فى ذكراه.. لهذه الأسباب كان آرثر رامبو يفتقد الشعور بالأمان المالى
آرثر رامبو، أشهر الشعراء والأدباء الفرنسيين، والذي ولد في مثل هذا اليوم من العام 1891. في بلدة شارل فيل بأقليم الأردين الفرنسي، ورحل إلي الشرق تحديدا إلي اليمن، حيث مارس تجارة البن.
ماتت شقيقته “روزالي” وهو صغير فخلفت في نفسه جرح لم يندمل حتي آخر أيامه. وعنها كتب في ديوانه “الإشراقات”: “إنها الميتة الصغيرة خلف شجيرات الورد”.
كان والد آرثر رامبو رقيبا في الجيش الفرنسي، خدم في فرقة المشاة بالجزائر، وكانت والدته متسلطة تحكم سطوتها عليه داخل المنزل، فلم يمارس حريته إلا بعدما هرب منها.
شكل كتاب “ساكنو الصحراء” مستقبل رامبو الأدبي، فمن خلال هذا الكتاب ستتولد لديه الرغبة في السفر والترحال.
ويذهب الكاتب المسرحي الأمريكي “آرثر ميللر”، إلي أنه: “لم يلق شاعر في العصر الحديث اهتماما وانتباها كما لقاه آرثر رامبو. بل إن كل الشعراء الفرنسيين المحدثين قد تأثروا بـ “رامبو” بطريقة أو أخري، بل يستطيع المرء القول إن الشعر الفرنسي الجديد يدين بكل شئ لرامبو. لكن لم يستطع أحد أن يتجاوزه في الجرأة والإبداع.”
ويضيف “ميللر” في كتابه “رامبو وزمن القتلة”: في اللغة الرمزية للروح، وصف رامبو كل ما يحدث الآن. وفي رأيي أن ليس ثمة تنافر بين رؤياه للعالم وللحياة الأبدية، وبين رؤي مجددي الدين العظام".
عاني آرثر رامبو أزمته الكبري عندما بلغ الثامنة عشرة، حينها بلغ حد الجنون، ومنذ ذلك الحين غدت حياته صحراء لا تنتهي ــ بحسب تعبير ميللر ــ وقد أعاد رامبو الأدب إلي الحياة. إن رامبو وهو المغامر كان مسكونا بفكرة ترجمها بفكرة الأمان المالي.
ويلفت “ميللر” إلي: في سن الــ 28 يكتب آرثر رامبو إلي أهله أن الأمر أكثر أهمية وإلحاحا لديه، هو أن يغدو مستقلا، في أي مكان كان. كانت لديه الجرأة علي المغامرة في أراض لم تطأها قدما رجل أبيض، لكن لم تكن لديه شجاعة مواجهة الحياة بدون دخل ثابت.
مع أنه كان يحاول جمع ثروة مريحة، يستطيع أن يسافر بسببها، ويطوف العالم متمتعا، مرتاحا، أو أن يستقر في مكان ما حين يجد البقعة المناسبة، إلا أنه ظل الشاعر الحالم، والإنسان غير المتكيف مع الحياة، الإنسان المؤمن بالمعجزات، الباحث عن الفردوس بشكل أو بآخر.
ويشدد “ميللر” علي أن آرثر رامبو، حينما حملوه من مدينة “هرر” اليمنية إلي الساحل، كانت أفكاره غالبا تدور حول الذهب. وحتى في مستشفي مارسيليا، حيث بترت ساقه، كان مصابا بخميرته، وإن لم يكن الأمر هو الذي يبقيه مستيقظا ليالي عديدة، فإن التفكير في ماله الذي يرتديه والذي عليه أن يخفيه حتي لا يسرقه أحد. كان يريد إيداعه في مصرف، لكن كيف يستطيع الذهاب إلي المصرف، وهو لا يستطيع المشي؟ إنه يكتب إلي بيته وأهله حتي يأتي أحد من أهله ويعتني بالكنز الثمين.
وعن إحساس آرثر رامبو بالخوف من فقدانه الأمان المالي يوضح “ميللر”: إنه الخوف الذي يعرفه كل فنان مبدع: إنه غير مرعوب فبه، ولا يفيد العالم بشئ.
كم تحدث رامبو في رسائله عن كونه غير صالح للعودة إلي فرنسا واستئناف حياة المواطن العادي. “لا تجارة لدي، ولا حرفة ولا أصدقاء هناك”. هكذا كان يقول آرثر رامبو. ومثلما يفعل كل الشعراء، كان يري العالم المتمدن غابة، لا يدري كيف يحمي نفسه فيها.