مدد يا رئيسة الديوان.. المصريون يحتفلون بالليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب
يتوافد آلاف المصريين على مسجد ومقام السيدة زينب بوسط القاهرة، غدًا الثلاثاء، للاحتفال والاحتفاء بالليلة الختامية للمولد الشريف لحفيدة رسول الله وابنة الإمام على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء، وسط حالة روحانية صوفية تجمع المصريين بـ«أم العواجز»، التى يذهبون إليها لرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى فى روضتها الشريفة، متذكرين سيرتها العطرة وسيرة آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ومع اقتراب الليلة الكبيرة، تستعد الطرق الصوفية ومحبو آل بيت رسول الله لاستقبال زوار «أم هاشم»، وتجهيز مسجدها والمنطقة المحيطة به لاستقبال المريدين الذين جاءوا من كل مكان، داخل مصر وخارجها، لحضور الليلة الكبيرة، وتنظيم فعاليات متعددة احتفاء بذكرى مولدها الشريف، وهو ما نرصده فى السطور التالية بعد سرد بعض من أفضالها وإلقاء الضوء على شىء من سيرتها العطرة.
قال الداعية الإسلامى الدكتور طلعت مسلم، إن السيدة زينب، رضوان الله عليها، الابنة الكبرى للسيدة فاطمة الزهراء والإمام على بن أبى طالب، ولدت فى شهر شعبان، بعد مولد شقيقها «الحسين»، رضى الله عنه، بسنتين، وعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، والرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، هو من أسماها «زينب» على اسم ابنته.
وأوضح أن السيدة زينب عاشت حياة مليئة بالأهوال، بداية من فقدان جدها رسول الإنسانية وهى بنت ٥ سنوات، ومرورًا بفقدان أمها «الزهراء» بعده بأشهر، ليُلقى على عاتقها وهى صبية صغيرة عبء إدارة بيت والدها ورعاية شئون شقيقيها، لتصدم بعدها باستشهاد أبيها الإمام على، ثم ترى شقيقها الإمام الحسين شهيدًا فى «كربلاء»، لكنها مع ذلك صبرت صبر أولى العزم من الأنبياء.
وأضاف: «تحلت السيدة زينب بالعلم والتقوى، والشجاعة والإقدام، والبلاغة وقوة البرهان، وتكنى بـ(أم هاشم)، لأنها حملت لواء «الهاشميين» بعد شقيقها الإمام الحسين، و(صاحبة الشورى)، لأن كثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها فى الرأى، و(عقيلة بنى هاشم)، وهى الوحيدة التى أطلق عليها ذلك من بين آل البيت، كما أسماها شقيقها الإمام الحسن «الطاهرة» عندما قال لها: (أنعم بك يا طاهرة حقًا إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة)، وذلك عندما شرحت حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم (الحلال بيّن والحرام بيّن)».
وأشار إلى أن السيدة زينب تزوجت من ابن عمها عبدالله بن جعفر الطيار بن أبى طالب، وأنجبت منه أبناءها «جعفر» و«على»» و«عون» و«أم كلثوم» و«أم عبدالله»، وعندما انشغلت بأمر الدعوة مع شقيقيها «الحسن» و«الحسين» أذنت لزوجها بالزواج، فتزوج مرتين.
وتابع: «بعدما قدمت إلى مصر، وشاهد أبناء النيل مساعدتها للعجزة والمساكين، أطلقوا عليها كثيرًا من الألقاب، مثل (أم العزائم) و(أم العواجز)، و(رئيسة الديوان)، لأن الوالى وحاشيته كانوا يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم، يتعلمون فيها الأمور الدينية».
ولفت إلى أن السيدة زينب كانت من أوائل سيدات «أهل البيت» اللاتى شرّفن أرض مصر بالمجىء إليها، موضحًا أنها وصلت مع بزوغ هلال شهر شعبان بعد ٦ أشهر على استشهاد أخيها «الحسين»، ومعها أبناؤها، واستقبلها أهل مصر وواليها فى داره بمنطقة «الحمراء القصوى»، التى عرفت بعد ذلك بحى السيدة زينب.
فى السياق ذاته، قال الدكتور أيمن أبوالخير، إمام وخطيب مسجد الإمام أبوالعزائم، إن حياة السيدة زينب، رضى الله عنها وأرضاها، كانت مليئة بالأمور العجيبة، خاصة بعدما عاشت المأساة من أولها إلى آخرها، وشهدت مقتل أبنائها ومقتل أقمار أهل البيت، عليهم السلام، أمامها، شهيدًا يتلوه آخر، حتى استشهد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين فى العاشر من شهر المحرم فى عام واحد وستين للهجرة، فصمدت صابرة محتسبة، وافتدت بنفسها ابن أخيها «على زين العابدين»، الذى كان آخر من تبقى من ذرية الإمام الحسين، وجاءت منه ذرية «الأشراف الحسينيين» بعد ذلك.
وأضاف: «بعد ما شهدته من مآسٍ، لقّبوها، عليها السلام، بـ(جبل الصبر)، لأن الجبال ناءت بما حملته صابرة محتسبة».
وأشار إلى أن يزيد بن معاوية أراد بعد كربلاء أن ينفى السيدة زينب بعيدًا عن المدينة، لأن أهلها يستمعون منها إلى ما حدث لآل البيت فى كربلاء، وأيضًا بعيدًا عن مكة، لأن الحجاج والمعتمرين كانوا يحرصون على الجلوس إليها، وكذلك بعيدًا عن العراق التى فيها شيعة أبيها، فأرسل إليها أن تذهب إلى أى البلاد تختار عدا مكة والمدينة والعراق، فاختارت مصر.
وأضاف: عندما سُئلت السيدة زينب: لِمَ مصر؟، فقالت: لأنى سمعت جدى، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: «إن الله تعالى سيفتح عليكم مصر، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا»، ثم قالت: «فاخترتُ أهل الذمة والرحم».
وتابع: يكفى مصر وأهلها دعاء السيدة زينب المبارك، عندما قالت: «يا أهل مصر: نصرتمونا نصركم الله.. يا أهل مصر: أكرمتمونا أكرمكم الله.. يا أهل مصر: آويتمونا آواكم الله.. جعل الله لكم من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا»، فاللهم اجعلنا محبين لحضرة النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، وللسادة من آل البيت عليهم السلام وكل الصحابة والتابعين، آمين».
من جهته، قال الدكتور عبدالحليم العزمى، الأمين العام للاتحاد العالمى للصوفية، إن السيدة زينب، رضى الله عنها وأرضاها، فى حقيقة الأمر اختارت الهجرة إلى مصر ولم تختر أى بلد آخر؛ نظرًا لمحبة أهل مصر لآل بيت النبى، وولائهم ومودتهم لذوى القربى، من ذلك الزَّمان إلى اليوم.
وأوضح أن السبب فى ذلك هو أن أفرادًا من الخط الموالى للإمام على، كرم الله وجهه، كانوا قد حكموا مصر فى تلك السنوات، من أمثال: قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى، ومحمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما.
وأضاف: الأمر الآخر هو لما تعرفه السيدة الطاهرة من أن مصر كنانة الله فى أرضه، من أرادها بسوء قصمه الله، وقد جاء فى كتاب الله تعالى ذكر مصر بقوله تعالى:
«وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ»، وكذَلِكَ قَوْلُهُ تعالَى: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»، وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة.
واستطرد: وأيضًا لما سمعته السيدة الطاهرة مما حدثت به أم سلمة رضى الله عنها، ورواه مسلم فى صحيحه، من أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أوصى بأهل مصر فقال: «إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحمًا»، كما قال فى حديث آخر: «ذمة وصهرًا»، إضافة إلى تبشير النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، صحابته بفتحها، وتنويهه بجندها، وتوصيته بأهلها خيرًا، وأنهم فى رباط إلى يوم القيامة.
وتابع: «اختارت السيدة الطاهرة مصر؛ لتكون فى شرف استقبال رأس أخيها الإمام الحسين، فقد نسب لابن الأثير فى الكامل قوله: إن والى المدينة سألها: لماذا اخترت مصر؟ فقالت: (لأكون وأنا فى برزخى بعد سنين تمضى فى شرف استقبال رأس أخى الحسين الذى سودتم تاريخكم بدمه الطاهر البرىء)».
وأردف: «اختارت السيدة زينب مصر لأنها كنز الخلافة، وعاشت فيها، وكان يلجأ إليها الناس للتحكيم فيما بينهم من مشكلات، ولذا سميت بـ(رئيسة الدواوين) و(صاحبة الشورى)، وكان المصريون يلجأون لها دائمًا وأبدًا فى كل الأمور التى يصعب عليهم حلها».
فى سياق متصل، كشفت مصادر عن مشاركة ٧٠ طريقة صوفية فى احتفالات المولد، أبرزها «الضيفية والصديقية والهاشمية والقصبية، والعزمية والشبراوية والسعدية والقادرية».
وأنشأت الطرق المشاركة ساحات خاصة بكل منها، فى محيط ميدان السيدة وفى الشوارع الجانبية حوله، لتقديم الخدمة للمريدين والزوار والمحتفلين بالمولد، فضلًا عن إقامة حلقات وحفلات للإنشاد والذكر والمدائح النبوية.
من جهته، قال الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن هناك حالة من التعطش لدى المريدين للمشاركة فى الفعاليات الدينية والصوفية على هامش المولد.
وأضاف: «مولد السيدة زينب، مولد عظيم مبارك تشارك فيه جميع أطياف الشعب المصرى كافة، ولا تقتصر المشاركة على أهل التصوف فقط»، مشيرًا إلى أن الطرق الصوفية تستقبل الزوار لتأكيد روح المحبة والوسطية التى تنتهجها.
وتابع: «الطرق الصوفية تعتبر مولد السيدة من الفعاليات المقدسة لديها، والجميع مرحب به دائمًا داخل خدمات وساحات الصوفية»، مشددًا على أن موالد «آل البيت» وفعاليات الصوفية المختلفة تحمى الشباب من التطرف والإرهاب، وتعبر بوضوح عن الإسلام الوسطى الذى لا يكفر الآخر ولا يهاجمه.
ووعد بأن تخرج احتفالات الطرق الصوفية بالمولد بشكل حضارى وجميل، دون أى سلبيات تؤثر على سيرها، قائلًا: «احتفالات آل البيت محروسة من الله، عز وجل، ولا تحتاج إلى عمليات تأمين كبيرة، لأن المحتفلين والزائرين هم من يؤمّنونها، ولا نتخيل أن يحاول أحد إفساد فرحتهم».
وكشفت المصادر عن مشاركة شباب الطرق فى تأمين وتنظيم الفعاليات التى ستنظم خلال الليلة الختامية للمولد.
وقالت: «هناك استعدادات أمنية مكثفة لليلة الختامية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، تحسبًا لحدوث أى عمليات تخريبية لإفساد فرحة المحتفلين بالمولد».
وذكر الدكتور محمود أبوعلى، شيخ الطريقة الضيفية الخلوتية، أن هناك عمليات تأمين مكثفة لمولد السيدة، فى ظل وجود جماعات وتنظيمات تحاول دائمًا النيل من أهل التصوف.
وقال: «الطرق الصوفية تحتفل بالمولد هذا العام دون أى خوف أو رهبة من هذه الجماعات، لأن الحامى والمغيث هو الله»، متوقعًا أن يشارك مريدو السيدة فى المولد هذا العام بكثافة كبيرة، لتأكيد محبتهم لـ«حفيدة المصطفى».