مفتى الجمهورية: لا نأبه بأى تشكيك فى فتاوى الدار.. ونفتخر بوقوفنا فى صف الوطن (حوار)
كشف الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، عن وضع دار الإفتاء- كعادتها كلَّ عام- خطَّة متكاملة ومتنوعة لخدماتها وبرامجها التى ستقدِّمها للجمهور خلال شهر رمضان المبارك، وذلك بمختلف الآليات والوسائل، لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الشهر الكريم.
وتعهد «علام» فى حواره التالى مع «الدستور»، بأن تعمل الدار على أداء واجبها فى بيان صحيح الدين والأحكام الشرعية، والإجابة عن كل التساؤلات التى تدور فى أذهان الصائمين، وذلك عبر العديد من الطرق، يأتى على رأسها تخصيص خطّ ساخن لـ«فتاوى الصيام» بشكل يومى، إلى جانب البث المباشر على حساباتها وصفحاتها الرسمية فى مواقع التواصل الاجتماعى.
■ بداية.. كيف نستغل رمضان ونفوز ببركات هذا الشهر المعظم؟
- رمضان موسم للطاعات، ينبغى على المسلم ألا يفرط فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويجب أن يكون من السبَّاقين إليه والمتنافسين فيه لقوله تعالى: ﴿وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
ومن شدة تعلق النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر الكريم كان يقول: «اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان». وكان من شدة حرص الصحابة عليه وانتظارهم له، ما ورد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يقول عند دخول رمضان: «مرحبًا بمطهرنا من الذنوب».
ولما كان شهر رمضان موسمًا للربح بمغفرة الله تعالى، حرص الصحابة رضوان الله عنهم على إعداد أنفسهم الإعداد الجيد لاستقبال هذا الضيف الكريم والاستبشار به، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: «جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم».
ومن خير الأمور التى لا بد أن يحرص عليها المسلم لاستقبال رمضان التوبة النصوح إلى الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر».
هو موسم للربح اختصه الله تعالى بليلة هى ليلة القدر خير من ألف شهر، فاحرصوا على ألا تُحرموا أجرها.
■ ما الجديد الذى ستقدمه دار الإفتاء للمسلمين فى رمضان هذا العام؟
- دار الإفتاء المصرية كعادتها كلَّ عام وضعت خطَّة متكاملة ومتنوعة لخدماتها وبرامجها التى ستقدِّمها للجمهور خلال شهر رمضان المبارك بمختلف الآليات والوسائل، لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الشهر الكريم.
وأداءً من الدار لواجبها فى بيان صحيح الدين والأحكام الشرعية، والإجابة عن كل التساؤلات التى تدور فى أذهان الصائمين، خصَّصت خطًّا ساخنًا لفتاوى الصيام خلال شهر رمضان المبارك، للردِّ على أسئلة المستفتين يوميًّا.
كما أن الدار ستعمل كذلك على تكثيف نشاطها على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعى للدار خلال شهر رمضان المعظَّم، حيث ستقدم العديد من الخدمات، من بينها خدمة «البثِّ المباشر» اليومى للإجابة عن أسئلة الصائمين بشكل مباشر، وبث قرآن المغرب والفجر بصوت كبار القراء، ونشر فيديوهات قصيرة خاصة بالصيام.
وسيجرى يوميًّا من خلال صفحات الدار الرسمية التذكير بأفضل الأعمال التى يمكن أن يؤديها الصائم فى رمضان، والتذكير بأفضل الأدعية والتهجد فى وقت السَّحَر وعند الإفطار، ونشر «جرافيك» بمبطلات الصيام «المفطرات»، والأعمال المستحبة فى رمضان، وبيان مسألة زكاة الفطر المختلف فيها دائمًا، بشرحها عن طريق الفيديو بشىءٍ من التفصيل.
كما يتم إطلاق عدد من الحملات الإلكترونية المتنوعة على مدار الشهر الكريم، منها: حملة «افعل، ولا تفعل» لبيان أهم الأعمال التى يجب التشبث بها، وكذلك التى يجب تركها، وحملة «كانوا فى رمضان»، ويُنشر من خلالها منشور يومى، يذكر فيه بأحوال الصالحين فى رمضان.
وتضاف إلى ذلك حملة بعنوان «العبادات فى رمضان» تتناول العبادات، مثل صلاة التراويح والتهجد، وما يتعلق بهما من أحكام، والحث على المواظبة على السنن والرواتب وبيان فضلها، وتنتهى ببيان صلاة العيد وأحكامها فى آخر أيام الشهر المبارك.
وهناك كذلك حملة بعنوان «لطائف قرآنية وإيمانيات» تقدم وِردًا يوميًّا من القرآن لمدة ١٠ دقائق بصوت مشاهير القراء، وكذلك نشر كبسولات «لطائف قرآنية»، وإعداد «إنفوجرافات» رمضانية.
ويتزامن هذا مع عدد من البرامج التليفزيونية على مختلف القنوات الفضائية وموجات الراديو، وسنرد على أسئلة الصائمين خلال الحلقات، فضلًا عن ظهور علماء الدار فى البرامج التليفزيونية المباشرة للرد على استفسارات المشاهدين وأسئلتهم حول رمضان وأحكام الصيام، بالإضافة إلى الرسائل والبيانات الصحفية اليومية حول أحكام وفتاوى الصيام التى يكثر السؤال عنها.
■ يُلاحظ توسع الفروع التابعة لدار الإفتاء فى المحافظات.. ما خطتكم فى هذا الإطار خلال الفترة المقبلة؟
- نأمل التوسع فى افتتاح فروع جديدة لدار الإفتاء فى المحافظات، والذى يأتى فى إطار جهود الدار لتطوير أدائها ونشر خدماتها فى مختلف محافظات الجمهورية، وضبط بوصلة الإفتاء عن طريق بيان صحيح الفتوى، ومواجهة الفتاوى الشاذة والمتشددة، ومحاربة الفكر المتطرف.
كما أن هذا يأتى تنفيذًا للخطة الاستراتيجية الخمسية التى بدأتها الدار، وتهدف فى المقام الأول إلى تعزيز قنوات الاتصال مع الجمهور والتيسير عليهم؛ للحصول على الفتوى الصحيحة من أمناء الفتوى المتخصصين بدار الإفتاء، وغيرها من الخدمات الشرعية.
■ تنشر دار الإفتاء بين الحين والآخر فتاوى تتعلق بـ«الاحتكار» وغلاء الأسعار لحث التجار على مراعاة المواطنين.. كيف ترون مردود هذه الفتاوى فى وقتنا الحالى؟
- لا شك أن لها مردودًا إيجابيًا، فهناك بعض التجار المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار يعتقدون أن هذه الممارسات مشروعة، والحمد لله الوازع الدينى له أثر كبير وطيب.
■ هل وضع الشرع الحنيف معالجة لحالة الغلاء؟
- هناك وسائل كثيرة قدمها الشرع الشريف، منها الدعوة لترشيد النفقات والاستهلاك، والتوسع فى العمل الخيرى والتكافل، فضلًا عن الكسب الحلال وعدم الاحتكار، والابتعاد عن الجشع والاستغلال.
■ الشرع الحكيم فرض على بعض الأفعال التى يقوم بها المسلم كفارة. ومن بين الكفارات الإطعام.. هل الكفارة فى إطعام صائم أفضل منها فى غير الصائم؟
- إطعام الطعام للنفس وللأهل وللغير من الأمور المحببة فى الشرع الشريف، خاصة فى هذا الشهر الفضيل، ولكن بلا إسراف أو تبذير، لأن الإسراف سلوك سلبى لا يليق بنا نحن المسلمين، فالأَولى لمن يسرف ويبذِّر فى هذا الشهر أن ينظر إلى جيرانه وأقاربه وباقى المحتاجين.
■ البعض يقول إن توزيع الطعام الجاف على الأسر أفضل مما يُعرف بـ«موائد الرحمن» وأكثر جدوى نظرًا للحالة الاقتصادية التى يعانى منها الجميع.. ما رأيكم فى ذلك؟
- أبواب الخير فى رمضان كثيرة، ولعل من أعظمها تعود الصائمين على إفطار غيرهم الصائمين خاصة الفقراء منهم والمساكين، فمن خصائص هذا الشهر الكريم أنه شهر المواساة، يتكافل فيه كل أفراد المجتمع.
ولأهمية إطعام الطعام وعظيم أجر هذه العبادة، جعل الله سبحانه وتعالى الإطعام فى الكفارات والفدية، وكل طرق الإطعام خير، والأفضل فيها ما يفيد المحتاج أكثر.
■ هل يجوز إخراج الزكاة مُقدمًا للمقتدرين؟
- لا حرج فى تعجيل إخراج الزكاة، وكذلك إخراج زكاة هذا العام والعام المقبل، لتحقيق المصلحة الشرعية. وهناك فتاوى بمشروعية ذلك صدرت من دار الإفتاء خلال الفترة الماضية.
الرسول أخذ من عمه العباس زكاة سنتين قادمتين فى ظرف معين استدعى التقديم، وهو ما يؤكد مشروعية ذلك فى الظرف الاستثنائى الذى نمر به ويمر به العالم، فالظروف الاستثنائية لها أحكام خاصة استثنائية، ثم تعود لحالتها الطبيعية بعد انتهاء هذه الظروف.
■ هل تختلف زكاة الفطر بالنسبة للمغتربين خارج مصر؟
- يجوز إرسال المصريين المقيمين خارج مصر بزكاة مالهم وفطرهم إليها، ومن باب أَوْلَى صدقاتهم وتبرعاتهم؛ لأنه إذا جاز ذلك فى الزكاة وهى ركن من أركان الإسلام التى حدد الشرع مصادرها ومصارفها، فالصدقات والتبرعات التى جعلها الشرع على السعة من باب أَوْلى وأحرى.
بل نرى أفضلية ذلك وأولويته فى هذه المرحلة التى تحتاج البلاد فيها حاجة أكيدة إلى الإنفاق على مصارف الزكاة فيها، وكفاية المحتاجين، وسد حاجة المُعوزين؛ فمصر وأهلها أولَى بمساعدة مواطنيها وأبنائها.
■ الإلحاد ناقوس خطر يطرق المجتمعات بقوة.. بل اختلفت صورة الإلحاد فى وقتنا الحالى وأصبح الملحد يجهر بأنه لا يعترف بوجود الله ولا بالأديان.. فما تعليقكم على ذلك؟
- أنشأنا «وحدة حوار» تقدم العديد من وِرَش العمل والمحاضرات واللقاءات الفكرية، لمناقشة القضايا والأفكار والأطروحات الإلحادية والشبهات مع بعض الأشخاص الذين يأتون إلى مقر الوحدة، فى سرية تامة.
ويتم التعامل مع المترددين على الدار الذين لديهم ميول مضطربة، ومتابعتهم من خلال الأدوات والوسائل العلمية والنفسية والإرشاد السلوكى المعرفى، وذلك كله من خلال الاستعانة بالمتخصصين.
■ كيف ترد على «تشكيك» البعض فيما يصدر عن دار الإفتاء؟
- منهجية دار الإفتاء المصرية فى إصدار الفتاوى هى منهجية علمية موروثة، وعندما يرد سؤال إلى دار الإفتاء فلدى علمائها منهجية وخبرات متراكمة، وهى تلجأ أحيانًا إلى المتخصصين فى العلوم المختلفة مثل الطب والاقتصاد والسياسة وغيرها، قبل أن تصدر فتوى فى أمر يتعلَّق بهذا التخصص؛ لاستجلاء الأمر والإلمام بكل تفاصيله.
هذه المنهجية العلمية لا تتوافر غالبًا فى كثير ممن يتصدَّون للفتوى على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة من غير المتخصصين فى الشأن الإفتائى، ورأينا أنَّها غائبة تمامًا عن هؤلاء، فليس لديهم تَثبُّت، ولا إدراك للواقع ولا مآلات ما يصدرونه من فتاوى.
وبخصوص محاولات التشكيك، فنحن لا نأبه لأية حملات مغرضة ولا نلتفت إلا إلى الإنسانية، ونفتخر بوقوفنا فى صف الوطن.
■ دائمًا تثير قضية الطلاق الجدل.. كيف تتعامل دار الإفتاء مع هذه القضية؟
- دار الإفتاء تتخذ عدةَ تدابير وقائية من أجل تحصين بناء الأسرة، فأطلقت فى الأعوام الأخيرة عدة دورات وبرامج متخصصة فى هذا الشأن، مثل برنامج «تأهيل المقبلين على الزواج»، الذى يهدف إلى توعية المقبلين على الزواج، وكذلك إنشاء وحدة متخصصة للإرشاد الأسرى والزواجى، تُحال إليها المشكلات من إدارات الفتوى المختلفة، وكذلك إدارة فض المنازعات الأسرية. ويتمُّ فى جلسات الإرشاد الأسرى بحث مسائل الطلاق، بحضور ممثل شرعى من دار الإفتاء، إلى جانب متخصصين فى علم النفس والاجتماع، فضلًا عن رصد أهم المشكلات والمستجدات المتعلقة بالأسرة خاصة الطلاق، لدراستها والعمل على حلِّها بإيجاد معالجة شرعية، من خلال اعتماد اختيارات فقهية تعدُّ مخارجَ شرعية لكثير من حالات الطلاق، مراعاةً لأحوال الناس، وتحقيقًا لمصلحة بقاء العلاقة الزوجية.