«لا قيمة لقول إن هيكل كان يحتذي أوروبا في أول رواية».. تفاصيل ونشأة الأدب المصري كما يراه يحيى حقي
كشف الكاتب الصحفي إبراهيم عبد العزيز لـ"الدستور" عن حوار لم ينشر مع الكاتب الكبير يحيى حقي.
وفي جزء من الحوار يقول يحيي حقي ردًا على سؤال هل تأثرت القصة القصيرة بالغرب؟.. : "يقال إن "زينب" هي أول رواية كتبها د. محمد حسين هيكل وهو فى أوروبا، طبعا فيه ميل شديد إنه يقلد أو يحتذى فنا موجودا فى أوروبا، ولا قيمة لذلك، إنما الذي حدث إنه فى سنة 19 اشترك الشعب كله فى مظاهرات، مسلمين وأقباط، أغنياء وفقراء، الجميع قالوا نريد الاستقلال، نحن نريد أن نبحث عن الذاتية، فهذا هو الوجدان الذي نشأت منه مدرسة تسمى المدرسة الحديثة، لماذا لا يكون لنا أدب مصري وقصة مصرية؟، فالحقيقة الفن القصصي فى مصر لم ينشأ كعمل انفرادي تقليدي قام به هيكل، إنما قام من عمل نابع من الوجدان والمشاركة في الانتماء الذى تمثل فى أبناء المدرسة الحديثة، لذا تجد أغلب أعمالهم تعني برجل الشارع البسيط، ومن الملاحظات الغريبة جدا وأنت تقرأ أعمالهم تجدهم رغم ادعائهم أنهم يدافعون ويعطفون على رجل الشارع الكادح، تجد أنهم يشتمونه أشد الشتيمة ويهزؤون به أشد الهزء، ربما هذا تطبيق لمثل فرنسي يقول: من أحب جيدا عاتب كثيرا !.
ويكمل حقي عن نشأة الأدب في عصر يحيي حقي: “أبناء المدرسة الحديثة كما قلت لك كان لديهم شعور وجداني وانتماء ورغبة فى خدمة المجتمع كله، فكانوا أشبه بالفدائيين، فلم ينظر أحد منهم إنه يكسب من قلمه شيئا، فالهواية هي التى تضع المؤلف وجها لوجه مع الفن بدون تدخل أي تأثير آخر، أنشر أو لا أنشر، هيجيلي فلوس أو ما يجيش، سيهتم النقاد أم لا، ولذلك أقول للشاب الأديب: حينما تجلس ليلا أونهارا وتكتب قصة، وتشعر أنك أجدت وأنك عبرت تعبيرا فنيا أنت تنفرد به، وعثرت على الألفاظ الجميلة، والتعبيرات التى لا تجدها عند غيرك، هذا كل ما تستحق أن تناله وتشكر المولي، هذا الشعور باتصالك بالفن وأنك ولجت بابه وأشرق عليك.. هذه لذة روحية لا توازيها أي مكاسب مادية، فالوجود فى رحاب الفن هو جزاؤه ومطمحه الأول والأخير، طبعا أن يكسب بلا جدال، لكن هذا يأتي فيما بعد”.
ويواصل: “فالقصة نشأت فى مصر فى مهد صادق هو الانتماء والوجدان، ونشأت كهواية، لكن طبعا الهواية فيها فوايد وعيوب، الهواية أصدق ولكنها تجعل الشخص يميل إلى الكسل، غير مضطر أن يكتب كل يوم، لكن الاحتراف حينما يشعر الكاتب ويتأكد ويثبت لديه من بعض النقاد أنه ذو موهبة، يجعله يستمر فى هذا الخط وينمي موهبته بالموالاة. رأيت رسامًا فى أوروبا فى شتاء يناير يكاد يموت من الجوع ويقول أنا رسام، يسترزق من رسمه، ولو جاءته وظيفة أخري يفضل أن يجوع ولا يترك الرسم حتى يعترف به كفنان دون أن يلجأ لأى عمل آخر ، انبري لوجه الفن وأخلص له، ويمكن ما يحققش خمسة فى المية من أمله، لكن بفضلها مشعل الفن مضيئا للآخرين”.
أما عن الكاتب الكبير يحيي حقي فتحل اليوم ذكرى رحيله حيث ولد في 17 يناير 1905م وتوفى في 9 ديسمبر 1992، وهو كاتب وروائي مصري، ورائدًا من رواد القصة القصيرة، ولد في القاهرة لأسرة ذات جذور تركية. درس الحقوق وعمل بالمحاماة والسلك الدبلوماسي والعمل الصحفي. يعتبر علامة بارزة في تاريخ الأدب والسينما ويعد من كبار الأدباء المصريين. في مجاله الأدبي نشر أربع مجموعات من القصص القصيرة، ومن أشهر رواياته قنديل أم هاشم، وكتب العديد من المقالات والقصص القصيرة الأخرى.