رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حملات ضرورية لوقف الانفجار السكانى

لم يعد مجديًا أن تترك قضية الانفجار السكانى للأهواء الشخصية أو للجهل أو التجاهل أو للأعراف القديمة والمفاهيم البالية التى لم تعد تناسب روح العصر الحديث، والتى لا تتناسب مع ما نطمح إليه من تقدم وتنمية وبناء دولة حديثة، ولا هى تواكب ما يتم من مشروعات قومية كبرى تتناقض مع المفاهيم القديمة التى عفا عليها الزمن، وتتناقض أيضًا مع ما نأمله من توفير حياة كريمة لكل مواطن مع اقتراب إعلان الجمهورية الجديدة.

إن إعلان الجمهورية الجديدة يفتح أمامنا أبواب الأمل فى الارتقاء بنوعية الحياة.. ويحتم على كل وطنى ووطنية أو محب لتقدم الوطن، وكل مبدع أو كاتب أو مثقف أو مفكر أو إعلامى، الدعوة لتغيير طرق التفكير القديمة والمفاهيم المتخلفة، وذلك اتساقًا مع بناء مصر الحديثة التى نتمنى تأسيسها، وتنفيذ مشروعات قومية كبرى، وتحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية، والدخول فى عالم الرقمنة وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، والتوسع فى البناء وإقامة مدن حديثة، والقضاء على الفقر وإيجاد فرص أفضل فى العمل والارتقاء بالتعليم، والقضاء على البطالة والعشوائيات، وغيرها.

إن المفاهيم القديمة التى لا تزال تسيطر على كثير من العقليات فى القرى والنجوع والمدن، أيضًا، وهى السبب الأول فى المشكلة السكانية التى تتزايد ولا تقل؛ رغم تقليل نسب الأمية، فهناك مفاهيم ينبغى تغييرها أولًا وقبل طرح أى حلول أخرى للمشكلة السكانية؛ لأنها تشكل خطورة على أى مشروعات تنموية تقوم بها الدولة أو يقوم بها القطاع الخاص، بحيث إنها ستصل لمرحلة أنها لن تكفى الخدمات المقدمة هذا التزايد المستمر فى أعداد السكان أو لتوفير حياة كريمة لأى مواطن فى الدولة؛ لأنها ستلتهم أى مشروعات لإنتاج الغذاء أو الإسكان وستتفاقم البطالة، ولن تكفى المدارس التلاميذ، وستصل إلى الحد الذى يعرف بالندرة المائية.

وهناك الكثير من الجهود التى تبذلها الدولة من أجل التصدى للزيادة السكانية فى السنوات الأخيرة، من خلال الاستراتيجية القومية للسكان التى تحاول ضبط النمو السكانى فى ظل معدلات ارتفاع متزايد لعدد المواليد، إلا أنه من الضرورى أن تستمر جهود تنظيم الأسرة وتوفير وسائل تنظيم الأسرة.. فلقد أصبح تنظيم النسل ضرورة حياة كريمة للمواطن وضرورة لحصوله على الخدمات الأساسية ونصيبه من الموارد الطبيعية.

فضلًا عن إيجاد التوازن المطلوب بين معدلات النمو الاقتصادى ومعدل النمو السكانى، بما يحقق الارتقاء بنوعية الحياة للمواطنين، وقد بينت نتائج دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة أن مصر تعد واحدة من أسرع الدول فى النمو السكانى، ومن المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى نحو ١٢١ مليون نسمة فى ٢٠٣٠، وأن يرتفع العدد إلى ١٦٠ مليون نسمة بحلول عام ٢٠٥٠، فقد وصل عدد السكان حسب الساعة السكانية، مؤخرًا، فى شهر أغسطس لأكثر من ١٠٣ ملايين و٧٥٠ ألف نسمة.

وفى تقديرى إن لدينا فرصة ذهبية الآن لابتكار وتقديم حلول أكثر إيجابية وفعالية مما سبق.. حيث إن لدينا إرادة سياسية داعمة للتصدى للانفجار السكانى، حيث وجه الرئيس السيسى إلى خطورة المشكلة السكانية، وتتبنى الدولة حاليًا إقامة ٤٥ مدينة جديدة فى مخطط لمواجهة الزيادة السكانية باعتبارها من أخطر التحديات التى تواجه مصر، خاصة أن المصريين يتمركزون على رقعة تمثل ٦ فى المائة من المساحة الكلية لمصر، وذلك فى إطار رؤية متكاملة تراعى تحقيق جميع الأهداف لتحقيق التنمية المستدامة وجعلها حقيقية وتوفير الخدمات، وصولًا إلى وصول الرقعة المعمورة إلى ١٤ فى المائة.

وفى تقديرى أن تنظيم عدد المواليد فى الأسرة قد أصبح قضية لا بد أن تكون لها الأولوية لدى الدولة، وبالتعاون مع المجتمع المدنى والقطاع الخاص، بحيث تصبح الجهود كلها متوافقة على تحقيق هدف تحديد النسل للأسرة ووقف الزيادة المتسارعة فى عدد المواليد، ومن هنا فإن محاربة المفاهيم البالية قد أصبحت أيضًا أولوية من الضرورى أن يتكاتف من أجلها الإعلام والمفكرون والكتاب مع الدولة والمجتمع المدنى، من خلال شن حملات توعية هدفها الاكتفاء بطفل أو اثنين لضمان توفير الخدمات والحياة الكريمة للمواطنين والعمل الحثيث على تغيير مفاهيم عقيمة تسيطر على تفكير البسطاء والأميين، من بينها مثلًا: أن كثرة العيال تجلب الرزق.. وأن كل طفل يأتى برزقه، وسيطرة مفاهيم لدى النساء الأميات بأن الإنجاب يضمن ربط الأزواج بهن، ومن الضرورى أيضًا أن تسهم وزارة الأوقاف فى محاربة الزيادة السكانية ببث مفاهيم جديدة من خلال المساجد وخطب الأئمة فى خطب الجمعة.

إن تطوير المفاهيم البالية فى المجتمع هو مهمة صعبة لكنها ضرورة، فى ظل انفجار سكانى يهدد بابتلاع أى مشروعات اقتصادية أو تنموية أو خدمات، وهو ضرورة لتوفير حياة كريمة لكل مواطن ومواطنة فى الجمهورية الجديدة، إنها مسئولية أيضًا فى المقام الأول على الأمهات والآباء فى بلدنا أن ينجبوا طفلًا أو طفلين ليوفروا لهما تربية وتعليمًا وغذاء مناسبًا وحياة كريمة؛ بدلًا من إنجاب عدد كبير من الأبناء لا قدرة للآباء والأمهات على توفير حياة كريمة لهم، إنها دعوة لأن يتولى كل من الأم والأب مسئولية تنظيم نسلهما.. أما الدولة ففى تقديرى فإن عليها أن توفر خدمات تنظيم الأسرة فى كل مدن وقرى مصر حتى يتسنى للأهالى تنظيم عدد الأبناء.