رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ممارسات العنف.. وموقف الأمهات والآباء

نحتفل، اليوم الثلاثاء، بعيد الحب الذى يطل علينا وعلى كل دول العالم فى ١٤ فبراير من كل عام، بتمجيد الحب ولفت النظر إليه كشعور إنسانى رائع.

فكل عام وأنتم بخير، وتعيشون بالحب والعطاء للآخرين، وانطلاقًا من كل المعانى النبيلة المتعلقة بالحب كالحنان والعطاء ورعاية الآخر والافتقاد والبهجة والسعادة والمحبة، فإننى أدعو كل بيت للدعوة للحب ونشره بين أفراد الأسرة وفى المجتمع وتمجيد قيمته فى تجلياته النبيلة والكثيرة، وتعليم الأبناء منذ الصغر أهمية الحب كشعور إنسانى نبيل بين أفراد الأسرة والأمهات والآباء، وبين الإخوة والأصدقاء، ونشر أيضًا مشاعر حب الوطن والانتماء إليه، لأن من ينشر الحب سيجد المقابل حبًا، وأن من ينشر الكراهية سيجد كراهية فى المقابل.

من ناحية أخرى، فإننى أدعو لنبذ العنف والكراهية والتطرف والتشدد والقهر والقسوة وكل صور السلوكيات البغيضة والعنيفة التى تسبب الأذى للآخرين، ولا شك أننا شاهدنا فى السنوات الأخيرة أحداث عنف وبلطجة وممارسات ضارة عديدة وغريبة على الهوية المصرية وعلى طباع المصريين وسماتهم العريقة، وفى تقديرى أنها قد بدأت تحدث مع موجات نشر الفوضى وتصاعد تيارات التطرف والتشدد وأعمال العنف والشغب والتخريب، التى حدثت خلال أحداث يناير ٢٠١١ وما بعدها، والتى تعتبر من وجهة نظرى نقطة تحول فى ممارسات وسلوكيات المجتمع المصرى، ومنها ما هو نتيجة دعوات وفتاوى دينية تُنسب للدين وتنشرها فى المجتمع التيارات الظلامية، ومنها ما هو من تأثير التقصير فى تربية وتوجيه الأمهات والآباء لأبنائهم، ومنها ما يتمثل فى عدم إلمام الأهالى ببث القيم والأخلاق فى الأبناء، ومنها تأثير الضغوط النفسية فى البيت أو البيئة المحيطة بالطفل وبالبنات والمراهقين، ومنها افتقاد دور المدرسة فى التوجيه وبث السلوكيات السليمة فى التلاميذ، ومنها ما هو من تأثير أصدقاء السوء والمنحرفين، ومنها فى السنوات الأخيرة من تأثير كبير وملحوظ بسبب مواقع التواصل الاجتماعى والميديا ووسائل الاتصال الحديثة وانتشارها إلى حد السيطرة على وقت وعقول الشباب والمراهقين.

وهكذا رأينا ظهور انحرافات وأمراض نفسية واضطرابات نفسية وأحداث عنف واضحة ومؤسفة بين الشباب.

ورأينا حوادث مروعة، منها ومن أسوأها جريمة الشاب الذى ذبح فتاة شابة أمام باب الجامعة، لأنها رفضت أن تقترن به أو أن تقيم معه علاقة غرامية، ومجرم آخر يعتدى على فتاة صغيرة فى شقة مهجورة، وثالث يقتل زميلًا له بسبب خلاف على نقود، واثنان من الشباب المنحرفين يستقلان موتوسيكلًا ويريدان سرقة حقيبة شابة كانت تسير فى الشارع، فيسحلانها فى الشارع حتى تسقط قتيلة تحت عجلات سيارة، ومجرم يقتل ابنة عمه لأنها رفضت الاقتران به.

ونرى مشاجرات عنيفة وبلطجة يومية كادت تصبح سمة مؤسفة فى الشخصية المصرية، وأنا أتوقف اليوم أمام دور الأمهات والآباء، أى دور الأسرة، يليه دور الإعلام والميديا والمدرسة أيضًا، حتى لا يصبح العنف سمة جديدة فى الشخصية المصرية التى كانت دائمًا تتسم بالطيبة والكرم واحترام الكبير وحب الفنون والغناء والبهجة والشهامة.

إن دور الأمهات والآباء مطلوب وضرورى حتى يمكن تقويم أى انحراف أو ميول للعنف للطفل منذ سن صغيرة أو فى سن المراهقة، ومن الضرورى توفير بيئة صالحة ومناسبة ليشب الأبناء أسوياء وطبيعيين وقابلين للتربية والتوجيه، وأيضًا عدم حرمان الطفل أو الطفلة من مشاعر الحب والحنان والرعاية الضرورية المطلوبة منذ صغر سنهم.

بالإضافة إلى هذا، يجب على الأمهات خاصة أن يكن صمام الأمان ومصدر الرعاية الأول للطفلة وللطفل، وعدم التمييز بينهما، وأن يدركن أن الإشراف ومتابعة الأبناء عن قرب هما أمران ضروريان لاكتشاف أى خلل فى السلوكيات أو أى اضطراب نفسى أو أى مرض نفسى قد يظهر فى التعاملات النفسية اليومية فى البيت.

وما حدث فى جريمة الطالبة الجامعية نيرة أشرف التى قتلها شاب منحرف بالسكين بطريقة مروعة وبعنف غير طبيعى أمام باب الجامعة، الذى حكم عليه بالإعدام وسيتم تنفيذ الحكم قريبًا، يجعلنا نتوقف عند غياب دور الأم وفقدانها دورها فى تربية الأبناء وغرس الأخلاق والسلوكيات الصحيحة فيهم، فإن ما قالته أمه بعد توقيع جزاء الإعدام عليه يجعلنا نفهم أنها هى شخصيًا تعانى خللًا نفسيًا وفقدان الضمير، حيث بررت بكل قسوة جريمته البشعة بدم بارد، بدلًا من أن تعبر عن حزنها بسبب جريمته التى روّعت البيوت المصرية لما فعله ابنها عمدًا فى فتاة مصرية بريئة، حيث قالت إنه قتلها بسبب رفضها له بشكل سيئ، وهذا يعد دليلًا على بيئة منحرفة وأم غائبة وفاقدة أبسط قواعد التربية والتوجيه لابنها المجرم الذى لا بد أنه قد قام بأفعال عنيفة قبل هذه الجريمة البشعة، لكنها كانت غائبة عن متابعته أو ملاحظة سلوكياته الإجرامية أو توجهاته العنيدة.

فى المقابل، ومن ناحية أخرى، وجدنا أمًا أخرى متعلمة، وكانت تشغل منصبًا حكوميًا مهمًا قد أصيبت بألم نفسى موجع فى أقرب المقربين إليها، حيث اكتشفت أن ابنها أثناء دراسته بالخارج أصيب بمرض نفسى شديد الوطأة، مما جعله الآن متهمًا فى جريمة بالولايات المتحدة الأمريكية، ومع حزنها الشديد قررت أن تحول محنتها الشخصية إلى منحة وعطاء للآخرين من الشباب الذين يعانون مرضًا نفسيًا قد يؤثر على سلوكياتهم وممارساتهم اليومية فيفقدون السيطرة على سلوكياتهم، مما قد يسفر عنه أذى للآخرين.

وهذه المنحة للآخرين، قامت بها السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج السابقة، حيث أنشأت مؤخرًا مؤسسة جديدة اسمها «فاهم» (افهم، اسمع، اتكلم) للدعم النفسى للأطفال والشباب الذين يعانون مرضًا نفسيًا، والذين يحتاجون للعلاج والرعاية، وأكدت لى أنها مؤسسة غير هادفة للربح.

وقد حضرت بدعوة منها إطلاق هذه المؤسسة الجديدة، منذ أيام، وأعتقد أنها تعتبر بداية لتغيير الصورة المشوهة عن المرض النفسى فى المجتمع، واعتبار المرض النفسى كأى مرض آخر يجب اكتشافه وعلاجه، وقد وقعت بالفعل ٤ بروتوكولات تعاون مع ٤ جهات معنية فى وجود ٤ وزراء حاليين وسابقين وإعلاميين وشخصيات عامة وأطباء نفسيين، فقد وقعت بروتوكولات تعاون مع وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة نيفين القباج، ووزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار، ووزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحى، والدكتورة مايا مرسى رئيسة المجلس القومى للمرأة.

وأتمنى أن تنفتح هذه المؤسسة لتتعاون مع المدارس والجامعات لاكتشاف الحالات التى تعانى اضطرابات نفسية أو مرضًا نفسيًا بين الشباب والمراهقين، أو التى حدث لها خلل فى السلوكيات لدعمهم نفسيًا وحل مشاكلهم النفسية بالعلاج السليم وبطرق علمية، ومن خلال خبراء متخصصين مشهود لهم بالكفاءة، لأن الاكتشاف المبكر لأى مرض أو خلل أو سلوك عنيف قد يؤدى إلى رعاية مبكرة وحل لمشاكل أسرية ونفسية كثيرة لدى المراهقين والشباب، قبل أن تتصاعد أو تستفحل المشاكل، لتصبح سلوكيات عدائية أو عنيفة تسبب الأذى للآخرين.