نقاد وكتاب: لجان جوائز شعر العامية المصرية تعيش أزمة
أثارت أسماء لجنة تحكيم جائزة أحمد فؤاد نجم، في مجال شعر العامية، والتي جاءت بأسماء الكتاب والشعراء: سامي السيوي، ومحمود قرني، وياسر الزيات، وسعد القليعي، العديد من التساؤلات حول الندرة التي تصل إلى حد الغياب في مجال المشهد النقدي لشعر العامية.. لكن من المنوط باختيار أسماء لجان التحكيم؟
إبراهيم داود: الانحياز للرواية على حساب الشعر أبرز أسباب الأزمة
يقول الشاعر إبراهيم داود، عضو مجلس أمناء جائزة أحمد فؤاد نجم، في مجالي النقد والشعر لـ"الدستور": "في البداية علينا الإشارة إلى أن ثمة أزمة حقيقية في ندرة نقد الشعر، سواء عامية أو فصحي، وما تشهده الجائزة من حالة الندرة في مجال النقد يظهر بالأرقام في مجال ما يتم تقديمه من كتابات نقدية وشعرية للمشاركة في الجائزة".
وتابع: "الأرقام تشير إلى حال الفجوة بين النقد والإبداع. عدد ما يتم تقديمه من دراسات نقدية لا يتجاوز عدد أصابع اليد اليد الواحدة، في مقابل أن عدد ما يقدم من أعمال شعرية يقترب من المائة، إلى جانب ذلك المشهد الشعري العربي كله يعاني من انصراف الناقد عن الشعر لصالح الرواية".
وردًا عن سؤال ماذا عن أسباب تعدد وتنوع اهتمامات المحكمين لجائزة أحمد فؤاد نجم؟.. قال داود: "هذا يرجع إلى اختيار مجلس الأمناء في مجال الشعر، والذي يقر بتعدد وتنوع اهتمامات المشاركين في لجنة تحكيم جائزة، وهذا يضمن اختلاف الذائقة الشعرية، إلى جانب شرط رئيس أن يكون لهم اهتمام حقيقي بالشعر، وهذا ما ظهر في اللجنة الأخيرة لجائزة أحمد فؤاد نجم ما بين شعراء وكتاب في مختلف المجالات".
وأكد داود، أن مجلس أمناء جائزة ساويرس لا يتقاضون أي مقابل مادي، وأن ما يقومون به هو عمل تطوعي.
سيد ضيف الله: أزمة نقد شعر العامية هي عربية بامتياز
من جانبه، يري الناقد والأكاديمي الدكتور سيد ضيف الله: "تعتبر فترة الخمسينيات والستينيات في القرن الماضي هي العصر الذهبي لشعر العامية في العالم العربي، وسبب ذلك أن سر اكتساب شعر العامية هذه المكانة في تلك الفترة أنها كانت فترة تحرر وطني في العالم العربي وحضور قوي للفكر الاشتراكي والحلم بالعدالة الاجتماعية، وبالتالي كانت كلمة الشعب ساحرة تجذب العقول والقلوب".
وأكد ضيف الله، أن "من هنا كان الاهتمام بالأدب الشعبي من جهة الفولكلور بين والاهتمام بشعر العامية من قبل نقاد الأدب، وللأسف، مرت عقود دون أن يتحول الاهتمام بشعر العامية إلى شاغل جمالي حقيقي لأقسام دراسة الآداب والتقد بالجامعات العربية، وبالتالي لم يبذل جهد أكاديمي منهجي لمواجهة تحديات دراسة شعر العاميات من حيث موسيقى الشعر والظواهر البلاغية والأسلوبية والخطابة والثقافية، بينما هناك آلاف من الدراسات على مرعدة قرون رسخت وسهلت دراسة الشعر العربي ذي الأوزان الخليلية".
وتابع ضيف الله: "أظن أن ما يجري هو أزمة النقد الأدبي بشكل عام، والذي هو جزء من أزمة العلوم الإنسانية في العالم كله وليس في الوطن العربي فقط، لكن أزمة نقد شعر العامية في العالم العربي هي أزمة عربية بامتياز تتعلق بوضع جامعاتنا العربية، وتدهور مستوى أقسام النقد الأدبي بها وانغلاقها على المألوف من الدراسات، فضلًا عن اختلاف النظرة للشعب وعدم جدوى استعمالاته نقديًا لمن يسعى للانخراط في المؤسسات الأكاديمية والثقافية ذات التشابكات العربية".
عيد عبدالحليم: شعر العامية.. أزمة نقد ونقاد
من جهته، يقول الشاعر والكاتب الصحفي عيد عبدالحليم: "منذ بداية ترسخ مفهوم شعر العامية، في خمسينيات القرن الماضي على يد فؤاد حداد وصلاح جاهين، لم يظهر ناقد متخصص في نقد شعر العامية، ولعل أبرز الدراسات التي كتبت في تلك الفترة كانت مقدمة يحيي حقي الرباعيات صلاح جاهين، وبات نقد شعر العامية مرتبطًا بفكرة الذائقة مقارنة بشعر الحداثة الفصيح، والذي كان معاصرًا ومواكبًا لبدايات شعر العامية، فظهرت تجارب نقدية مناصرة لشعر التفعيلة منها ما قدمه الدكتور عبدالقادر القط، الدكتور عز الدين إسماعيل، وفي السبعينيات ظهرت أسماء نقدية مثل د. جابر عصفور ود. محمد عبدالمطلب".
وتابع عبدالحليم: "ظل شعر العامية حبيسا لفكرة الذائقة، وإن كتب عنه الراحل د. صلاح فضل كتابًا قبل رحيله، حتى تجارب النقاد الجدد لا ترتقي، من وجهة نظري، إلى التيار الجارف الذي تمثله التجارب الثرية لشعر العامية المصرية".
واختتم: "لا أستغرب أن تجيء المسابقات المخصصة لشعر العامية خالية من نقاد متخصصين في شعر العامية، وهذا ليس عيبًا في القائمين على مثل هذه المسابقات التي تتصف شعر العامية، فالحقيقة لا يوجد نقاد متخصصون في شعر العامية، المسألة متعلقة بأن الكثيرين ممن يتصدون للنقد عندهم نظرة غير منصفة لشعر العامية، على اعتبار أنه لغة الهامش، في حين يرون قوة الشعر المكتوب بالفصحى، وهذا خطأ، فالعامية هي لغة الوجدان الشعبي، ولا بد من دخولها إلى الدراسات الأكاديمية، فلا توجد دراسة أكاديمية عن شعر العامية، فكيف يوجد بعد ذلك نقاد متخصصون في شعر العامية.المسألة مبتورة السياق من المنبع، فكيف إذن نبحث عن الشجرة؟".