رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على أعتاب عالم متعدد الأقطاب

ما زالت الحرب الأوكرانية- الروسية مستمرة، وتزداد اشتعالا، مع ضم روسيا أربعة أقاليم فى شرق أوكرانيا (جمهوريتى لوجانسك ودونيتسك الشعبيتين وإقليمى زابوروجيا وخيرسون) فى 30 سبتمبر 2022، عقب إجراء استفتاء، كانت نتيجته تصويت المواطنين الذين يتمتع معظمهم بالجنسية الروسية وينطقون باللغة الروسية، لصالح الانفصال عن أوكرانيا مع رغبتهم فى الانضمام لروسيا.
وتشكل الأقاليم الأربعة فى شرق وجنوب أوكرانيا تواصلا وامتدادا طبيعيا بينها وبين شبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا عام 2014، وهذا معناه سيطرة روسيا على بحر أزوف والموارد المائية الضخمة فى خيرسون وأيضا على أهم المفاعلات النووية الأوكرانية عن طريق ضم زابوروجيا، ويعنى الضم أيضا ضم 15% من أراضى أوكرانيا و20% من سكان أوكرانيا أى 7 ملايين نسمة.
وأصبحت هذه الأقاليم الأربعة جزءاً لا يتجزأ من أراضى روسيا الاتحادية، كما قال الرئيس الروسى بوتين فى خطابه فى آخر شهر سبتمير 2022، وأوضح أن أى اعتداء عليها من جانب أوكرانيا أو دول الغرب يعنى الاعتداء على روسيا، ويتيح لها استخدام كل الأدوات للدفاع عنها بما فيها الأسلحة النووية التكتيكية، وذلك وفقا للعقيدة العسكرية الروسية التى تقضى باستخدام السلاح النووى فى حالة أى تهديد لوجود الدولة الروسية.
وردا على خطاب بوتين قال الرئيس الأمريكى جو بايدن "إن أمريكا لا تتهدد"، وأمر بإرسال مزيد من الأسلحة المتقدمة لأوكرانيا، بالإضافة إلى مساعدات مالية أكبر، كذلك صرحت الدول الأوروبية بمزيد من دعم أوكرانيا عسكريا. وهنا يبرز السؤال والتخوفات المشروعة من شعوب العالم: هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة تُعّمِق الأزمة الاقتصادية الحالية الطاحنة؟ وهل تتحمل البشرية حربا نووية تطول الجميع وتؤدى إلى مزيد من القتل والدمار؟.
بالرغم من احتدام الأزمات التى يمر بها العالم من أزمة الطاقة والغذاء والتضخم والغلاء نتيجة للحرب ونتيجة لفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية. وبالرغم من تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والمؤسسات الدولية من وقوع أزمة اقتصادية أكبر من التى حدثت فى جنوب شرق آسيا عام 1997، مع زيادة التضخم والركود، وضعف النمو العالمى، وزيادة معدلات الفقر ووقوع 345 مليونا من سكان العالم فى براثن الجوع.
بالرغم من كل ذلك تأبى الولايات المتحدة الأمريكية (الرأسمالية المتوحشة المعسكرة) التنازل عن بقائها كقطب واحد مهيمن ومسيطر على العالم لنهب ثروات الدول والشعوب مع استمرار العديد من حكام هذه الدول فى خضوعهم وتبعيتهم للجالس على عرش البيت الأبيض على حساب مصلحة شعوبهم وتنمية وتقدم ونهضة بلادهم وذلك لتطبيق السياسات النيو ليبرالية التى أدت إلى إفقار الدول وتكوين قلة لا تزيد على 10% تمتلك السلطة ورأس المال، وغالبية من الشعب يعانى من الفقر وتردى الخدمات وقلة الأجور وارتفاع الأسعار وتفشى الأمراض ونقص الغذاء ويواجه الفساد والقمع والاستبدد.
ويشتد الصراع الأمريكى مع بزوغ نجم دول أخرى تزاحم أمريكا ليصبح العالم مع العقد الثالث للقرن الواحد والعشرين متعدد الأقطاب وعلى رأس هذه الدول الصين التى تعتبر الثانى اقتصاديا على مستوى العالم بالنسبة للناتج العالمى الإجمالى (الأول مع حساب تعادل القوى الشرائية الفعلية للعملة فى أمريكا والصين) هذا بجانب التطور الضخم على المستوى العسكرى.
وأيضا تحتدم معاداة أمريكا لقطب آخر صاعد على المستوى الاستراتيجى العسكرى وهو روسيا التى دخلت الحرب ضد أوكرانيا دفاعاً عن أمنها القومى بعد التصعيد من جانب أمريكا ودول حلف الناتو الأوروبية، هذا بجانب صعود دول أخرى على المستوى التكنولوجى والاقتصادى كالهند واليابان.
ومن هنا يمكننا تفسير السعار العدائى الأمريكى ضد روسيا والصين، أولا بتأليب أوكرانيا وحلف الناتو ضد روسيا وتهديدها على المستوى الأمنى وإضعافها عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية التى ارتدت على أوروبا والعالم بأزمة طاحنة فى الطاقة، واستقبال أوروبا لشتاء قارس البرودة نتيجة لعدم توافر الغاز للتدفئة. وثانيا بالاستفزازات الأمريكية للصين بتشجيع تايوان الصينية على الانفصال عن الدولة الأم (الصين) وعقد صفقة أسلحة مع تايوان بالمخالفة لكل الأعراف والقوانين والشرعية الدولية.
إن العالم يسير نحو التغيير، وإن من مصلحة الشعوب أن يكون العالم متعدد الأقطاب، وأن يسوده السلام، وأن تقوم العلاقة بين الدول على أساس التعاون، من أجل المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة، بجانب احترام سيادة الدول، ومن مصلحة الشعوب أيضا تعاون الحكام، من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية، التى كانت من نتائجها فى الفترة الأخيرة الجفاف والتصحر والفيضانات الكبرى التى أغرقت الأراضى والسكان والعواصف والأعاصير وحرائق الغابات.
إننا نريد حل الأزمات والصراعات بطرق سلمية من أجل عالم يسوده الاستقرار الذى يساعد في التنمية والتقدم والنهوض بالدول.