رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستعمار الرياضي «1».. أوروبا تستزف مواهب إفريقيا برعاية «فيفا»

مبابى
مبابى

ثاني أكبر القارات مساحة (30 مليون كيلومتر) بعد آسيا، وبعدد سكان يتجاوز مليار نسمة بما يعادل ثمن سكان العالم، وبموارد طبيعية جعلتها المطمع الأول للدول الاستعمارية، وباتت الملاذ الأول والأخير للمطامع في الثروة البشرية بعد انتهاء حقبة الاستعمار السياسي والعسكري.

إفريقيا الثرية.. أرض الذهب والماس، يقول علماء الأنثروبولوجيا إن القارة السمراء أصل الجنس البشري وأن أقدم الحضارات وأقدم السلالات الإنسانية انحدرت منها قبل 7 ملايين عام!، عاش فيها «إفريقيس بن ذي المنار» أحد أشهر وأغنى ملوك التبابعة اليمنيين، وفي الثقافة الفرعونية القديمة عرفت بـ«أفروى-كا» أي أرض الميلاد، إفريقيا هي الأصل وهي منبع الخير.

قوتها البشرية وبنيانها الإنساني من أقوى وأصلب القوى على وجه الأرض، تلك القوة الهائلة وذلك العنفوان المدهش تحوّل على يد الاستعمار إلى لعنة امتدت تداعياتها حتى يومنا هذا، عمليات نهب وسرقة وحشية للكنوز الإفريقية من ذهب إلى ماس إلى نفط وفحم وفوسفات ويورانيوم، بل إنها وصلت إلى سرقة البَشر، أناس مسالمون تم استرقاقهم وبيعهم طيلة عصور بُنيت فيها الحضارة الأمريكية والأوروبية بأيدى سمراء تسري فى عروقها قوة تدفقت من لدن بذرة البشرية الأولى، حتى وصل عصر الاستعمار الرياضي مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة.

سرقة المواهب الكروية 

سار صناع كرة القدم في أوروبا على نهج أسلافهم من الساسة الذين اعتبروا الدول الإفريقية غنيمةً لهم على مر العصور، ينهبون ثرواتها الطبيعية والبشرية دون رادع، فبعد سنوات قليلة من انتهاء حقبة الاستعمار السياسي والسيطرة الاقتصادية للدول الأوروبية على معظم دول إفريقيا، اتخذ صناع كرة القدم من مواهب القارة السمراء سبيلًا لتحقيق أهداف اقتصادية وقومية وكأن الدول الإفريقية مكتوب عليها القيام بدور العبيد على مر العصور.

على مدار القرون الثلاث الأخيرة كانت الدول الأوروبية تتنافس فيما بينها، للسيطرة على بعض المناطق الغنية بالثراوت المعدنية فى قارة افريقيا، بهدف نهب ثرواتها ومواردها الطبيعية والاستحواذ عليها، تحت شعار نشر الثقافة وفرض الوصاية، حتى أن تلك الدول كانت تتقاسم فيما بينها أماكن فرض الولاية، بداية من فرنسا وانجلترا والبرتغال وألمانيا وإيطاليا، وغيرهم.

لم تسلم الدول العربية في الشمال الإفريقي، مصر وتونس والمغرب وليبيا من هذا الاستعمار الذي أفقد هذه الدول الكثير من ثرواتها الطبيعية على مدار قرنين من الزمان، إلى أن انتهى عصر الاستعمار في القرن العشرين، وإن كان هناك ما يسمى الوصاية حتى الآن في بعض دول إفريقيا تحت شعار حفظ السلام بين دول تلك المناطق .

وخلال العقود الخمس الأخيرة فطن صناع كرة القدم في أوروبا إلى كثرة المواهب الرياضية في إفريقيا، ما دفعهم للتفكير في كيفية الاستفادة من تلك المواهب لصالحهم، على المستويين الاقتصادي والقومي، بهدف تحقيق الأرباح والعوائد المالية الضخمة من وراء هذه المواهب، أو استقطاب العناصر الأكثر تميزًا من بينهم لتمثيل منتخبات أوروبا في المحافل الدولية، وكأنهم أشبه بالرقيق في العصور الحديثة.

وأمام كل هذه التجاوزات من جانب صناع كرة القدم في أوروبا، لم يحرك مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» ساكنًا لحماية تلك المواهب التي تُستنزف بشكل علني من قبل الدول الأوروبية، مستغلين حالة الفقر وقلة الموارد التي تعاني منها الدول الإفريقية، والتي كانت أوروبا سببًا رئيسيًا فيها من جراء الاستعمار لسنوات طويلة، والذي كلف تلك الدول خسارة مواردها الطبيعية سواء كانت ذهبا أو ماسا أو فحما  أو غيره من الثروات الطبيعية.

تحركات الدول الخمس الكبرى 

أصبحت قارة إفريقيا منجما لاكتشاف مواهب كرة القدم الفطرية، حيث باتت القارة مصدرا للاعبين إلى عشرات الأندية في أوروبا والعالم، والتي تستقطب كل عام ما يقرب من ‏3500‏ لاعب من بينهم ‏2000 لاعب يشاركون في مسابقات الهواة.

وتدفع أندية الدول الخمس الكبرى في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا سنويًا مليارين ونصف المليار دولار لشراء لاعبين أجانب‏، معظمهم من القارة السمراء.

الأامر تسبب في وجود مشاكل تواجه اللعبة في إفريقيا بسبب نزع مواهبها بإغراء الاحتراف الذي يتخلله عملية فرز للعناصر الأفضل وضمها للعب باسم منتخبات أوروبا، والبقية يتم استخدامها كسلعة تباع وتشترى بين الأندية لحصد مزيد من مليارات الدولارات بشكل سنوي، حتى تكتمل المنظومة الاقتصادية في كرة القدم‏.‏

الفقر أهم أسباب ظاهرة البيع 

المشكلة الحقيقية التي تواجهها الأندية الإفريقية صاحبة الفضل في ظهور هذه المواهب وتنميتها هي قلة العائد المادي للاعبين من صغار السن‏،‏ ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى غياب التشريعات والقوانين المحلية المنظمة لعمليات بيع هذه المواهب‏،‏ ويزيد من تفاقم المشكلة أن الأسر الإفريقية الفقيرة لا تتوانى عن بيع ابنها لسمسار أو وكيل لاعبين أو حتى لناد أجنبي مقابل ألفين أو ثلاثة آلاف يورو، أملا في تحقيق الوعود بتحويل الشبل إلى نجم كبير تنهال عليه الملايين من كل جانب‏.‏

تحركات محدودة في السنغال 

أمام ضعف المقابل المادي الذي كانت تحصل عليه الأندية السنغالية من بيع المواهب الصغيرة على سبيل المثال، قامت وزارة الشباب والرياضة بالسنغال بإعداد إطار قانوني قادر على حل مشكلة عملية تصدير المواهب السنغالية الشابة إلى البطولات الأوروبية بحفنة من الدولارات ليحقق من ورائها الوسيط أو النادي ملايين الدولارات.

في مقدمة هذه الأندية السنغالية «جان دارك» و«دياراف» اللذان يعانيان من عجز في موازنتيهما برغم أن كلا منهما يبيع منذ‏ مايزيد عن 15 عاما وبصفة سنويًا ما بين ‏6‏ و‏7‏ لاعبين إلى أندية أوروبية‏.، وهو ما ترتب عليه أن حددت القوانين قبل عدة سنوات مبلغا لا يزيد على ‏30‏ ألف يورو على سبيل التعويض للاعب السنغالي الموهوب الذي يقل عمره عن‏ 23‏ عاما، وهو مبلغ رغم قلته إلا أنه يثير لعاب بعض الأندية السنغالية الفقيرة التي تتراوح ميزانياتها السنوية ما بين ‏40‏ و‏80‏ ألف يورو‏.‏

 

حيلة جديدة من الأندية الأوروبية 

لجأت العديد من الأندية الأوروبية لحيلة جديدة من أجل تجنب التفاوض المباشر مع الأندية الإفريقية، مفضلة الوسطاء حتى لا تطالب في المستقبل بتعويضات كبيرة حال تألق الشاب الإفريقي في صفوفها وتحوله إلى نجم من عيار «إيتو» و«دروجبا» و«إيسيان»، ومن بعدهم العديد من النجوم أمثال ساديو ماني وإسماعيلا سار ومحمد صلاح ومحمد النني وغيرهم من المحترفين الأفارقة الذين تألقوا بشكل ملفت للنظر في أوروبا .

على سبيل المثال، تعاقد نادي «ميتز» الفرنسي مع الوسيط السنغالي «مهدي توري»، فيما تعاقد نادي «سيدان» الفرنسي مع الإيفواري «ستيفان كوربيس‏»، وقامت الأندية الإنجليزية بتقليد الأندية الفرنسية فتعاقد نادي «مانشيستر يونايتد» مع وكيل اللاعب «توم فيرنون» الذي يمتلك مدرسة لتنمية مواهب اللاعبين المتميزين في غانا تحت شعار‏ «رايت تو دريم»‏ أو من حققك أن تحلم‏.‏

 

مكاسب هائلة لتجارة المواهب

شجعت المكاسب الهائلة التي يحققها من يعملون في مجال اكتشاف المواهب الأفريقية او ما يسميها البعص بـ«تجارة المواهب الكروية»، دفع بعض اللاعبين الدوليين القدامي لفتح مدارس لاكتشاف المواهب وتنميتها في بعض الدول الإفريقية‏، حيث‏ قام اللاعب الفرنسي الدولي السابق «جون ـ مارك جيو» بفتح 5 مراكز لاكتشاف المواهب الإفريقية في مصر ومدغشقر ومالي والجزائر وغانا‏.‏

وكشف «جون ـ مارك جيو» عن أن تكلفة مركز التدريب في دولة إفريقية لا يزيد على ‏5‏ ملايين يورو في فترة تمتد خلال‏ 10‏ سنوات يتم خلالها استعادة المبلغ وتحقيق أرباح معقولة وربما فلكية في حالة «النجم السوبر»، في الوقت الذي يتكلف فيه المركز في فرنسا‏ 4‏ ملايين يورو في العام الواحد، أي‏ 40‏ مليون يورو في 10 أعوام‏.‏

أدى نجاح العديد من اللاعبين الأفارقة في البطولات الأوروبية خاصة دروجبا الذي كان أحد أعمدة نادي «تشيلسي» الإنجليزي الرئيسية وإيتو في «برشلونة» الأسباني ومن قبلهم النجم الليبيري جورج وايا في باريس سان جيرمان وإيه سى ميلان، إلى تشجيع المهارات الإفريقية على الهجرة في أعمار مبكرة لا تزيد على 18‏ عاما خاصة وأن القوانين الإفريقية لا تزال عاجزة عن حماية حقوق الأندية التي ترعرع فيها اللاعب المتميز الذي أصبح عملة نادرة الآن في العالم، بعد أن أصبحت الكرة قوة وصحة والتزام وعلم ودراسة إلى جانب المهارة الفطرية.

‏من هؤلاء اللاعبين الذين ساروا على هذا النهج، الغاني «مايكل إيسيان» الذى انتقل وهو ابن‏ 18‏ ربيعا من نادي «ليبرتي أكرا» الغاني إلى نادي «باستيا» الفرنسي بدون مقابل، ليبيعه «باستيا» بعد ثلاث سنوات إلى نادي «ليون» الفرنسي بنحو‏ 11‏ مليونا و‏750‏ ألف يورو، قبل أن يبيعه الأخير إلى تشيلسي الإنجليزي في عام ‏2005‏ مقابل ‏38‏ مليون يورو، كأغلى لاعب إفريقي حينها، دون أن يحصل نادي «ليبرتي أكرا» الغاني على أي دولار.

 

كشافون تحت ستار المعونة الرياضية 

لجأت بعض الدول الأوروبية الكبرى لحيلة أخرى قد تبدو شرعية للغاية في ظاهرها، لكن باطنها هو التحايل على القوانين، فى ظل ظهور بعض ملاحقات الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» لحفظ حقوق الأندية الإفريقية، مع بداية القرن الحادى والعشرين خصصت بعض الدول الأوروبية مدربين على مستوى عال لقيادة منتخبات الشباب والناشئين في دول إفريقيا على سبيل الدعم.

وتتحمل تلك الدول تكاليف رواتب وإقامة هؤلاء المدربين الذين يقومون بمهام التدريب وقيادة منتخبات الناشئين والشباب في البطولات الإفريقية، لكنهم في حقيقة الأمر يقومون بمهمة الكشافين لاختيار العناصر الأفضل وترشيحها للعب في بعض الأندية الأوروبية وتنتهي مهمة هؤلاء المدربين مع نهاية البطولات الإفريقية بترشيح العناصر المميزة من كل منتخب، يتم تسفيرهم بشكل غير شرعى للالتحاق بالأندية الأوروبية دون دفع أي تكاليف لأنديتهم الأساسية.

وتكرر هذا الأمر في مصر مع العديد من اللاعبين الشباب الذين تركوا أنديتهم وهربوا على أوروبا بترتيبات مسبقة مع بعض مسؤولي أندية أوروبية وخاصة في بلجيكا وتركيا وهولندا التي تهتم بصناعة المواهب وبيعها للأندية الكبرى بغرض تحقيق أرباح مالية.