث في المصريات أحمد عثمان ما قاله وهبة، موضحًا أن جميع المصادر العلمية التي وجدت مكتوبة باليونانية خرجت من الاسكندرية منذ اللحظة التي فتح فيها البطالمة مكتبة الإسكندرية التي كانت على مدار سبعة قرون هي المركز الفكري والحضاري في العالم كله.
ومن جانبه، رفض مصطفى النشار كلمة مراد وهبة التي تشكك في الحضارة المصرية وتقول إنها تفتقد إلى الأدلة المادية والتاريخية.
ووافقه الرأي أستاذ الأدب اليوناني أحمد عتمان الذي قال إن الكتاب يحض على إعادة قراءة التاريخ الإنساني ولا سيما التاريخ القومي الذي كتبه الأوروبيون.
وأضاف أن الكتاب قد رد الاعتبار للشرق وهو مانيفستو ضد المركزية الأوروبية وضد الاسترقاق القائم على أن بعض الشعوب خلقت لتكون لها السيادة وأخرى للعبودية والتبعية.