رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسعودية: أخوة ودعم ومحبة وعلاقة متجذرة لن ينال منها أحد

تتميز علاقة مصر والسعودية بأنها علاقة أخوة ودعم ومحبة وتاريخية متجذرة بين الشعبين والقيادتين، بل إنها تصاعدت وازداد عمق جذورها وقوتها في السنوات الأخيرة ما يجعلها أكبر من أن ينال منها أي تراشق إعلامي أو عبارات مكتوبة أو هجومية على المنصات الإعلامية أو مواقع التواصل الإعلامي، ولن تنال منها أي محاولات من أفراد أو جماعات مغرضة لبث الفتنة أو الوقيعة بين أكبر قطبين عربيين، لأنها علاقة تاريخية راسخة قائمة على التقدير المتبادل بين أكبر قوتين وأكبر قيادتين في منطقة الشرق الأوسط منذ بدايات القرن العشرين، فعند بدء بناء الدولة السعودية سنة 1902 حرص مؤسسها الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود على تدعيم العلاقات بين القاهرة والرياض، ولا تزال مقولته الشهيرة عنها تعكس هذه العلاقة القوية والمستمرة حتى الآن حينما قال: «لا غنى للعرب عن مصر.. ولا غنى لمصر عن العرب».
ثم شهدت العلاقة الوطيدة والممتدة بين البلدين طفرة كبيرة منذ تولي الرئيس الوطني عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر، والذي حرص مع القيادة الحكيمة للمملكة العربية الشقيقة للملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على دعم تلك العلاقات الأخوية من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة والاتصالات المستمرة وعلى مستوى القادة والحكومات، ما أدى إلى تقارب الرؤى تجاه الكثير من قضايا المنطقة الجوهرية ورفع مستوى التعاون في مختلف المجالات منها الاستثماري والاقتصادي، ما أسفر عن مزيد من القوة العربية الفاعلة إقليميًا ودوليًا، ويمكننا أن نلمس هذا في مساهمة مصر والسعودية في مبادرات لحل العديد من الأزمات والتقارب تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية والعربية والإسلامية.

وهناك مثالان على عمق هذه الأخوة والمحبة والتقدير المتبادل بين هذين القطبين الكبيرين في المنطقة، أما المثال الأول فكان في 20 يونيو 2014 حينما قام الملك عبدالله بن عبدالعزيز بزيارة لمصر بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، فكان أول المهنئين للشعب المصري بنجاح الرئيس السيسي، وقام بإرسال رسالة أكد فيها بوضوح أن المساس بأمن مصر هو مساس بأمن السعودية، ودعا إلى عقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية، كما شارك ولي العهد السعودي وقتها الأمير سلمان بن عبدالعزيز في حفل تنصيب عبدالفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية، وأما المثال الثاني فهو يتمثل في عبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، سنة 2014 لا ننساها إذ قال «إن أمن الخليج العربي خط أحمر وجزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري»، وفي 2018 أكد مرة أخرى بوضوح «أن مصر مستعدة لتحريك قواتها إذا تعرض أمن الخليج للخطر».

إن قوة العلاقات بين البلدين والشعبين ليست فقط سياسية واستراتيجية واقتصادية بل إنها أيضًا علاقات مصاهرة ومحبة وشراكة بين شعبين كلاهما يحس بالألفة والأخوة مع الآخر، وفي مصر نشأنا وأدركت أنا مثلًا وفي سن صغيرة دور السعودية وموقفها الداعم لمصر في أثناء حرب أكتوبر 1973، ونحن في مصر لا ننسى الوقفة الداعمة للمملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة الملك فيصل بن عبدالعزيز حينما أصدر قرارًا بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل، وحينما قامت ثورتنا الشعبية الهادرة في مصر ضد جماعات الظلاميين في 30 يونيو 2013 كانت السعودية الشقيقة أول من دعم ثورة شعب مصر.

كما أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن دعمه للشقيقة مصر ضد الإرهاب، وفي 2016 في زيارة رسمية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تم توقيع عدة اتفاقيات تجارية وحدودية مع الحكومة المصرية بهدف الارتقاء بالعلاقات الوطيدة بين الدولتين الشقيقتين، ومن بين أهم الاتفاقيات التي تمت في رأيي إنشاء جامعة الملك سلمان بن عبدالعزيز في طور سيناء والتجمعات السكنية حولها ضمن برنامج الملك للمساهمة في تنمية سيناء وإنشاء جسر بري يربط بين البلدين عبر سيناء ما سيربط بشكل أكبر بين البلدين ويسهل الانتقالات والزيارات المتبادلة بينهما.

ولا بد أن أذكر أن للسعودية مكانة خاصة في قلوبنا، ففيها الشعائر المقدسة للمسلمين وإليها يخفق قلب كل مسلم ومؤمن متمنيًا أداء فريضة الحج وأيضًا أداء العمرة التي تعتبر من الشعائر المحببة لنا كمصريين، ولقد أتيح لي أداء فريضة الحج بها وما زال قلبي يخفق كلما اقترب موعد الحج ولا تزال في ذاكرتي تفاصيل أداء فريضة الحج في السعودية لحظة بلحظة وترحيب أهل السعودية بنا كأسرة مصرية، وكثيرًا ما تهفو روحي إلى زيارة المدينة المنورة حيث صليت في الروضة الشريفة أجمل صلاة وأروعها، فهي تمد الروح بالسكينة والراحة النفسية بشكل مدهش وكثيرًا ما أجد نبضات قلبي تخفق كلما شاهدت الأذان في مكة المكرمة على الفضائيات السعودية وتنساب دموعي وكلما تذكرت النور المنبعث من الكعبة الشريفة لحظة أن رأيتها لأول مرة، والإحساس الفياض بالإيمان الذي غمر كياني كله وإنني حتى الآن كلما رأيت مشهد الأذان المهيب في الكعبة الشريفة في الفضائيات فإنني أتذكر تلك اللحظات الروحانية النورانية التي عشتها على أرض المملكة السعودية الشقيقة وكرم أخلاق أهلها الطيبين.

ثم رأينا خلال الأيام الماضية عبارات هجومية وحملة شعواء من بعض المنصات الإعلامية وكلمات سيئة من أفراد وجماعات تسعى لإفساد العلاقة بين البلدين الشقيقين، إلا أنني أرى أنها سحابة عابرة ستمر حتمًا دون أن تترك أثرًا يذكر ولن يمكنها أن تضعف العلاقة المستمرة والقوية بين القيادتين والشعبين الشقيقين، وأتذكر أنني شخصيًا كنت قد كتبت في مقال في «الدستور» أعبّر فيه عن خالص احترامي وتقديري لحركة التطوير والتقدم في المملكة السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما أعربت عن صادق تمنياتي لاستكمال حركة التحديث وتحسين أحوال المرأة السعودية والتي يدعمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتمنيت أن يستكمل حركة التنوير وتطوير المجتمع.

ومؤخرًا برهن الرئيس عبدالفتاح السيسي على حرص قيادة مصر وتقديرها لتلك العلاقة الأخوية والقوية بين القيادتين، حيث أكد الرئيس أمس الأول على هامش افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية "سايلو فودز" أن مصر تتمتع بعلاقات طيبة مع جميع الدول العربية بما فيها السعودية، كما أكد تقديره لمواقف السعودية تجاه مصر ورفضه الإساءة إليها.

وإذا كانت هناك تجاوزات من بعض الأفراد أو كلمات وعبارات مسيئة في بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي نرفضها رفضًا باتًا كمصريين مدركين رسوخ العلاقات القوية بين القوتين الكبيرتين في المنطقة، فإننا نثق أنها لن تفلح في تقويض أو إيقاف نهر العطاء والمحبة والأخوة والتقارب بين الشعبين والقيادتين، ولن توقف التحالف الاستراتيجي والشراكة والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين، ولن تنال من تلك العلاقة الاستثنائية التاريخية التي تقوم على أساس متين ومستمر بين مصر والسعودية، لأنه من نسيج خاص جدًا ومتين لا ينقطع بين أكبر قطبين في المنطقة، وفي تحالف قواهما ما يمكن أن يكون صمام أمان لاستقرار وأمان المنطقة وإعادة بناء الدول العربية التي دمرتها الخطط الشيطانية وأضعفت بنيتها.

وأتمنى أن نرى زيارة قريبة لعاهل المملكة العربية الشقيقة لاستكمال تحقيق آمال القيادتين المنشودة لحركة التنمية والتحديث في المنطقة بأسرها، وللترحيب به في بلده الثاني مصر، لأن كلا البلدين على قلب واحد في اتجاه مستقبل أفضل لمنطقتنا العربية، ولأن مصر بحاجة إلى السعودية والسعودية في حاجة إلى مصر، وكلاهما لا غنى له عن الآخر، لأن في اتحادهما تكمن قوتهما وفي قوتهما قوة دافعة لتقدم واستقرار المنطقة كلها.