رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تحتفل بـ٢٠٠ عام على إرساء علم المصريات

يحل هذا العام، وتحديدًا فى ٢٧ سبتمبر من كل عام، يوم فارق فى تاريخ مصر العريق؛ لأنه أكد للعالم أن مصر هى أصل الحضارة والعلوم والفنون، وأن المصريين القدماء قد سبقوا كل دول العالم فى معرفة أسرار علم الطب والهندسة والفلك والتجميل والموسيقى والغناء والرقص والآلات الموسيقية والرسم والنقش على الأحجار.

وبهذه المناسبة التاريخية المهمة، احتفلت مصر بمرور ٢٠٠ عام على اكتشاف علم المصريات، الذى كشف للعالم ولنا، أسرار الحضارة المصرية القديمة، التى أكدت للعالم أن مصر هى مهد الحضارة الإنسانية كلها، ولا تزال آثار مصر القديمة تبهر العالم، ولا يزال تاريخها يثير دهشة الكبار والصغار والعلماء والباحثين من مختلف الدول.

ومَن زار فرنسا، مثلى، أو ألمانيا سيجد أن هناك ما يسمى «الهوس بمصر الفرعونية»، ولا تزال كتب جديدة لعلماء المصريات تصدر وتلقى الرواج حول الحضارة الفرعونية القديمة، ومؤخرًا أعلنت هوليوود عن أنها ستنتج فيلمًا جديدًا ضخمًا إنتاجيًا لكشف أسرار جديدة عن الملكة المصرية «كليوباترا»، وقصة حياتها وهى الملكة الفرعونية التى أُطلق عليها «ملكة الملوك»؛ لما تميزت به من قوة وشجاعة وجمال، وتقلدت حكم مصر وحرصت على رفعة شأنها وحمايتها، ووقع فى حبها أشهر قادة العالم.

إن مصر وطوال تاريخها القديم والحديث دائمًا ما كانت تثير دهشة العالم، وما زالت تدهشه أيضًا فى العصر الحديث حتى يومنا هذا، فمنذ تاريخها القديم، وعلى مدى قرون طويلة، ظلت الرسومات والأشكال المختلفة الموجودة على جدران المعابد والمقابر المصرية نقوشًا مجهولة وغير مفهومة، لا ينجح أحد من العلماء والباحثين فى فك طلاسمها.

إلا أن هذا الأمر تغير بعد قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر فى ١٧٩٨، حيث اصطحب نابليون معه عددًا من من العلماء والباحثين الفرنسيين، وجاء فك رموز الرسومات والأشكال الموجودة على جدران المعابد والمقابر الفرعونية بداية لكشف جوانب مبهرة من أسرار الحضارة المصرية القديمة، وذلك من خلال النصوص التى كانت موجودة على حجر رشيد الذى تم اكتشافه فى ١٥ يوليو ١٧٩٩ فى مدينة رشيد.

وقام بفك رموز حجر رشيد العالم الفرنسى جان فرانسوا شامبليون فى عام ١٨٢٢، ما أدى إلى معرفة البشرية أصول العديد من العلوم الحديثة، وكان محتوى حجر رشيد عبارة عن نص تمجيد لفرعون مصر وإنجازاته، وكان الكتبة قد كتبوه ليقرؤه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة، وكان نص الحجر مكتوبًا بـ٣ كتابات هى اللغة الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، واستطاع شامبليون فك الرموز، مستعينًا بمعرفته باللغتين الديموطيقية واليونانية، ومن هنا استطاع العالم الفرنسى شامبليون فك رموز الكتابة الهيروغليفية، وأسهم هذا الإنجاز فى معرفة تاريخ مصر الفرعونية.

وقبل ذلك كان العديد من العلماء قد عكفوا على العمل فى مجال توثيق النقوش المصرية القديمة ودراستها، وذلك فى مختلف الحقب الزمنية ومن مختلف المناطق والثقافات، وكان أكثر ما أثار حيرة هؤلاء الباحثين حول العالم على مدى القرون هو الكتابة الهيروغليفية اللغزية غير المفهومة.

ومن القصص الطريفة التى يذكرها التاريخ ما توصل إليه المؤرخ اليونانى الشهير هيرودوت فى القرن الـ٥ قبل الميلاد، حيث اعتقد هيرودوت أن المصريين كانوا يكتبون باتجاه معاكس للاتجاه المعتمد فى الكتابة اليونانية، وأنهم كانوا يستخدمون خطين للكتابة، وهما الخط المقدس والخط الديموطيقى، إلا أنه بعكس ما اعتقده هيرودوت فإن المصريين كتبوا باتجاهات مختلفة، كما استخدموا أكثر من خطين فى كتاباتهم، وبذل العلماء اليونانيون والرومانيون جهدًا لافتًا للنظر؛ فى محاولة لتفسير اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، وتم توثيق كل مساعيهم، ورغم ذلك ما لم يدركه العلماء حينذاك هو أن الرموز الهيروغليفية هى بمثابة أحرف أبجدية وليست مفهومًا رمزيًا فرديًا، كما اعتقدوا هم وغيرهم بالخطأ، كما ترجم بعض العلماء المصريين بعضًا من الرموز مثل أيوب بن مسلمة، الذى عاش فى القرن التاسع الميلادى وامتلك خبرة واسعة واستطاع فك عدد من النصوص القديمة فى الأهرامات، وأيضًا كانت هناك محاولات لعلماء عرب آخرين، إلا أنها لم تصل لفك الرموز، وهكذا استمرت الكتابة المصرية تدهش العلماء دون فك رموزها، وكان شامبليون قد استخدم الطباعة الحجرية عند طباعة معجمه وكتابه حول قواعد اللغة المصرية القديمة، وأسهم إنجازه فى فك رموز اللغة الهيروغليفية المصرية فى ١٨٢٢ فى إرساء علم المصريات الحديث، الذى مهّد لاكتشاف آثار مصر القديمة، وتأكد للعالم من خلال هذا الكشف التاريخى سبق مصر فى العديد من العلوم مثل الطب والهندسة وعلم الفلك، وفن الموسيقى والرسم والتجميل وغيرها الكثير. 

وبهذه المناسبة التاريخية المهمة احتفلت وزارة السياحة والآثار المصرية فى نفس هذا اليوم الثلاثاء ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٢ بإقامة احتفالية متميزة بالمتحف المصرى حضرها وزير السياحة والآثار د. أحمد عيسى الذى ألقى كلمة أكد فيها أن مصر حريصة على حماية آثارها، وأن الآثار المصرية هى التى تميزنا عن سائر دول العالم، وحضر الاحتفال حوالى ٧٠ سفيرًا أجنبيًا وعربيًا لدى مصر ورجال القطاع السياحى الخاص ورؤساء معاهد الآثار الأجنبية فى مصر والممثل المقيم للأمم المتحدة فى مصر، وبثت هيئة تنشيط السياحة فيلمًا يوضح أن المصرى القديم هو أساس وأصل كل العلوم والفنون الحديثة.