رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم اللغة العربية ضرورة للهوية المصرية

من الضروري أن يتم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في كل المؤسسات التعليمية في بلدنا، وأن يتوسع الاحتفال بها في إعلامنا المصري بين الشباب المصري، وأن يتم الاهتمام بها منذ سن صغيرة في البيوت المصرية حتى نحافظ على الهوية المصرية التي تعد اللغة العربية أحد أهم عناصر قوتها وجذورها العميقة.

وفي عصرنا الحالي أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية أكثر صعوبة مع انفتاح العالم على بعضه البعض في عصر التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل بين كل الدول والثقافات، إلا أنه من ناحية أخرى فإن الحفاظ على الهوية الوطنية قد أصبح أيضا ضرورة لتعزيز الانتماء والولاء للوطن، وفي إطار دعم وتعزيز اللغات وتعدد الثقافات في منظمة الأمم المتحدة صدر قرار من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في ١٨ ديسمبر سنة ١٩٧٣ بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية  الـ٦ للأمم المتحدة ولغات العمل بها.

وبدأ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في سنة ٢٠١٢، وهي تعد اللغة الأكثر انتشارا في العالم حيث يتحدث بها أكثر من ٤٢٠ مليون شخص حول العالم، والهدف من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وهي تتيح الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الاصول والمعتقدات، كما أنها فريدة بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصحي والعامية، وهي لغة الشعر والفلسفة والغناء، وهي قد سادت لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، كما أثرت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل التركية والفارسية والماليزية وغيرها، وبعض اللغات الإفريقية الأخرى وبعض اللغات المتوسطية، كما مثلت حافزا  لإنتاج المعارف.

وفي بلدنا منذ سنوات قليلة بدأ الاهتمام باليوم العالمي للغة العربية إلا أنه ليس على نطاق واسع، ونحن في حاجة إلى تعميم الاحتفال بهذا اليوم ليليق بمكانة اللغة العربية، ونحن في حاجة إلى صدور قرار من وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي للاحتفال بهذا اليوم في كافه المؤسسات التعليمية والجامعات والمدارس الحكومية التابعة للدولة أو المدارس الخاصة أو المدارس الدولية، وتنظيم الفعاليات الثقافية في المواقع الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، ونشر أهمية الاحتفال بهذا اليوم في كل محافظات مصر نظرا لأهمية اللغة العربية المتزايدة في العالم.. وفي تقديري أن الاهتمام بها يعني الاهتمام بالحفاظ على الهوية المصرية التي ينبغي المحافظة عليها والحرص على عدم اندثارها نتيجة وجود عنصرين:
أولهما، أهل الظلام الذين حاولوا إضعاف الهوية المصرية الوطنية ففشلوا بسقوط جماعات الظلاميين من سدة الحكم مع قيام ثورة الشعب المصري في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهم ما زالوا يحاولون إضعاف الهوية الوطنية من تحت الأرض في المدارس والبيوت، ونشر الظلام والزي الوهابي وأسلوب حياة متخلف لا يمت للهوية المصرية بصلة.
وثانيهما: انتشار وسائل الاتصال والتواصل والإنترنت والفضائيات والمنصات التي تبث أفكارا غريبة عن قيمنا وأخلاقنا ومفاهيمنا في الحياة.. وبدأت تحاول اختراق العقول من خلال أفلام للكبار وأيضا للصغار في أفلام الكرتون أو الرسوم المتحركة، فتبث المثلية وزواج المثليين مما يختلف عن العلاقات الطبيعية التي نشأنا عليها بين الرجل والمرأة، مما يمكن أن يحدث خلخلة في القيم المصرية الأصيلة في الطفل منذ صغره فتتوه هويته من خلال تسلط أفكار غريبة ومعيبة على عقله الصغير.

ومن هنا، فإن الاحتفال باللغة العربية يعني الاعتزاز بها والتمسك بقيم ومفاهيم ومبادئ الهوية المصرية العريقة والأصيلة، والتزود بثقافة عريقة وفريدة من خلال لغة الضاد.. ولا يعني  هذا أنني أريد عزل التلاميذ عن اللغات الأخرى أو عن الواقع من حولهم، وإنما أنا من أشد المطالبين بتعليم الأبناء اللغات الأخرى والانفتاح على الثقافات وعلى العالم.. ولكن مع الاحتفاظ بالهوية المصرية الوطنية.

ومنذ أيام قليلة أتيح لي أن أشهد وأشارك في احتفالية رائعة أتمني أن يتم تنفيذ مثلها في كافة جامعاتنا التابعة للدولة، وأيضا الجامعات الخاصة؛ لما لمسته من تأثير مباشر على اهتمام  الشباب باللغة العربية التي تدعم الولاء والانتماء للوطن والاعتزاز بالهوية المصرية، فلقد  سعدت بدعوتي في الاحتفالية المتميزة التي أقامتها جامعة عين شمس العريقة يوم الخميس ٢٢ ديسمبر، وذلك للمشاركة فيها بالتحدث في ندوه ثقافية مهمة تحت عنوان "اللغة العربية والإعلام والأجانب".
 

واستدعت هذه الندوة إلى ذاكرتي بداية عشقي للغة العربية باعتبارها لغة حافلة بالثراء والسحر والرصانة، وقادرة على إبداع مختلف أشكال التعبير بالفصحى والعامية والصور الجمالية والبلاغية والتعبيرات المباشرة والإبداعية غير المباشرة وفقا لنوعية ما يراد التعبير عنه، وهي تحمل القارئ أو المستمع إلى آفاق لا محدودة.. وفي الندوة أكدت أن مفردات لغة المقال تختلف في شكلها ومفرداتها عن لغة الأدب أو القصة، وأنها أتاحت لي توصيل أفكاري التقدمية التي أريد التعبير عنها إلى عدد كبير من القراء في داخل مصر أو خارجها، سواء في حرية الفكر أو حقوق المرأة أو ضرورة المساواة بين المرأة والرجل، أو حقوق الإنسان أو الهوية الوطنية وقصص من الحياة، وغيرها من أفكار تنويرية ضرورية لتقدم بلدنا وتطوره إلى الأمام.. وإنني أعتبر أن القلم هو سلاح في يدي وأن الكلمة المكتوبة مسئولية للكاتب وتبقى شاهدة على كتاباته مهما طال الزمن.. وإنني أتمنى في الجمهورية الجديدة أن نحقق المزيد من التقدم للمرأة والمجتمع ككل، والمزيد من التشريعات لحمايتها والاهتمام بنشر الثقافة واللغة العربية بين الشباب بطريقة جاذبة لهم ليقدموا إبداعا وإعلاما وإنتاجا مكتوبا يواصلون به مسيرة الأدب المصري والثقافة المصرية، والاهتمام بنشر التنوير بين ربوع الوطن. 

كما شارك بالتحدث في الندوة الإعلامية سوزان حسن، رئيسة التليفزيون السابقة، والإعلامي سمير عمر، كبير المراسلين في قناة «سكاي نيوز عربية»، والإعلامي عبدالبصير حسن، مراسل قناة «بي بي سي العربية» في مصر، وأدارت الندوة باقتدار د. جهاد محمود، مقررة  احتفالية الجامعة، وأشرف على الاحتفالية د. أيمن صالح، نائب رئيس الجامعة، والذي قام بتقديم تكريم جامعة عين شمس لنا، كما حضرت الندوة د. غادة فاروق، نائب رئيس الجامعة، وافتتح الاحتفالية د. محمود المتيني، رئيس جامعة عين شمس، والتي أقيمت تحت رعايته، وإنني أتمنى أن تقام في العام المقبل احتفاليات متميزة للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وأنشطة ثقافية تعم كافة محافظاتنا ومدننا، وأن نشجع الشباب على الاهتمام والاعتزاز بها لأنها لغة تستحق أن نحبها وأن نعتز بها، وهي قبل كل هذا لغة القرآن الكريم، واللغة الأكثر انتشارا وثراء وسحرا في العالم، وهي لغة التنوع الثقافي والتواصل مع العالم، واللغة التي استطاعت أن تعيش لقرون طويلة وستعيش لقرون طويلة قادمة ما دمنا نحافظ عليها ونحفظ لها إرثها ومكانتها الرفيعة بين الأمم.