رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لنفعل العدل ولا نتكلم عنه

الأصل كما قال بديع خيرى ونجيب الريحانى بالحرف الواحد، على لسان عباس فارس فى مسرحية "حسن ومرقص وكوهين" 1960، " نبتة وسخة يا حسن يا خويا". 
أول مرة أستخدم كلمة "وسخة"، ولكن أمانة الاقتباس تقتضى أن أنقل بالحرف الواحد ما قيل فى هذه المسرحية الرائعة مضمونًا وصياغة وتمثيلًا من أحب الناس إلى قلبى، عادل خيرى "عباس"، عدلى كاسب "حسن"، محمود لطفى "مرقص"، عباس فارس "كوهين".
فنانون كبار من عشاق تراث الريحانى يجتمعون فى عمل مثل كل أعمال بديع خيرى والريحانى، يشع بالأصالة والفكر الراقى والكوميديا السهلة الممتنعة لإحياء مسرح الريحانى وفاءً له وتكريمًا لموهبته الرائدة.
فى هذه المسرحية التى كانت فيلمًا سينمائيًا قبل ذلك، يشكو حسن من المستخدم عباس إلى زميله وصديقه كوهين، فيرد كوهين: "نبتة وسخة يا حسن يا خويا".
وهذا صحيح، إن الناس الذين ينتهجون التعصب والشتائم والبذاءات والتآمر والتشهير والتشويه واللعب على كل الحبال مقابل الثمن الملائم، هم كذلك أساسًا، ليس لأن الأفكار فى أدمغتهم تدعو إلى ذلك- مع أن هذا وارد جدًا لكنه ليس الأصل- فى اعتقادى هو ما قاله كوهين: "النبتة وسخة".
هذا معناه أن التعصب والشتائم والبذاءات والتآمر والتشهير والتشويه واللعب على كل الحبال وبيع كل شىء مقابل السعر المناسب، تعتمد أصلًا على "البذرة" فى جذور الشخص، فالبذرة أو كما قال كوهين "النبتة" الوسخة لا ننتظر منها إلا كل ما هو وسخ.
النبتة الفاسدة من الأصل لا نتوقع منها إلا الفساد، وهذا يفسر مظاهر الانحطاط البشرى فى السلوكيات عند بشر على النقيض من بعضهم البعض فى المعتقدات والأفكار والقناعات والأيديولوجيات.
أصلًا "النبتة" الوسخة فى الأساس لن يجذبها إلا الأفكار النبيلة العادلة المسالمة الراقية المتفتحة الحرة، وإذا اجتمع الاثنان، أى النبتة الوسخة الفاسدة مع أفكار وقناعات ومعتقدات وأيديولوجيات وسخة فاسدة، هنا تقع الحروب والقتل والمؤامرات والتضليل والكذب والقمع والتسلط والخسة.
النبتة النظيفة غير الفاسدة إذا وجدت نفسها وسط مناخ وسخ فاسد لم تقم باختياره ووجدت نفسها محشورة فيه بالعافية، فهى تقتلع نفسها بيدها وتهرب بعيدًا حتى لا تتسخ أو تفضل الذبول والموت عن أن تنتج نسلًا وسخًا فاسدًا.
*********
أنطونيو جرامشى 22 يناير 1891- 27 أبريل 1937.. الثقافة والفلسفة غايتهما التغيير 
فيلسوف من إيطاليا، أسس الحزب الشيوعى الإيطالى عام 1921، واعتقله موسولينى 29 يوليو 1883 أحد مؤسسى الفاشية الإيطالية والذى حكم إيطاليا من 1922- 1943.
تميز جرامشى بفكره الذى مزج بين الاشتراكية العلمية الماركسية اللينينية وبين مفهوم الثقافة وغاية الفلسفة، فهو لا يعترف بأفكار نظرية نؤمن بها فى عقولنا فقط، لا بد أن تتحول إلى عمل وتغيير، وإلا فهى عديمة الفائدة.
ويعتقد جرامشى أن ربط الفلسفة بالتغيير هو وظيفة المثقفين ورسالتهم، واشتهر بما أسماه "المثقف العضوى" وهو الذى يُسخر قناعاته الثقافية والفكرية لتحدى الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومواجهة مستمرة لتفنيد الخرافات والمسلمات والأعراف القابعة فى عقل الجماهير المساقة كقطيع كبير.
وعن غاية الفلسفة فإنها قضية ما زالت تثير الجدل، وهل بالضرورة الفلسفة هى خطوة أولى للنزول إلى الواقع، أم أنها متعة عقلية ولذة فكرية تضىء وتسأل وتتأمل؟، أنا شخصيًا أقول إن كل إنسان يحدد بنفسه حسب مزاجه واستعداده وشغفه، منْ يستمتع بالفلسفة وتأملاتها وتساؤلاتها وتمردها، فهذا شىء جميل.
ومنْ ينزل بها إلى الواقع للتغيير، فهذا شىء جميل أيضًا فى رأيى، وما يهمنى أن نحب الفلسفة ونتفلسف ونعتبرها ضرورة، ما يؤرقنى فى الحقيقة أن الفلسفة انعدمت أو كادت تنقرض، وأصبحت العلوم وتطبيقاتها والتكنولوجيا والصناعة وغيرها هى ما نهتم به، مع أن الفلسفة علم وفن.
نستخدم الفلسفة فى التغيير أو لا، ليس مهمًا، الأهم أن نتفلسف وأن تكون الفلسفة بكل مدارسها ومذاهبها وأسئلتها وتأملاتها شيئًا بديهيًا للتعلم والدراسة والتعمق، وأن ندرك أهميتها للعقل والتقدم وكذلك إبداع دروب جديدة للفلسفة.
بحيث ترجع فئة الفلاسفة للظهور وبقوة كمًا وكيفًا على مستوى العالم وأن ينالوا ما يستحقونه من تقدير وتكريم.
**************
أحب الرجل الذى يسأل الأسئلة المحظورة والمحرمة والممنوعة
طرح الأسئلة المحظورة المحرمة الممنوعة هو أكثر صفة تعجبنى فى الرجل وتجذبنى له، 
ولذلك فإننى لم أحب طوال حياتى إلا ثلاثة رجال فقط، واحد من المجر- بودابست- وكان 
يصغرنى بتسع سنوات، وكان هذا بعد رجوعى من لندن بعد حصولى على الماجستير وكان 
صديقًا لعاطف حتاتة أخى، وعاطف دعاه لقضاء الصيف فى القاهرة.
والثانى مصرى/ محافظة الدقهلية، كان يكبرنى بعام ترك الريف بعد الثانوية العامة وأقام فى القاهرة.
والثالث مصرى/ إيطاليا/ فينيسيا، يصغرنى بعام ترك مصر وهو فى سن السابعة عشر،ومازال هناك حتى الآن.
القاسم المشترك بينهم هو عدم القبول بالمسلمات والبديهيات والأجوبة المعلبة المتوارثة، الثلاثة رجال خارج كل الطوابير والصفوف والحشود، وأنا أعشق جدًا الرجل الذى يغنى أنشودته الخاصة المتمردة على أنغام وإيقاعات الجماعة والجوقة.
كل واحد فيهم "مايسترو" حياته، ولهذا أحببت كل واحد فيهم وما زلت أحتفظ لكل منهم بمكانة خاصة متميزة لا يغيرها أو يضعفها مرور الزمن، ربما كل واحد فيهم يدفع ثمنًا لأنه خارج التنميط والتصنيف والقولبة والتعليب، لكنهم سعداء بذلك ويدفعون الثمن بكل زهو وفهم وعدم شكوى أو تذمر.
ما أروع وما أجمل الرجل المتمرد بشكل جذرى، مش ربع ربع ولا نص نص، ولا بشكل فيه ترقيع وتناقض وعدم اتساق وخوف وإمساك العصا من المنتصف.
إن طرح الأسئلة المحظورة المحرمة الممنوعة هو أساس أى تقدم وتحضر وسعادة البشرية التى نفتخر بأنها قد اقتحمت مجالات كثيرة وحققت أشياء عظيمة على مسارها الممتد، فإنما حدث ذلك بسبب التمادى فى الأسئلة فى جميع الأوجه وعدم وضع سقف أو حدود للسؤال، وعد الرضا بالإجابات الموروثة الحاضرة. 
*********
نساء يُصدعن أدمغتنا عن العدالة بين الطبقات ولا يتزوجن هن وبناتهن إلا الأثرياء، كذب ووقاحة ونفاق وتضليل وتفسخ فى الشخصية.. عشن العدل ولا تتحدثن عنه يا ناس
يتكلمن طول الوقت فى الإعلام عن أن الفقر لا يعيب الإنسان بل يعيب المجتمع الطبقى، ويصفن أنفسهن بالمتمردات على العالم الطبقى الذى يفرق بين الناس على أساس الفلوس. وتجد كل واحدة منهن تزوجت ثريًا من أصحاب الملايين والعقارات والفيللات والمنتجعات والمصانع والشركات، وأول درس تُعلمه لبناتها وأولادها، لا تتزوجوا ولا تحبوا الفقراء المعدمين، أو متوسطى الفقر أو من طبقة وسطى عادية عليكم أن تنشنوا على المليونير والملياردير.
وتجد الواحدة منهن تطلع فى الإعلام متزوقة على سنجة عشرة وكل شىء فيها ملون ومزور ومزيف وعمليات التجميل بآلاف الدولارات باينة عليها وكل شهر شعرها بلون مختلف، وأظافرها بلون مختلف وشفايفها بلون مختلف وتلبس على الموضة كل ما هو فاخر، وعند جوزها شقة فى لندن وباريس وروما، وبناتها وأجواز بناتها عندهم منتجعات فى أفخم شواطئ مصر والعالم، وعندها وكيل أعمال، ومديرة أعمال، وخدم وحشم فى القصر الذى تسكنه، وعلبة مجوهراتها ومجوهرات العائلة تسدد ديون مصر كلها، ثم لا يعرفن معنى الاستحياء ولا يتوقفن عن الكلام ضد التفرقة بين البشر، وأن الفروق الطبقية الكبيرة بين الطبقات جريمة، ولازم تكون هناك توعية بضرورة الصراع الطبقى الذى يقود إلى العدالة. 
***********
لماذا لا أزوج وأطلق نفسى بنفسى؟ 
لا تتوقعوا تقدمًا له قيمة فى بلادنا دون أن تستطيع المرأة أن تعامل على أنها إنسانة متكاملة الأهلية، تزوج نفسها وتطلق نفسها، لا تفكروا فى أى نهضة حقيقية والمرأة مصيرها معلق ومرسوم حسب قرارات وأمزجة ورغبات ناس غيرها ولو أقرب الأقربين.
بعد سن الرشد ربما تستطيع المرأة أن تزوج نفسها بنفسها، هى وكيلة نفسها ولكن لا تستطيع أن تطلق نفسها بنفسها دون الرجوع إلى الزوج والمأذون والمحاكم، الرجل بكلمة شفوية غير موثقة "يرمى يمين الطلاق"، تبقى المرأة طالقًا فورًا بدون قيد أو شرط أو مساءلة أو محاسبة.
هى ليس عندها الحق نفسه فى أن ترمى "يمين الطلاق"، ويصبح هو طالقًا بدون قيد أو شرط أو مساءلة أو محاسبة، ويلقى به فى الشارع فى أنصاص الليالى بمفرده أو مع عياله، بالضبط زى ما نقبل أن يحدث هذا مع المرأة.
أليس هو كما نزعم الجنس الأعقل والأقوى والذكى والأكمل دينًا وعقلًا، يبقى ممكن يتحمل أكثر الطرد والتشرد ولا يتعرض للتحرش الجنسى والاغتصاب مثل المرأة، لا تتوقعوا خيرًا فى بلادنا، والنساء فى هذا الوضع رغم الكلام، ليل نهار، عن محاسن الأخلاق والعدالة والتعالى عن الشهوات الرخيصة المتنمرة على جسد وكرامة النساء.
------------------------------------------------------------------- 
عن عدم الإنجاب أو تحديده
حماقات البشر كثيرة وعديدة ومتكررة على مر العصور وفى كل مكان، كوكب الأرض كان يمكن أن يكون مكانًا رائعًا مسالمًا هادئًا نظيفًا مرفهًا عادلًا حرًا سعيدًا آمنًا، لكن حماقات البشر منعت دون ذلك، ومازالت تتكرر لتزيد الأمر سوءًا.
ومازالت لها تبريرات دينية وثقافية واجتماعية وقانونية، ترسخها وتمنحها رخصًا وامتيازات جديدة، وصل معدل المواليد فى مصر إلى 4 أطفال كل دقيقة. أهذا تصرف ناس عقلاء؟
كلما قابلت شخصًا، امرأة أو رجلًا، يشكو من العيشة واللى عايشينها وارتفاع الأسعار فى الغذاء والمساكن ومفيش شغل، ولو وجد عمل الراتب ضئيل ولا يكفى، طبعًا لا يكفى ولن يكفى طالما أن كل دقيقة يولد 4 أطفال، الفقراء يتعجلون الجواز والنكاح والنسل، ومضاعفة ذرية المسلمين، وهم لا يجدون قوت يومهم ويُخرجون إلى المجتمع جيشًا جرارًا من الفقراء والفقيرات، أو المتسولين أو المتشردين مشاريع إرهابيين، وأطفالًا يُحرمون من التعليم والصحة والرفاهية الكريمة.. ليه؟.. عشان إيه؟
لو الإنسان الفقير راض بفقره وحرمانه من الحدود الدنيا الكريمة اللائقة بالبشر، وقانع بالبؤس الذى يعيش فيه ومستنى الفرج هو حر فى نفسه، لكن لماذا يخلف أطفالًا ليس لهم أى ذنب، ويفرض عليهم المصير نفسه؟ كل ده عشان يضمن النكاح؟ أو عشان يقلد الآخرين ويبقوا فى الهم سوا؟ كثرة النسل جريمة ووباء عضال وحماقة كبرى وأنانية وأشياء أخرى كلها منفرة. كما أن الإنجاب فى عالم غير إنسانى مقاييسه مقلوبة، ومعاييره غير عادلة، ممتلئ بعيوب خلقية، وأمراض شيخوخة وأمراض التملك- لا بد أن يُعاقب ولا بد أن يتوقف إلى حين تنعدل أحواله.


من بستان قصائدى 
يكفينى فخرًا 
أنى ما بعت كرامتى 
فى المزادات 
ما انحنيت يومًا 
لتعلو القصائد والكلمات 
لا يستهوينى المديح والشُهرة 
لا تغرينى المناصب والشهوات 
يكفينى فخرًا 
أنى أنام كل مساء 
وباب شقتى غير موصد بالأقفال 
ما هرولت وراء رجل 
وحدتى دوائى 
وروحى خفيفة 
لا تحمل الأثقال.