رسالة رعوية من بابا الفاتيكان بشأن الصوم الكبير
تبدأ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الصوم الكبير، والمعروف بـ«صوم القيامة»، في 27 فبراير 2023، وينتهي بعيد القيامة المجيد والذي يحل في أبريل 2023.
ومن جهته يقول الأب يوأنس لحظي جيد، السكرتير السابق لبابا الفاتيكان في مقال له: إن الصوم هو تشريع الإلهي ولكن كيفية الصوم هو تشريع كنسي ويحق فقط للكنيسة، كأم ومعلمة، أن تحدد الطريقة التي ترى أن الأنسب لأولادها لكي يحيوا زمن الاستعداد بروحانية وبطريقة تليق بإيمانهم المسيحي القويم. ويبقى الصوم تعبير عن الإيمان وعن العمق الروحي، لأن المسيحية لا تقوم على التظاهر بل أن السيد المسيح نفسه يأمر المؤمنين بأن يدهنوا رأسهم بالزيت لكي لا يظهروا للناس أنهم صائمون بل لأبيهم السماوي الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية، فالمهم ليس ما يدخل الفم بل ما يخرج منه، فصوم بل إيمان وبلا توبة حقيقة لن يفيد صاحبه. وبالتالي فالكنيسة تقدم لأبنائه نظاما معتدلا تاركة لمن يريد المزيد أن يفعله دون احتقار للآخرين ودون إدانة.
وتابع: وفي المادة 94 (ق.882): يجب على المؤمنين في أيام التوبة أن يحفظوا الصوم بالطريقة التالية:
الصوم
أن الصوم هو الامتناع عن أكل اللحوم وعن البياض (الألبان ومنتجاتها والبيض) وإنما يجوز أكل السمك. والصوم واجب في الأيام الآتية، كل أيام الجمعة على مدار السنة – إلا في فترة الخمسين، وفي أيام الجمع التي تقع فيها أحاد الأعياد الآتية: الميلاد، الغطاس - الرسولين بطرس وبولس - انتقال السيدة العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء، وصوم الميلاد ومدته خمسة عشر يوماً، وصوم الرسل، ومدته أسبوع، وصوم السيدة العذراء ومدته خمسة عشر يوماً.
الانقطاع
وتابع: الصوم الانقطاعي هو الامتناع عن الأكل والشرب، من منتصف الليل إلى الظهر، إلى جانب الامتناع عن أكل اللحوم، وعن البياض (الألبان ومنتجاتها والبيض) وهو واجب في الأيام التالية:
برامون الميلاد وبرمون عيد الغطاس صوم بينوى، ومدته ثلاثة أيام، والصوم الكبير ومدته أربعين يوماً، أسبوع الآلام بأكمله بما فيه سبت النور.
والإعفاء من الانقطاع والصوم وفقًا للقانون: عند وجود عذر، يمنع أحد المؤمنين من الالتزام بواجب الصوم أو الصوم الانقطاعي، عليه أن يرجع إلى الراعي أو أب الاعتراف، للاسترشاد برأيه والعمل بتوجهاته، والصوم السابق للتناول بناء على نظام الكنيسة القبطية الكاثوليكية العامّ الحالي، بخصوص التناول المقدس، يجب أن يكون المتناول صائما عن الأكل والشرب، على الأقل ساعة واحدة قبل التقدم للمناولة. أما شرب الماء فلا يمنع التناول.
بابا الفاتيكان يوجه رسالته الرعوية للصوم
ومن جهته وجه البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان رسالته بمناسبة الصوم الكبير، والذي جاءت تحت عنوان «زهد الصوم، مسيرة سينودسية» مؤكدًا أن الزمن الأربعيني يهيئنا لعيش الآلام والصليب بإيمان ورجاء ومحبة حتى نصل إلى القيامة».
استهل البابا رسالته متوقفا عند حادثة التجلي ولفت إلى أنه في هذا الزمن الليتورجي، يأخذنا الله معه وينفرد بنا، كما أننا مدعوون في الزمن الأربعيني لأن ”نصعد إلى جبل عال“ مع يسوع، لكي نعيش مع شعب الله المقدس خبرة زهد خاصة.
تابع البابا قائلا إن زهد الصوم هو التزام، تحركه النعمة، لكي نتغلب على نقص إيماننا وعلى مقاومتنا لاتباع يسوع في مسيرة الصليب. ولكي نعمق معرفتنا بالمعلم، ونفهم ونقبل سر الخلاص الإلهي كله، علينا أن نتركه يقودنا وأن ينفرد بنا في مكان عال، ونتجرّد عن الفتور والزهو. علينا أن نضع أنفسنا في مسيرة صعود، تتطلب جهدا وتضحية وتركيزا. وهذه المتطلبات مهمة أيضا من أجل المسيرة السينودسية.
مضى البابا إلى القول: إننا نتبع يسوع ومعا، مثل كنيسة حاجة في الزمن، نعيش السنة الليتورجية، وفيها نعيش الزمن الأربعيني، ونسير مع الذين وضعهم الرب يسوع إلى جانبنا رفقاء درب في مسيرتنا. يمكننا أن نقول إن مسيرة صومنا هي ”سينودسيّة“.
تابع البابا رسالته قائلا: لقد روى الإنجيل أنّ يسوع "تَجَلَّى بِمَرأًى مِنهُم، فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور". هذه هي ”القمة“، وهدف المسيرة. في نهاية الصعود: بينما هم في أعلى الجبل مع يسوع، أُعطي للتلاميذ الثّلاثة النعمة لأن يروه في مجده، مشعا بنور فائق الطبيعة. كما في كل رحلة جبلية شاقة: عند الصعود علينا أن نبقي عيوننا ثابتة في المسار. العملية السينودسية تبدو أيضا غالبا شاقة وأحيانا يمكن أن تحط من عزيمتنا. لكن ما ينتظرنا في النهاية هو بالتأكيد أمر رائع ومدهش، وسيساعدنا على فهم أفضل لإرادة الله ورسالتنا في خدمة ملكوته.
وتابع: ان هدف المسيرة في زهد الصوم، وكذلك المسيرة السينودسية، هو التجلي، الشخصي والكنسي. حتى يتحقق هذا التجلي فينا في هذه السنة، أود أن أقترح ”مسارين“ نتبعهما لكي نصعد معا مع يسوع ونصل معه إلى الهدف. الأول، يشير إلى فعل الأمر الذي وجهه الله الآب إلى التلاميذ "لَهُ ٱسمَعوا". الإشارة الأولى واضحة جدا: أن نستمع إلى يسوع. الزّمن الأربعيني هو زمن نعمة بالمقياس الذي فيه نستمع إليه، هو الذي يكلمنا. أولا في كلمة الله، كما يكلمنا الرب يسوع في الإخوة، في وجوه وقصص المحتاجين إلى المساعدة.
أما الإشارة الثانية – تابع البابا فرنسيس قائلاً: فهي ألا نلجأ إلى تدين قائم على أحداث غير عادية، وخبرات لها دلالات وإيحاءات خاصة، خوفا من أن نواجه الواقع بصعابه اليومية وقساوته وتناقضاته. النور الذي أظهره يسوع لتلاميذه هو استباق لمجد عيد الفصح. ونحو هذا المجد يجب أن نذهب، ونتبعه ”هو وحده“. الزمن الأربعيني – ختم البابا – متجه نحو الفصح ويهيئنا لكي نعيش الآلام والصليب بإيمان ورجاء ومحبة، حتى نصل إلى القيامة.