تزامنًا مع انطلاقه.. كل شيء عن الصوم الكبير لعام 2023
بدأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الإثنين الماضي، الصوم الكبير والمعروف بصوم القيامة والذي يستمر لمدة 55 يومًا، وينتهي بعيد القيامة المجيد والذي يحل في 16 أبريل 2023.
ويختلف موعد الصوم الكبير، أو مايعرف بصوم القيامة من عام إلى آخر بحسب تاريخ يوم عيد القيامة المجيد يحدد عيد القيامة كل عام بحيث لا يأتي قبل يوم ذبح خروف الفصح أو معه، وبحيث لا تعيد الكنيسة مع اليهود بل يتم الاحتفال في يوم الأحد التالي لكي يتم الاحتفاظ برمزية أيام الجمعة العظيمة، وأحد القيامة.
يقسم إلى 8 أسابيع
ويبدأ الصوم الكبير بأسبوع الاستعداد، ويختتم بأسبوع الآلام، إذ أُضيفت الكنيسة أسبوع ثامن وسُمي بـ«أسبوع هرقل»، فصار الصوم ثمانية أسابيع شاملة أسبوع الآلام.
ويقول الأغنسطس حسام كمال، في كتابه «الأصل في أسبوع هرقل»: إن هرقل هو فلافيوس أغسطس هرقل وهو أمبراطور الأمبراطورية البيزنطية وولد في عام 575م في كبادوكيا وتولي السلطة عام 610 م بعد أن قام بثورة قد الأمبراطور ” فوقا ” أو ”فوقاس” وتولي الحكم في الفترة ما بين 5أكتوبر 610م و11 فبراير 641م ومات وعمره ما بين 66-65 سنة.
وتابع: أن أول من ذكر هذا السبب هو ساويرس بن المقفع قائلاً: إن الأسبوع الأول ليس من الأربعين يوم الصوم بل نحن نصومه عبادة من أجل هرقل الملك لما قتل اليهود وفسخ العهد الذي كان عاهدهم به وقد ذكر أيضاً في المقالة الثامنة من كتابه، «الدرالثمين في إيضاح الدين»، موضحًا أن ذلك الأسبوع الأول ليس من الأربعين يوماً الصوم، بل نحن نصومه عبادة من أجل هرقل الملك لما قتل اليهود، وفسخ العهد الذي كان عاهدهم به، فهو خبر مشهور في أخبار هرقل ولا حاجة إلى ذكره هنا كما يقول في موضع آخر في نفس المرجع وأما اليونان وأهل القسطنطية فإنهم يصومون من أول الأسبوع الثاني الذي هو بدء صوم الأربعين يوماً.. فأما أسبوع كفارة هرقل فلا يصومون.
ولفت إلى أنه يتحدث قطمارس الصوم الكبير والذي تم طبعه في عهد البابا يوساب الثاني عام 1953م عن صوم ثمانية أسابيع في الكنيسة القبطية، شاملاً أسبوع هرقل وذلك نقلاً عن ابن كبر وهذا طبقاً لمخطوط رقم 203 عربي بالمكتبة الأهلية بباريس ”وهو كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة” وهو منسوخ في حبرية البابا يؤانس العاشر ، كما يستند ايضاً إلي ما كتبه ” سعيد بن بطريق”.
وواصل حسام في كتابه: أنه لم ترد فكرة صوم أسبوع كأستعداد للصوم الأربعيني منذ بداية الكنيسة وحتي القرن العشرين، فلم ترد إشاراة في كتاب الدسقولية أو في تعاليم الرسل أو في قوانين الأباء الرسل ولا في رسائل احد البطاركة ولا في قوانين الصوم التي وضعها البابا ” خريستوذولوس ” ولكن لأول مرة ترد إشارة عابرة لذلك في قوانين ابن العسال في القرن الثالث عشر كأسبوع هرقل ولكنه صار مقدمة للصوم الكبير إذ يقول «جمعة هرقل التي صارت مقدمة للصوم الكبير» وبعد ذلك لم ترد عند ابن سباع أو ابن كبر في القرن الرابع عشر أو غيرهم من العلماء أو البطاركة.
تقسيمة أسابيع الصوم
وقسمت الكنيسة القبطية أحاد الصوم إلى أحد الرفاع، أحد الاستعداد، أحد التجربة، أحد الابن الضال، أحد السامرية، أحد المخلع، أحد المولود أعمى"، وحددت كل أسبوع يبدأ اعتبارًا من يوم الاثنين، وينتهي مع نهاية يوم الأحد.
وفقًا للطقس القبطى، فإن أيام الصوم الكبير هى أقدس أيام السنة، ويمكن أن يسمى صوم سيدى، لأن المسيح قد صامه بنفسه، وهو صوم من الدرجة الأولى، إن قسم صيام الكنيسة إلى درجات.
ووفقًا لمصادر كنسية مٌطلعة قالت في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، إن إيبارشيات الكنيسة الأرثوذكسية خلال الصوم الكبير تقيم أكثر من قداسًا على مدار اليوم لمشاركة أكبر عدد من الأفراد في قداسات الصوم الكبير، إذ يترأس أساقفة الإيبارشيات المختلفة قداسات الصوم الكبير بمقر مطرانياتهم المختلفة.
أما عن خريطة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، قالت المصادر الكنسية في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، إن بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يٌقضي خلوته ما بين القاهرة وكاتدرائية العباسية والإسكندرية، ودير الأنبا بيشوي بوادي النطرون كعادة بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ولفتت إلى أنه خلال خلوه البابا تواضروس الثاني بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، يٌتابع أحوال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر وبلاد المهجر.
وتابعت المصادر الكنسية في تصريحاتها: أن البابا تواضروس الثاني خلال الصوم الكبير يترأس احتفالية العيد الحادي عشر لرحيل البابا شنودة الثالث واحتفالات قديسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في شهر مارس، ما بين الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ودير الأنبا بيشوي بوادي النطرون إلا أنه لم يستقر حتي الأن على المكان المٌحدد.
يتخلله حج الأقباط للقدس
ويشهد في الأسبوع الأخير في الصوم الكبير، أو ما يعرف بصوم القيامة، ما يعرف بـ"حج الأقباط" إلى القدس، ويفضلون أن يشهدوا أسبوع الآلام للتبرك من رحلة الأسبوع الأخير في حياة المسيح بدءا من أحد السعف ووصولًا إلى سبت النور في كنيسة القيامة بالأراضي المحتلة.
إذ تتأهب مدينة القدس لاستقبال موسم الحج المسيحي في أبريل 2023، بالتزامن مع احتفالات الكنائس بعيد القيامة المجيد ، إذأعلنت عدد من الشركات السياحية إطلاق الحجز لموسم الحج المسيحي في القدس لعام 2023 وذلك بالتزامن مع عيد القيامة المجيد في 16 أبريل 2023.
وأعلن المركز الثقافي القبطي، التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اطلاق رحلات القدس لعام 2023، عن موسم الحج المسيحي وأسبوع الآلام وعيد القيامة المجيد في أبريل 2023.
ويتيح 6 المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، برامج متنوعة لتلك الرحلات تشمل من سبت لعازر والذي يحل إلى أحد العيد، ومن أحد الشعانين إلى أحد العيد، ومن أربعاء أيوب إلى الأربعاء التالي، ومن خميس العهد إلى الخميس التالي، ومن الأربعاء بعد العيد إلى الأربعاء التالى، ومن الخميس بعد العيد إلى الخميس التالي.
وذكر المركز الثقافي القبطي أن البرامج تشمل: «الإقامة بفنادق بالقدس وبيت لحم 4 و5 نجوم بالإفطار والعشاء، وجميع الإجراءات ورسوم الفيزا والموافقة الأمنية، وجميع الزيارات ورسوم الدخول إليها، والانتقالات بأتوبيسات سياحية مكيفة ومزودة بالإنترنت، ورحلة بحرية ببحيرة طبرية، وجبل التجلي والصعود بالتلفريك لجبل التجربة، وزيارة كنيسة القيامة والقبر المقدس وأهم الزيارات المقدسة بالأماكن وهي القدس القديمة - الناصرة - طبرية - أريحا - عين كارم - كفر ناحوم - نهر الأردن - العزرية - بيت لحم - بيت ساحور - يافا - اللد - تل أبيب وغيرها من الأماكن المقدسة، والنزول بنهر الأردن والحصول على شهادة تقديس مختومة، يوم غداء سمكة بطرس بأفخر المطاعم للبرامج المستمرة إلى بعد العيد والطيران مباشر على مصر للطيران ولم يحدد سعره بعد».
كما أعلنت إحدى الشركات المنظمة لرحلة القدس، بالتعاون مع كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل طوسون كبرى، عن قيام رحلة القدس لعيد القيامة 2023.
وأعلنت الشركة تفاصيل الرحلات بالقول، "أن مدة الرحلة 8 أيام من أحد الشعانين الموافق 9 أبريل إلى أحد العيد الموافق 16 أبريل، يترواح سعر الفرد 1040 دولارا، أما رحلة من أربعاء أيوب الموافق 12 أبريل إلى الأربعاء بعد العيد الموافق 18 أبريل، ويشمل سعر الفرد 1040 دولارا”.
وأضافت، أن الأسعار تشمل مدة الرحلة 8 أيام، صعود جبل التجربة بالتليفريك، ورحلة بمركب بطرس في بحيرة طبرية شهادات تقديس وهدايا قيمة من الشركة، والأسعار لا تشمل سعر تذكرة الطيران.
وأعلنت شركة أخرى عن عدة برامج لرحلات القدس لعام 2023، وقالت الشركة في بيان لها، إن سعر الفرد يترواح ما بين 890 دولارًا وحتى 1350 دولارًا، وذلك لمدة 7 أيام و8 ليالي، لافتَا إلى أن السعر لا يشمل تذكرة الطيران.
برنامج الزيارة الحج المسيحي
ويشمل البرنامج السنوي للحجاج الأقباط زيارة المعالم المسيحية في مدينة القدس للاحتفال بعيد القيامة، وهي "عين كارم، وكنيسة يوحنا المعمدان، وحقل الرعاة، ثم التوجه إلى بيت لحم لزيارة مغارة الحليب، وكنيسة المهد".
ويتم الصعود إلى جبل طابور لزيارة كنيسة التجلي، مع نهاية الرحلة، يكون على الحجاج زيارة جبل صهيون، حيث قبر الملك داود، وكنيستي صياح الديك ونياحة مريم العذراء، ثم المشي على خطى السيد المسيح فى طريق الآلام عبر 14 مرحلة، والتوجه إلى منزل قيافا، حيث حبس المسيح، والمرور بالتتابع على كنائس القديسة حنا وبير سلوام والجلد، حتى الوصول إلى كنيسة القيامة التي تحتوي على الجلجثة، أي مكان صلب المسيح، وعمود الجلد ومكان التكفين والقبر المقدس، والختام يكون مع حضور خروج النور المقدس من قبر السيد المسيح.
أطلالة تاريخية على الصوم الفصحى
ومن جهته قال الأب أسطفانوس دانيال، راعي كنيسة مار مرقس الرسول للأقباط الكاثوليك بالجلاوية، في تصريحات خاصة: إن لفظ الفصح هو الصورة المنقولة لكلمة pascha باليونانية، المشتقة من «فسحا» بالآرامية، «فيساح» بالعبرية، وأصل الكلمة محل جدل. والكتاب المقدس يقرب بين «فصح» بالعبرية وفعل «فاساح» الذي يعني إما العرج، وإما ممارسة رقصة طقسية حول الذبيحة (1مل 18: 21و 22) وإما بالمعني المجازي «قفز» و«جاز». فالفصح هو عبور الله الذي عبر فوق بيوت العبرانيين في الوق الذي ضرب فيه بيوت المصريين.
وتابع: إن السيد المسيح ورسله لم يضعوا قانونًا للصوم ولما جرت العادة بأن أكثر المسيحيين من وقت إلى وقت وسرًّا امتنعوا عن الطعام مواظبين على الصلاة، ولاسيما حين كانوا يشرعون في عمل مهم، ولا يذكر شيء عن الأصوام في الكنيسة الأولي إلا حين يُعيّدون بيوم تذكار صلب المسيح.
وواصل: وفي القرن الأول الميلادي دخل الصوم رويدًا رويدًا بعد ذلك، أولاً بالعادة ثم صار قانونيًّا، ولا يُمكن أن نعلم يقينًا إن كان هذا الأمر حصل في القرن الأول أو ما هي الأيام المكرّسة للصوم، وفي القرن الثالث الميلادي كانت أوقات الصوم هي للتذلل واعتادوا أن يسكبوا تضرعاتهم راكعين أو خارين على وجوههم إشارة إلى تذلّلهم.
وتابع: وإن الصوم الأربعيني كان أولاً أربعين ساعة فقط ثم امتد إلى أيام عديدة وأسابيع أيضًا حتى صار ستة وثلاثين يومًا إلى أن جلس الحبر الأعظم قداسة البابا غريغوريوس (590 -604م) أضاف أربعة أيام إلى هذا الصوم لكي يجعله أربعين يومًا
وواصل: وفي القرن الأول الميلادي لا تعرف الكنيسة الناشئة إلا صوم يوميّ الأربعاء والجمعة، وبالأخص هذان اليومان اللذان لهما أهمية كبيرة جدًا عند الإسينيين في قمران، كما اكتشفت الكنيسة الأولي إذًا أن إحدى غايات الصوم الأساسية هي أن يَعطي الإنسان أخاه الإنسان. ولكن الأبعد من هذا العطاء هناك الأخوّة البشرية في المسيح. وهناك عطاء آخر تكلم عنه إشعيا النبي (58)، أن تحلّ قيود النفاق، وأن نتطهّر من الكذب وأن نسعى لتحرير الناس وإطلاق المضغوطين أحرارًا وكسر كل نير. لا يعرف الصوم فقط فكرة التقدّس الفردي.
وتابع: فكرة التوفير من أجل العطاء وإرادة المؤسسة المسيحية فلقد نهانا الله عن الطعام الصيامي الكثير، عن إكثار ألوان الطعام لأننا إذا أكثرنا من ألوان الطعام لا نستطيع أن نوفر ونعطي، ليست القضية إذًا امتناعًا عن أكل اللحم فقط ولكنها تقشف حتى نستطيع أن نعطي. الصوم فترة تطهُّر وتقرُّب إلي الله لأن في ذلك يكشف الإنسان الآخر، أي كلما اقترب الإنسان إلي الله وإلي فكرة القيامة وإلى فكرة نصر المسيح على الموت وكلما استدعي الرُّوح القدس ليقدسه انطلق إلى الآخرين. بولس وبرنابا انطلقا بعد صوم الجماعة إلى البشارة.
وواصل: ويسرد لنا علم الآباء الأوائل أرستيد يكتب دفاعًا موجهًا عن المسيحيين إلي الإمبراطور أدريانوس، على الأرجح في فترة إقامته في أثينا العام 124- 126م يقول: «إذا كان بينهم فقير محتاج فإنهم يصومون يومين أو ثلاثة ومن عادتهم أن يرسلوا له الطعام الذي كانوا أعدُّوه لأنفسهم، لا يحتقرون الأرملة ولا يؤذون اليتيم. مَن له يعطي من دون أن يثير حسدًا. وإذا رأوا غريبًا يقودونه إلى بيوتهم بفرحٍ كأخٍ حقيقيّ. إنهم يدعون بعضهم بعضًا "إخوة"، ولكن ليس بحسب الجسد، بل بحسب الروح. إنهم مستعِدّون لبذل حياتهم في سبيل المسيح»، و.بعد هذا بسنوات قليلة أي في منتصف القرن الثاني نقرأ في كتاب الراعي لهرماس بين العامين 140- 155م: «لا تتناول، يوم صيامك، سوي خبز وماء، ثم احسب مبلغٍ ما كنت أنفقته في ذلك اليوم على قوتك وأعطه لأرملة أو يتيمٍ أو معوزٍ: هكذا تحرم نفسك كي تفيد آخر من حرمانك ليشبع ويسأل الرب من أجلك».
وتابع: وكان المسيحيون في القرنين الثاني والثالث يصومون كلّيًّا عن الطعام يومي الجمعة والسبت العظيمين بين موت المسيح وقيامته لأنه كان غائبًا عنهم، وكانوا يرون في ذلك مطابقة لقول السيد المسيح «أَيَسْتَطيعُ أَهْلُ العُرسِ أَن يَحزَنوا ما دامَ العَريسُ بَيْنَهُم؟ ولكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعْ العَريسُ مِن بَيْنِهم، فَحينَئذٍ يَصومون»، ومن هنا جاء أصل الصوم الأربعينيّ. وليس معني الصوم تعبير عن الحزن لغياب المسيح، فكرة مألوفة عند المسيحيين المعاصرين، ولكنّه السبب الحميمي والعميق والمؤثر الذي يدفعنا إلى أن نصوم.
وواصل: ويذكر تعليم الرسل، في آخر القرن الثالث، صومًا يدوم ستة أيام خلال الأسبوع العظيم. كما نجد في القرن الرابع في أورشليم صومًا يدوم أربعين يومًا تذكارًا لصوم يسوع في البرية، وتذكره إثيريا التي حجّت إلي الأماكن المقدسة في القرن الرابع.
وتابع: وإن أقدم شهادة تتكلم عن الصوم قبل عيد الفصح هو القديس ترتليانوس (155م) إنه لا يعرف صومًا فرضته الكنيسة غير يوم عيد الفصح أي صوم الجمعة العظيمة، ويشهد ترتليانوس أن الصوم يشمل فقط الأيام التي ارتفع فيها العريس أي يوميّ الجمعة والسبت حتى صباح الأحد.
وواصل: وأيضًا يذكر آباء الكنيسة الذين عاشوا هذه الفترة أن بعض المسيحيين كانوا يصومون يومين أو ثلاثة دون انقطاع، ويكتب القديس إيريناوس (202م) كان يشمل الأيام الأخيرة من جمعة الآلام.
وفي القرن الثالث امتد الصوم إلي جمعة الآلام كلّها، ويكتب ويأمر البطريرك القديس ديونسيوس الإسكندري (248- 265م): «من اليوم العاشر من القمر الذي هو الاثنين من الساعة التاسعة إلي الخميس تصومون ولا تتناولون سوي الخبز والملح والماء، والجمعة والسبت تنقطعون بتاتًا عن الطعام ولا تتناولون شيئًا» والبعض الآخر يقول كان يصام أسبوعان ماعدا السبت والأحد. وفي القرن الرابع كان المؤمنون يصومون ثلاثة أسابيع ويختلف علماء الطقوس اليوم عن تحديد هذه الثلاثة أسابيع، فبعضهم يقول هي الثلاثة الأخيرة من الصوم والبعض الآخر يؤكد بأنها الأسبوع الأول والرابع والسادس. ولكن في حبرية قداسة البابا سِلْفِسْترُس الأوّل (314 -335م) وضع شريعة الصوم الأربعينيّ .
تاريخية وروحانية الصوم
ومن جهته قال الأب جورج جميل راعي كنيسة عذراء السجود في تصريح خاص للدستور ان الصوم هوانقطاع اختياري لوقت محدد عن كل طعام أو شراب، حيث تمتاز فترة الصوم منذ القدم ولا زالت حتى يومنا هذا بكثافة روحية وممارسات دينية خاصة وجهد كبير يُقوم المسيحيون حياتهم الروحية.
وتابع أن فكرة أربعين هي أساس فترة الزمن الأربعين الذي بدأت بيوم ثم ثلاثة واسبوع واخيرا وصلت لفترة أربعين يوما يدوم الصوم أربعين يوماً ولهذا الرقم مدلولاته التربوية والروحية: لقد صام يسوع أربعين يوماً في البرية، يعلمنا من خلالهِ كيفية محاربة التجارب والتغلب عليها، قضى شعب الله أربعين سنة يجابه التجارب في مسيرته التحريرية من العبودية إلى حرية أبناء الله. قضى موسى أربعين يوما على جبل سيناء استعداداً لتسلم أوامر الله. (خروج24: 18) وصام إيليا أربعين يوما استعداداً لملاقاة الله. (1ملوك19: 18).
وتابع: يمارس المسيحيون الصوم كي يحقق فيهم العبور من الموت إلى الحياة، ومن عبودية الخطيئة إلى حرية أبناء الله (رومة 8: 21). إنها الحقيقة التي حصلنا عليها بالعماد.(رومة 6: 3ـ11) و (قولوسي 2: 12).
يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني على أبعاد الصوم الكبير الفصحية والعمادية قائلاً: "إن الطابع المزدوج لزمن الصوم الأربعيني، الذي يهيئ للمؤمنين للاحتفال بالسر الفصحي خاصة بذكرى العماد أو تهيئته، وبالتوبة إذ يسمعون بتواتر متزايد كلام الله ويتفرغون للصلاة، يجب أن يوضح في الليتورجيا أو في التعليم الطقسي". (دستور في الليتورجيا 109).
وتابع: أنه هناك ثلاثة عناصر ساهمت لتكوين الصوم الكبير، كما نمارسه اليوم، وذلك خلال القرون الأولى للمسيحية وهي إعداد المؤمنين للاحتفال بأعياد الفصح إعداد الموعوظين للعماد الذي كان يمنح عشية عيد القيامة وإعداد الخطاة التأبين لنيل الغفران والمصالحة، وكانت تجري مراسيمه ايضاً خميس الفصح أو عشية عيد القيامة.
وتابع: لقد انتشرت ممارسة الصوم الكبير بعد القرن الرابع الميلادي، إلا أن هذه الممارسة كانت في فجر المسيحية بسيطة جداً، ثم تطورت متنقلة عبر مراحل عديدة، إلى أن بلغت الأسلوب المعروف والمتبع في أيامنا.
وواصل كان الصوم يقتصر في البداية على ثلاثة أيام وهدفهِ إعداد المؤمنين كي يحتفلوا بعيد القيامة والصوم متواصل، ثم تطور الصوم الذي يسبق عيد القيامة في مرحلة ثانية بحيث شمل الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة واخر الامر كان الصوم كاربعين يوما كان يصام بعد عيد الغطاس ومع الاب البطريك الانبا ديمتريوس الكرام ضمت الربعين على السبوع وبهذا اخذا الصوم الاربعيني شكله النهائي وامزال مستمر للان هكذا نظمت الكنيسة خلال القرن الميلادي الرابع والخامس فترة صيام توبوية وإستعدادية لعيد القيامة تدوم أربعين يوماً يشترك بمراسيمها الموعوظين والتائبون وذلك إحياء لذكرى صوم يسوع الأربعيني ولا زال حتى يومنا. ومنذ ذلك الوقت أصبح الصوم الأربعيني مقبولا في الكنيسة وإلى يومنا هذا.
واختتم: “حيث كان الصوم قديماً فترة خاصة لتحضير الموعوظين المسجلين لقبول العماد في عشية القيامة. ولكن بعدئذ أصبح الصوم فترة لممارسة التوبة من قبل الخاطئين الذين تقدموا لطلب الغفران بصورة رسمية في نهاية الصوم (خميس الفصح) من قبل الأسقف. كما كان الصوم فترة للنضال الروحي من قبل المؤمنين الذين حاولوا ذلك من خلال الاشتراك الحقيقي بأسرار حياة يسوع وآلامه وقيامته. وعلى غراره قاموا بالنضال ضد الشر والظلام ليخرجوا من العبودية ويمجدوا الحياة الحقيقية. أما كنيستنا السريانية الانطاكية فهمت الصوم كفترة للشفاء والغفران، بمعنى أن الله يشفي الإنسان الذي يحفظ وصاياهُ”.