ماذا يفعل الأدباء حين لا يجدون أفكارًا ليكتبوها؟.. يحيى حقى يجيب
كشف الكاتب الصحفي إبراهيم عبدالعزيز لـ"الدستور" عن حوار لم ينشر مع الكاتب الكبير يحيى حقي.
وفي جزء من الحوار يقول يحيي حقي ردًا على سؤال ماذا يفعل الأدباء حين لا يجدون أفكارًا ليكتبوها:" هذا موضوع شغلني كثيرًا، وأقول إذا اعتبرنا أن الإبداع هو إلهام، فلا ننتظر أن يتحقق كل يوم، فماذا يفعلون؟، هل يجلسون ساكنين معقدي الأذرع والأيدي، هناك باب ممتع جدًا أحب الشباب أن يلجوه، وهو كتابة السيرة الدرامية لا التاريخية، فى حياتنا السياسية أو الأدبية شخصيات غير مخدومة من حيث التعريف بها، فيجب على الشاب أن يختار واحدًا منهم ويدرس حياته دراسة جيدة جدًا، ثم يحاول ألا تكون دراسته تاريخية محضة، بل تاريخية أدبية، فليست العبرة بتصوير الأحداث بل بتصوير الشخصيات وما جرى لها، والمآسي فى حياتها.
وتابع حقي: "وأضرب لهم مثلين فى ذهني الآن، لدينا محمد المويلحي صاحب كتاب "عيسي بن هشام " وهو من أهم الكتب، وطبعته الحديثة مسبوقة بمقدمة من أمتع ما يمكن لصديقه المرحوم الشاعر عبدالرحمن صدقي، وكل شاب يريد أن يكتب يجب أن يقرأ هذا الكتاب للمويلحي الذى كان أبوه من كبار رجال السياسة، وكان متصلًا بالسرايا، وله جرنال نشر فيه ابنه محمد، وفى كتاب عبدالعزيز البشري "فى المرآة" صورة جميلة جدًا للمويلحي، وأريد أن أشير هنا إلى ما يعين الشبان على كتابة موضوعاتهم، وهو مؤلفات أنور الجندي التى استخرجها من صحفنا القديمة التى تكاد تبلي فى دار الكتب، أخرج موضوعات تاريخية كثيرة جدًا، فإذا به يقدم للمويلحي حادثة غريبة جدًا اسمها "عام الكف"، كان المويلحي جالسًا فى أحد المقاهي، فإذا بأحد الشبان من حزب مضاد للحزب الذى ينتمي له المويلحي، يصفعه، فبدأت الصحف تتندر، وأنصاره يدافعون عنه، وخصومه يهاجمونه، وأصبح عام الكف هذا عامًا أدبيًا، فهذا موقف درامي فظيع جدًا يضاف إلى حياة المويلحي وانحداره حتى انتهى به الموقف إلى موظف صغير فى وزارة الأوقاف، كل هذا يصلح لإقامة دراسة نفسية لشخصيته، فلماذا لا يحاول الأدباء الشبان مثل هذه الكتابة التى لا تحتاج إلى إلهام، لتكوين نبضة فنية تسطع فى المخ لحظة إذا أراد إنه يشتغل؟.
ويكمل: وأضرب مثلًا آخر بالشيخ على يوسف الفلاح الذى أصبح صاحب جرنال "المؤيد" يقرأ فى جميع العالم الإسلامي، ودعا كبار القوم للاحتفال بقدوم مطبعة لجريدته، وكان حدثًا أدبيًا، واختلط بالخديو شوية وألف حزبًا، وفى وقت من الأوقات تزوج بنت السادات زعيم الأشراف، فإذا بخصومه يرفعون دعوة شرعية ويقولون هذا زواج باطل لأنه غير كفء، فهو فلاح من الصعيد ما له وبنات الأشراف، وأمكنهم التفريق بينهما، وذهبت البنت إلى بيوت أحد شيوخ الأزهر، أظن أنه فصل فى القضية، ثم فى أواخر أيامه اعتزل الشيخ على على يوسف السياسة والحياة الاجتماعية، وقال أنا مكتفٍ بأن أكون شيخ السجادة الوفائية إحدى الطرق الصوفية.
فانظر إلى النواحي الدرامية التى تحتاج إلى دراسة بطريقة أدبية فنية جمالية، فأنت فى المويلحى وعلى يوسف أمامك مادة جيدة جدًا لشاب يريد أن يجرب قلمه فى الكتابة الأدبية.
أما عن الكاتب الكبير يحيي حقي فتحل اليوم ذكرى رحيله، حيث ولد في 17 يناير 1905م وتوفى في 9 ديسمبر 1992، وهو كاتب وروائي مصري، ورائد من رواد القصة القصيرة، ولد في القاهرة لأسرة ذات جذور تركية. درس الحقوق وعمل بالمحاماة والسلك الدبلوماسي والعمل الصحفي. يعتبر علامة بارزة في تاريخ الأدب والسينما ويعد من كبار الأدباء المصريين في مجاله الأدبي، نشر أربع مجموعات من القصص القصيرة، ومن أشهر رواياته قنديل أم هاشم، وكتب العديد من المقالات والقصص القصيرة الأخرى.