رصدها «سره الباتع».. طوائف الحرفيين التى مهدت للنقابات العمالية
في الحلقة الرابعة من مسلسل «سره الباتع»، وتحديدًا المشهد الذي يجمع ابنتي الشيخ «راشد»، والذي يقوم بدوره الفنان صبري عبد المنعم، تقول ابنته «زهرة»: «وهو حد يقدر يهوب لبنات الشيخ راشد شيخ معلمين المعسل في بر الدلتا كلها».
طوائف الحرفيين التى مهدت للنقابات العمالية
وهنا لا تقصد «زهرة» بلقب شيخ المعلمين المعني الدارج لها، أي المعني الديني، إنما كان هو لقب ورتبة بين الطوائف العمالية قبل أن تظهر النقابات، حيث كان لكل مهنة طائفة لها شيخ أو معلم يدير شئونها وينظم قوانينها ويفصل بين المشتغلين بها.
ما هي طوائف الحرفيين؟
في كتابه «الحركة العمالية في مصر 1899 ــ 1952»، يذهب المؤرخ الكبير رءوف عباس إلى أن نظام طوائف الحرف في مصر سبق ظهور الصناعة الحديثة في مصر، وكان نظام طوائف الحرف يعكس تنظيمًا اجتماعيًا كانت تسير عليه فئات الشعب، فكان الأفراد الذين تجمعهم مهنة واحدة أو عمل واحد أو حتي اتجاه ديني واحد ينظمون أنفسهم في شكل طوائف لرعاية مصالحهم الذاتية، وأصبحت الطائفة في العصر العثماني هي السمة المميزة لنظام المجتمع المصري حينئذ، فكانت علي قدر كبير من الأهمية حتي شبهها البعض بأنها كانت اللبنات التي أقيم عليها بناء المجتمع الإسلامي وقتئذ، ومظهر من مظاهر التجمعات العمالية الأولي في مصر التي سبقت النقابات العمالية الحديثة.
طوائف الحرفيين والحملة الفرنسية
ويلفت «عباس» إلى أنه: وكانت بعض الطوائف تصنف بحسب عقيدة أفرادها، فكان أفراد الحرفة الذين يعتنقون ديانة واحدة يكونون طوائف خاصة بهم، كما أن التجار كونوا طوائف تبعا للبلاد التي ينتمون إليها 1802 دعيت طوائف الحرف بالقاهرة إلى بناء دار الباشا تبعًا للقوائم التي قد أعدتها الحملة الفرنسية.
وكانت التفرقة بين الطوائف من حيث المنزلة الاجتماعية واضحة، ففي المناسبات الخاصة كمناسبة زواج ابن محمد علي في ديسمبر 1814، منح الباشا شيوخ الطوائف خلعًا ونقودًا تبعًا لمكانة طوائفهم على قدر الصنعة وأهلها.
وكانت الحرف ذات المنزلة الدنيا (الحرف الدنيئة) كما يصفها «الجبرتي» تضم باعة الحلوي وطهاة الأطعمة وباعة الأسماك المملحة والخمارين، بينما كان التجار المتخصصون في تجارة الأقمشة والحرير وتجار الغورية ينتمون إلى الحرف ذات المكانة العالية «الحرف المعتبرة».
تصنيف طوائف الحرفيين
ويمضي المؤرخ رءوف عباس موضحًا: كانت الطوائف تصنف علي اختلافها إلى ثلاثة أنواع: طوائف أصحاب الحرف، وطوائف التجار، وطوائف الأعمال المتعلقة بالنقل والخدمات، وكان الجميع يخضعون لنظام واحد، فلم يكن تاريخ الطوائف في القرن التاسع عشر هو تاريخ الطوائف الحرفية بمعناها الضيق، ولكنه كان نظامًا عامًا يضم سكان المدن بمن فيهم من الموظفين كالكتبة وجباة الضرائب، بينما بقيت البيروقراطية الكبرى خارج النظام وكذلك العلماء، برغم أن الأزهر كان يستعمل مصطلحات الطوائف (طائفة، شيخ، نقيب).
تقاليد الطوائف
وكان للطوائف تقاليد معينة يلتزم بها أفراد الطائفة جميعًا، فكان أول عهد الصبى بالطائفة حفل "الالتحام" الذي كان يتم بحضور أعضاء الطائفة التي يريد الصبي الانضمام إليها، ويبدأ عادة بقراءة الفاتحة ويصبح في ختامه الطفل "صبيًا" لدى "الأسطى"، وبذلك يكون قد مر بأولى مراحل الالتحاق بالطائفة، وبعد فترة من التدريب يدخل الصبي المرحلة الثانية بأخذ "العهد" على معلمه، فيقام حفل آخر لهذا الغرض يحضره أفراد الطائفة، ويبدأ بقراءة الفاتحة، ثم يلقى المعلم على الصبي بعض الأسئلة التي يتولى الأخير الإجابة عنها، ثم يتلو القسم ويقوم المعلم بعد ذلك بإسداء النصح إليه، وينتهي الحفل بتلاوة بعض آيات الذكر الحكيم والصلاة على النبي.
وبدخول المرحلة الثالثة يقتحم الصبي "سياج" الطائفة ويصبح عاملًا أو "صنايعيًا" أو "مشدودًا"، حيث يمر بحفل الشد الذي يتمنطق فيه بحزام الطائفة على يد النقيب بحضور الشيخ، وفي هذا الحفل يقوم "الكبير" أي المعلم بتقريظ تلميذه أمام شيخ الطائفة مبينًا مدى مهارته في اتقان الصنعة، ثم يليه "الجد" وهو كبير الكبير، ثم يقوم النقيب والطالب بعقد حلقات مع العمال من زملاء الأخير لتصفية ما قد يكون بينهم وبين الطالب من منازعات، وبعد ذلك يعقد اجتماع كبير للطائفة تولم فيه وليمة، ويفتتح الحفل بقيام كل عضو بقراءة الفاتحة لكبيره، ويهدي كل منهم إلى الشيخ– عودا أخضر- ثم يقوم الطالب بمناشدة الحشد أن يطلبوا من الشيخ أن يستجيب لكبيره ويلحقه بحمايته ويقبله عضوًا بالطائفة، فإذا اعترض أحد الحاضرين كان على الطالب مصالحته.
وبعد ذلك يشمل الصمت الجميع، ويقوم الطالب فيتوضأ ثم يعقد فى حزامه أربعة عقد، إحداها لكبيره، والثانية للجد، والثالثة للطائفة، والأخيرة لإمام العلوم «علي بن أبي طالب»، ثم ينصح الحاضرون المشدود بأن يكون عفيفًا خيرًا، وألا يقدم على فعل ما يغضب الله، وأن يتمسك بالشريعة.
أما الخطوة التالية لعضو الطائفة فهي ترقيته إلى مرتبه "الأسطى" أو المعلم، فيقام حفل "الإذن" أو "الإجازة" وهو المرحلة الرابعة والأخيرة لدخول الطائفة، وتعد بمثابة ترخيص بمزاولة تعليم الحرفة، ولكن الإجازة لم تكن لتصح إذا منحها الوالد لابنه لاحتمال وقوعه تحت تأثير عاطفة الأبوة.
مراحل ترقى الأسطوات
ويلفت «عباس» إلى أنه: وكان الأسطوات يمرون بأربع مراحل للترقية إلى أعلى مراتب الطائفة، فكانت المرحلة الأولى هي درجة "البيشرويش" أو "البيشرويش الصغير"، أما الثانية فكانت "النقيب الثاني" أو "النقيب الوسطاني"، وأما الثالثة فكانت مرتبة "النقيب" أو "النقيب الكبير"، وأما الأخيرة فكانت درجة "الشيخ".