شيرين أبو النجا عن رواية «أقفاص فارغة»: ضربة المعلم التي تضربها فاطمة قنديل
فازت رواية «أقفاص فارغة» للدكتورة الأديبة فاطمة قنديل بجائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2022 عن دار نشر الجامعة الأمريكية.
وجاءت كلمة الكاتبة والناقدة الأكاديمية دكتور شيرين أبو النجا في “أقفاص فارغة”، فيما يلي: ”ما لم تكتبه فاطمة قنديل، تحيل الكاتبة، منذ بداية البداية، منذ العنوان، وعلى مدار العمل، إلى ما هو سيري ذاتي، لكتها تلقي عن كاهلها أحمال سيرتها الثقيلة وتنكأ جراحها الغائرة إلقاء ونكئا روائيين.
وبذلك تمحي في هذا العمل الحدود بين التخيل والسيرة الذاتية المجتمعية، بين الخطابي والتمثيلي، بين الحياة والتدوين والفن، ما يفضي إلى التشكك في الحدود المفترضة بين السيرة والرواية، ويعيد النظر، مجددًا وعلى نحو طازج، في تعريف كل منهما ثمة أشياء فعلية محددة (علبة شوكولاتة، أقفاص فارغة، بيوت وحوار) وبشر فعليين (فاطمة قنديل، عائلة، جيران، وطبقة وسطى تنهار في مكان وزمان محددين).
لكن ذلك كله لا يبقى مجرد مراجع فعلية ما إن تدخل فاطمة قنديل لعب علاماتها بدلالاتها ومدلولاتها (إذا ما استخدمنا في هذا السياق تعريف سوسور للعلامة اللغوية التي يشكلها اجتماع دالل ومدلول وإحالتهما إلى مرجع موجود في الواقع) في هذا، كما في تقطيع العمل، وتأمل الكتابة كلا من ذاتها وموقع السارد وصدقه، والعناية بمورة العمل حول موضوع محدد (مرض الأم وأوضاع النساء في مجتمع ذكوري بحقائقه المريعة)، وإطلاقه في زمان ومكان وعلاقات اجتماعية أكسن بناؤها أدبيا، تجترح فاطمة قنديل طريقتها في أن تقول ذاتها روائيا.
غير أننا ما إن نستقر على ذلك ونطمئن له، حتى تعاود بلبلتنا، ما إذا كنا أمام رواية، أم مذكرات، أم سيرة روائية. فالساردة في أقفاص فارغة تريد أن تحضر ذلك الحضور الكامل اليقظ الذي لا يفوت ضوء واحدا في جوفها إلا حدق فيه حتى يتلاشى، ويمسخ كل الذكريات إلى أصنام، ثم يكسرها، ثم يكنس التراب المتبقي منها، حتى لو كانت، هي نفسها، صنما من بين تلك الأصنام بهذا تكف الكتابة ويكف الفن -بعد أن اعتنيا بذاتهما كل تلك العناية- عن كونهما غاية ذاتهما، ويغدوان سبيلا للبرء والشفاء، لا سيما أنهما يستكشفان كل شيء بجرأة لا تتزعزع وصدق شرس لا يلين، كأنهما يكرسانا الحقيقة المتدفقة وحدها من دون خجل أو تردد ويمارسان التشريح بالكلمات تلك البلبلة بين اللغة العارية ولغة الفن هي ضربة المعلم التي تضربها فاطمة قنديل".