بمناسبة عيد الميلاد.. الرّسالة الميلاديّة للبطريرك آوا الثّالث
عايد بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة في العراق والعالم مار آوا الثّالث روئيل إكليروس وعلمانيّي كنيسته، في رسالة ميلاديّة كتب فيها بحسب موقع أخبار كنيسته:
"تدعونا المناسبة العظيمة والمفرحة لميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح لكي نتقدّم بكلمات التّهنئة هذه لجميع أبناء وبنات كنيستنا المقدّسة المشرقيّة الآشوريّة في العالم، وأبناء أمّتنا الآشوريّة في العموم، راجين أن تكونوا بصحّة جيّدة ومحفوظين بربّنا دومًا.
إنّ العيد المقدّس لميلاد ربّنا بالجسد من العذراء الطّاهرة والقدّيسة والطّوباويّة مريم هو منبع رجاء الحياة لجميع البشر. إنّ الاحتفال بتدبير مولد ربّنا في كلّ عام ليس احتفالاً اعتياديًّا أو اجتماعيًّا، كما اعتدنا أن نراه منتشرًا في عالم اليوم، لكنّنا كأبناء وبنات الإيمان نحتفل بعمل الله العجيب من أجل خلاص جنسنا البشريّ والّذي تحقّق بمولد ابنه الوحيد، الّذي جاء إلى العالم ليخلّصنا من الخطيئة والموت. إنّه لخطر روحيّ كبير أن نقع في فكرة تحديد عيد ميلاد ربّنا المقدّس بشراء الهدايا أو شراء الأمور الأخرى الّتي تفرح الإنسان ظاهريًّا ولفترة قصيرة، لكن من الواجب التّذكّر بأنّ المغزى من هذا الاحتفال والّذي هو اقتراب الرّبّ إلينا تمّ بواسطة ابنه الحبيب ربّنا يسوع المسيح، الله الكلمة، ذاك الّذي أخذ ناسوتنا وصار إنسانًا كاملاً في الطّبيعة والأقنوم.
إنّ الهديّة الأعظم الّتي أعطيت- من الرّبّ الإله نفسه- إلينا نحن البشر، كعلامة حبّه لنا، هي أنّ كلّ من يءؤمن به، تكون له الحياة الأبديّة (انظر يوحنا 3: 16). إنّه لدين عظيم علينا لكي نحبّ الرّبّ الإله من كلّ قلبنا ونفوسنا، وأن نقدّم إليه الشّكر من أجل عظمة حبّه وحنانه للإنسانيّة. ويتوجّب علينا أن نسدّد ثمن هذا الحبّ لله، عن طريق حياتنا المسيحيّة المزيّنة بالإيمان الحقيقيّ وبالأخلاق الصّالحة الّتي تُرضي الله وتُتمّم إرادته المقدّسة. إنّه لسوء الحظّ أن نرى بأنّ العلمانيّة قد دخلت بين المؤمنين أبناء الكنيسة وفي المسيحيّين على وجه العموم، ومن المؤسف أن نرى هنا وهناك بأنّها أيضًا قد دخلت بين الإكليروس، خدّام مذبح الرّبّ المقدّس. وهذا أمر لا يليق بنا كمسيحيّين، وبالأخصّ حاملي الرّتب الكنسيّة، إذ تؤدّي بنا إلى عدم توافق حياتنا اليوميّة مع دعوتنا المسيحيّة تلك الّتي اقتبلناها في المياه المقدّسة لسرّ المعموديّة المقدّسة.
لذلك يتوجّب علينا أن نكون منتبهين في كلّ وقت وفرصة ونقبل فيها ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، وبأيّ طريقة أو وضع روحيّ نقبله، سواء كان في التّدبير أيّ في عيد الميلاد المقدّس هذا أو في أسرار جسد ودم ربّنا.
إنّ العائلة المسيحيّة هي أساس الكنيسة والأمّة والمجتمع البشريّ بأكمله، وإذا ما تمّ تبديل وإفساد معنى العائلة والزّواج آنذاك سوف تسقط الإنسانيّة وسوف تخرج من الإرادة والنّظام الّذي وُضع لها وأسّس لمرّة واحدة إلى الأبد من قبل خالقنا. لذلك ينبغي عليكم أبناء كنيستنا المقدّسة أن تكونوا حريصين على أبنائكم وبناتكم من التّعليم الّذين يتقبّلونه في المدارس، خارج دائرة البيت والكنيسة المقدّسة، أن لا يتمّ تضليلهم ليذهبوا في طريق مظلم يقود إلى الخطيئة والموت الرّوحيّ. كما يجب على المطارنة والأساقفة والكهنة، خاصّة في البلدان الغربيّة، أن يكونوا منتبهين على حفظ تعليم الكنيسة المقدّسة، فيما يخصّ الأخلاق المسيحيّة، بدون أيّ تغيير أو تأثير من سلطات البلدان الّتي يعيشون فيها. نحن نفهم ونقبل الزّواج والعائلة بنفس الهدف والمشيئة الّتي أسّست عليه من قبل الرّبّ الإله من أجلنا نحن البشر، وإنّ أيّ شيء خارج عن هذا التّرتيب هو عمل الخطيئة وضدّ كلام ومشيئة الله. إنّ باب التّوبة، وبلا شكّ، مفتوح لجميع الأشخاص السّالكين في درب الخطيئة، وإنّ الله يدعونا على الدّوام أن نكون مستعدّين للعودة من طريق وأعمال الخطيئة المظلمة إلى المسيح ربّنا وإلهنا، ذاك الّذي أعطانا حياة حقيقيّة وروحيّة عندما نثبت في وصاياه وفي كلامه. إنّه واجبنا نحن كمسيحيّين حقيقيّين أن نحفظ ونحترم مكانة ومعنى الزّواج والعائلة كمسيحيّين في عالم اليوم، هذا العالم الّذي يُظهر علامات الابتعاد عن الرّبّ الإله بين يوم وآخر.
في الختام، نبارك العيد المقدّس لميلاد ربّنا على جميعكم أبناء وبنات كنيستنا المقدّسة وعموم أبناء أمّتنا الآشوريّة، وكذلك جميع إخوتنا في المسيح بدون استثناء، وأن يجلب هذا العيد معه البركات والرّجاء من لكم وللعالم أجمع، إذ نحن في أمسّ الحاجة لهذه النّعمة من الله، وأن تكون السّنة الميلاديّة الجديدة 2023 مليئة من مراحم الرّبّ الإله، على كنيستنا وأمّتنا عمومًا، وأن تكون سنة نقترب فيها من بعضنا البعض كإخوة وأخوات بمحبّة إلهيّة.