«الدستور» تبحث عن الأسباب الكاملة لتراجع أسعار الذهب
- اقتصاديون: الحزمة التمويلية أعادت التوازن.. والإجراءات العالمية ستؤدى للانخفاض
بعد موجة جنونية من الارتفاع فى الأسعار والوصول لمستويات قياسية، شهدت أسعار الذهب، خلال الأسبوع الماضى، انخفاضًا كبيرًا، بعدما سجل جرام الذهب من عيار ٢١، الأكثر تداولًا فى مصر، نحو ١٧٣٠ جنيهًا، أمس، ولحظة كتابة هذه السطور، مقارنة بـ١٩٠٠ جنيه يوم الخميس قبل الماضى، بتراجع بلغ ١٧٠ جنيهًا فى أقل من أسبوع.
ولفهم ظاهرة ارتفاع أسعار الذهب، رغم تراجعها عالميًا، تواصلت «الدستور» مع عدد من خبراء الاقتصاد، لشرح الأسباب التى أدت لتلك الارتفاعات غير المبررة، والعوامل التى أدت لهذا التراجع الكبير فى أسعار المعدن النفيس فى الأيام الأخيرة، وارتباط ذلك بأزمة الدولار، التى هيمنت على المشهد الاقتصادى المصرى خلال الأشهر الماضية.
صابر شاكر: كبح السوق السوداء للدولار أوقف عمليات التلاعب
أرجع الدكتور صابر شاكر، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة الخارجية بجامعة حلوان، الارتفاعات الجنونية لأسعار الذهب فى مصر إلى مشكلة عدم توافر الدولار، موضحًا أن ذلك هو ما صنع الأزمة التى تلقى بتبعاتها على الاقتصاد المصرى مؤخرًا.
وقال: «الارتفاع فى أسعار الذهب كان بسبب عدم توافر الدولار، ما أدى إلى تراجع الاستيراد بشكل عام ونقص المعروض، فضلًا عن تلاعب التجار بالأسعار، فى الوقت الذى كان فيه وضع الذهب مستقرًا على الصعيد العالمى، كما أن الارتفاع فى مستويات التضخم كان سببًا أيضًا فى ارتفاع سعر الذهب نتيجة العلاقة الطردية بين الاثنين». وأضاف: «سعر الذهب فى مصر مرتبط بسعر الدولار، الذى شهد ارتفاعًا كبيرًا فى الفترة الماضية، قبل موافقة صندوق النقد الدولى على حزم تمويل مصر، لأن التجار يحسبون الأسعار طبقًا لسعر الدولار بالسوق السوداء».
وأوضح أن ذلك المشهد استدعى تدخل الحكومة لمراقبة ما يحدث فى سوق الذهب، حتى لا يستغل المغرضون الأزمة لتشويه الاقتصاد المصرى، مؤكدًا أن الحكومة نجحت أخيرًا فى كبح جماح الارتفاع فى سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، وسيطرت على أزمته، ما شكل عاملًا قويًا فى تحديد أسعار الذهب، على مدار اليومين الماضيين.
وأكد «شاكر» أهمية ممارسة كل مواطن دوره فى إيقاف تلك الارتفاعات غير المبررة فى الأسعار، وذلك عبر زيادة الوعى وعدم الانجراف وراء الشائعات التى من شأنها أن تخلق أسبابًا غير سليمة تضر بالأسواق عمومًا، وبسوق الذهب خصوصًا، وتقود نحو تحقيق مكاسب هائلة لصالح فئات بعينها.
سمر الباجورى: سياسات الحكومة والبنك المركزى سيطرت على حالة الانفلات
توقعت سمر الباجورى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن تشهد الفترة المقبلة انخفاضًا فى أسعار الذهب بعد تدخل الحكومة والبنك المركزى المصرى لفرض الهيمنة على السوق السوداء، وتحقيق التوازن النسبى فى سعر صرف الدولار.
وأوضحت أن الفترة الحالية تشهد جهودًا مستمرة لخلق حالة من الهدوء فى سوق الذهب، ومن المرجح أن تستمر تلك الجهود خلال الفترة المقبلة فى ظل ما شهدته السوق من حالة ارتباك وعدم وضوح وسيطرة الاستغلال لتحقيق مكاسب تصب فى صالح فئات معينة.
وقالت: «شهدت أسعار الذهب مؤخرًا ارتفاعات كبيرة، وصلت إلى تسجيل ١٩٠٠ جنيه لصالح عيار ٢١ الأكثر تداولًا فى مصر، وسجلت أسعار المعدن النفيس تغيرات مستمرة على مدار الساعة، الأمر الذى تسبب فى حدوث شلل فى السوق، مع اتجاه بعض الشركات لوقف إعلان التسعير».
وأضافت: «هناك مضاربات غير مقبولة أدت إلى هذا الارتفاع غير المبرر فى الأسعار رغم تأرجح الأسعار العالمية، وهو ما يعنى أن هناك مضاربين كبارًا يجب تحجيم دورهم فى تحديد سعر الذهب»، لافتة إلى أن العوامل الرئيسية المتحكمة فى أسعار الذهب عالميًا تختلف عن مثيلتها فى مصر.
وتابعت: «فى مصر يتحكم سعر الدولار بالسوق السوداء فى تحديد أسعار الذهب، وهذا أمر خطير فى ظل وجود جهات معينة تريد تدمير الاقتصاد المصرى، ويتطلب أن تتخذ الدولة إجراءات رادعة لمواجهة السوق السوداء، لأن لذلك نتائج سلبية على الاقتصاد».
محمود داود: المصريون يميلون للادخار فى العقارات
قال محمود داود، باحث متخصص فى ملف الاستثمار، إنه رغم الارتفاعات التى تشهدها سوق الذهب فى مصر خلال الفترة الحالية، لا يزال المصريون يميلون إلى الادخار فى العقارات.
وأشار «داود» إلى أن التضخم الذى ضرب العالم خلال السنوات الأخيرة، بسبب أزمة كورونا وتداعياتها والحرب الروسية الأوكرانية، كان دافعًا للكثيرين للاحتفاظ بالملاذات الآمنة للادخار، والتى من بينها الذهب.
وتابع: «هناك موروث تاريخى لدى المصريين بادخار الذهب، بما يمنعهم من التفريط فيه خوفًا من فقد العملة قيمتها تدريجيًا، بسبب التداعيات الاقتصادية»، مؤكدًا أن هناك عددًا آخر من الملاذات الآمنة للادخار، والتى ستجعل الاقتصاد غير متأثر بغياب الذهب أو الدولار، ومن بينها العقارات.
ورأى أنه فى ظل أزمات التضخم التى يشهدها العالم، يُفضل عدم الاحتفاظ بالكاش، لأن العقار يمكن شراؤه وتسديد ثمنه على فترات، أما بالنسبة إلى الذهب فعند شرائه يتم دفع ثمنه «كاش»، وهذا يمنح الذهب ميزة إضافية وهى إمكانية تسييله إلى أموال فى أى وقت من الأوقات.
وأردف: «يبقى العقار الوعاء الآمن لحفظ المال، وورقة اللعب الرابحة لمضاعفة المال فى آن واحد، إن تم استثماره بطريقة صحيحة، وبعملية شراء واحدة يمكن جمع الفكرتين، تدّخر مالك فى شراء عقار اليوم، وتضاعف ما ادخرته من خلاله غدًا»، مضيفًا: «المصريون لديهم موروث ثقافى بامتلاك العقارات، وهذا السبب الأساسى الذى جعل العقار على مدار السنوات السابقة ملاذًا آمنًا للادخار والاستثمار».
محمود التونى: رفع معدلات الفائدة سيقلل الاتجاه لشراء المعدن الأصفر
أشار الدكتور محمود التونى، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة الخارجية جامعة حلوان، إلى أن الذهب عانى عالميًا من موجة تقلبات فى الأسعار غير مسبوقة خلال ٢٠٢٢، مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، بسبب البيئة الاقتصادية المتغيرة وعدم اليقين الكلى العالمى.
وأضاف أن التقلب فى أسعار الذهب فى الأسواق المصرية، نقطة تحول لدى الكثير من المصريين المهتمين بالاستثمار فى شراء الذهب واقتنائه، بسبب الإقبال الكبير على عمليات الشراء، إضافة لعدم استيراد الذهب من الخارج فى الوقت الحالى.
وتابع أنه على الرغم من التضخم الذى يجتاح مختلف الاقتصادات حول العالم، والذى أثر على الاقتصادات الرئيسية، بما فى ذلك الأمريكية والأوروبية، وعلى الرغم من عدم الاستقرار الجيوسياسى والحرب فى أوكرانيا، والمخاوف من توسع روسيا لتضم دولًا أخرى أو تحولها لحرب باردة اقتصادية بين الشرق والغرب؛ انخفض الذهب بنسبة تفوق ٦٪ خلال الأشهر الستة الأخيرة التى شهدت تلك التقلبات السياسية والاقتصادية.
وقال: «من المتوقع أن تزداد معاناة الذهب خلال الفترة المقبلة بفعل استمرار البنوك المركزية فى رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم، خاصة وسط توقعات رفع المركزى الأوروبى سعر الفائدة ٠.٥٪، ووسط توقعات بالمزيد من الرفع بما سيقلل من جاذبية المعدن النفيس، كمخزن للقيمة فى مواجهة اليورو، بعد تراجعه فى مواجهة الدولار بالفعل». وأردف أنه من المتوقع أن يواجه الذهب أسابيع عصيبة خلال الأشهر المقبلة، على الرغم من التقارير التى تشير إلى لجوء بعض الدول النامية إلى شرائه واستخدامه فى احتياطاتها فى ظل تراجع سعره، إلا أن هذا لم يؤثر على الصورة العامة التى تشهد تراجعًا سعريًا، كما أن الذهب ليس بالأصل الاستثمارى المفيد فى الوقت الحالى، ولا يعد ضمن أفضل الاستثمارات فى الفترة المقبلة، فى ظل استمرار رفع معدلات الفائدة الأمريكية.