«هنا لندن».. الأسباب الحقيقية وراء إغلاق «بي بي سي عربي»
ربما يُحضر الكثيرين واحدًا من أقوى مشاهد الفنان الراحل سعيد صالح الكوميدية في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين، و هو يقول "ستنضم الإذاعة المحلية لإذاعة البي بي سي"، ليترحموا على كل من الفنان الراحل التي استدعت عدة أحداث ذكراه حاليًا، في الوقت الذي أعلن فيه أيضًا إغلاق إذاعة البي بي سي العربية، وكأنهما الاثنين قد أعلنا الهزيمة تحققًا لما قاله الفنان الراحل "مرسي ابن المعلّم الزناتي اتهزم يا رجّالة" في ذات المسرحية.
"هنا لندن" تلك العبارة التي اشتهرت بها الإذاعة العريقة لم يعد لها تواجد بعد الآن، وستصمت معها "ميكروفونات" ظلت تبثها عبر محيطات للعديد من دول العالم لمدة 84 عامًا، وذلك بعد أن أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية عن إغلاق الإذاعة العربية ضمن خدمتها العالمية، وذلك في إطار خطّة لإعادة الهيكلة والتوجّه إلى المنصات الرقمية، وهذا بعد.
وكان لهذا الخبر وقعًا محزنًا على مستمعي الإذاعة العرب، وكذا على العاملين الذين فقدوا وظائفهم بعد أن تم إغلاق حوالي 382 وظيفة في هذا الصرح الإذاعي العريق.
ولكن هل كان قرار إغلاق "بي بي سي عربية" مفاجئًا أم كان له مقدمات وتلميحات؟
- تصريحات وزيرة الثقافة كانت البداية
بالكشف عن تصريحات الحكومة البريطانية الحالية تبين أن هناك اضطرابات عدة بشأن شركة البي بي سي بشكل عام وليس الإذاعة فقط، إذ أنه وفي أوائل العام الحالي بشهر يناير قالت وزيرة الثقافة البريطانية نادين دوريس، أن الإعلان المقبل بخصوص رسوم "بي بي سي" لامتلاك جهاز تلفزيون، سيكون الأخير- وإنه حان الوقت للبحث في طرق جديدة لتمويل وتسويق "المحتوى الثقافي البريطاني العظيم".
وجاءت تصريحاتها في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إلى أنه من المتوقع أن تقوم الحكومة بتجميد الرسوم السنوية البالغة 159 جنيه إسترليني لمدة عامين، وحينها لم تؤكد الحكومة كما امتنعت بي بي سي عن التعليق.
ومن المعروف أن رسوم الترخيص مكفول حتى 31 ديسمبر 2027 من قبل الميثاق الملكي الخاص بـ "بي بي سي"، وهو الذي يحدد تمويل هيئة البث والغرض منها، ويتم تحديد الرسوم من قبل الحكومة التي أعلنت في 2016 أنها ستزيد بما يتماشى مع التضخم لمدة خمس سنوات اعتباراً من أبريل 2017.
والمبالغ المالية التي يتم تحصيلها من رسوم الرخصة تغطي نفقات برامج "بي بي سي" وخدماتها بما في ذلك التلفزيون والإذاعة، وموقع "بي بي سي" ونشرات البودكاست وخدمة "آيبلاير" والتطبيقات.
وكانت قد بدأت بالفعل مفاوضات مطولة بين مدراء "بي بي سي" والحكومة حول تسوية مستقبلية للتمويل، نوقش خلالها فكرة تجميد الرسوم في أكتوبر العام الماضي، وظلت النقاشات حول رسوم الرخصة من حينها مستمرة.
ولكن في الوقت نفسه أقرت وزيرة الثقافة البريطانية بوجود ضغط على جيوب المواطنين، وأن رسوم الرخصة كانت "مبلغًا ليس بالقليل" بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون على دخل متدن و متقاعدين.
كما قالت في وقت سابق أنها تعتقد بوجوب بقاء بي بي سي، ولكنها تحتاج لأن تكون قادرة على مواجهة المنافسين مثل نتفليكس و أمازون برايم كما تحتاج إذاعتها أن تدخل عالم الرقمنة.
ووصفت وزيرة الثقافة البريطانية البي بي سي أنها كانت "منارة للعالم"، لكنها صرحت اعتقادها بأن الأشخاص الذين وصلوا إلى المناصب القيادية فيها كانت لديهم خلفية متشابهة، وتحيز سياسي معين وكانوا يفكرون ويتحدثون بالطريقة نفسها.
- اتهامات ثقافة حكومة الظل العمالية لرئيس الوزراء والوزيرة
ومن جهة أخرى، اتهمت وزيرة الثقافة في حكومة الظل العمالية لوسي باول رئيس الوزراء والسيدة دوريس، بأنه يبدو عليهما أنهما "عاقدا العزم على مهاجمة هذه المؤسسة البريطانية العظيمة لأنهما لا يحبان مدرستها الصحفية".
و في 2020 دفع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً رسوم رخصة امتلاك جهاز التلفزيون والتي كانت في السابق مجاناً بالنسبة لهم، كما قالت "بي بي سي" في حينه أن الاستمرار في تمويل الرخص المجانية لجميع كبار السن كان سيجبرها على تنفيذ "عمليات إغلاق غير مسبوقة" للخدمات.
و تحتاج خدمات بي بي سي العالمية إلى توفير 28.5 مليون جنيه إسترليني، كجزء مما مجموعه 500 مليون جنيه إسترليني من النفقات السنوية.
و لطالما كانت رسوم الترخيص أمرًا غريباً للكثيرين، ولا يمكن الدفاع عنه فلماذا نحتاج من الأساس لأن تكون هناك مؤسسة إعلامية للأخبار والترفيه من القطاع العام؟ وإذا كانت موجودة، فلماذا تدفع مقابلها ضريبة سنوية على أجهزة التلفزيون والتي يدفعها كل الناس بغض النظر عن الدخل؟
و تمنع رسوم الترخيص سيطرة الحكومة على "بي بي سي" فهي لا تقدم دعماً مالياً من أموال الضرائب العامة، ما يجعل الأمر يتطلب من "بي بي سي" الانفتاح والمساءلة وتشجيع الرقابة الصارمة على التكاليف، مثل الضغط من أجل خفض ما يمكن دفعه للنجوم.
- رواتب ضخمة لنجوم الإذاعة العريقة
وكانت قد كشفت هيئة الإذاعة البريطانية من قبل عن تفاصيل رواتب موظفيها الكبار، كالمذيعين ومقدمي البرامج، في تقريرها السنوي.
وتصدر المذيع التليفزيوني، كريس إيفانز، القائمة، براتب يزيد على مليوني جنيه استرليني، في حين تصدرت كلوديا وينكلمان النساء الأعلى أجرًا، براتب يتراوح بين 450- 500 ألف جنيه استرليني في العام، وتصدر القائمة بعد إيفانز كل من غاري لينيكر، براتب سنوي بلغ مليون و750 ألف جنيه استرليني تقريبًا، ثم غراهام نورتون بنحو 850 ألف جنيه استرليني، كما حل رابعًا جيريمي فاين براتب 700 ألف جنيه استرليني، وجاء في المركز الخامس جون همفريز بنحو 600 ألف جنيه استرليني سنويًا ثم جاء سادسًا هيو إدواردز براتب 550 ألف جنيه استرليني تقريبًا، كما لم تزد نسبة النساء في القائمة الواردة في التقرير عن الثلث.
- خطة التحول
ووفقا للمقترحات، ستتحول خدمة بي بي سي بسبع لغات أخرى إلى المحتوى الرقمي فقط، وذلك نتيجة نجاح الخدمة بلغات أخرى تقدم بالفعل محتوى رقميا خالصًا وتحقق مشاهدات جماهيرية جيدة، وهو ما يعني أن نحو نصف عدد الخدمات الـ 41 التابعة لبي بي سي ستقدّم محتوى رقميًا فقط.
أما خدمة بي بي سي العالمية فستواصل تقديم محتواها بكل اللغات وفي كل البلدان التي تبث منها في الوقت الراهن، بما في ذلك اللغات الجديدة التي أضيفت إبان التوسع الذي حدث في عام 2016، ولن يجري إغلاق الخدمة بأي لغة.
- أشهر مذيعي الإذاعة من العرب
وكان صوت أول مذيع عربي داخل إذاعة البي بي سي العربية هو صوت أحمد كمال وذلك في يوم 3 يناير عام 1938.
كما كان بين أشهر مذيعي الإذاعة العريقة العرب حسن الكرمي، الذي التحق بالقسم العربي في بي بي سي العربية وعمل مراقباً للغة حتى عام 1968، كما أعد وقدم برنامجه المعروف قول على قول، والذي استمر في تقديمه ثلاثين عاماً متتالية.
وكذلك ماجد سرحان الذي عرفته أجيال من مستمعي البي بي سي مذيعًا للأخبار ومقدما للبرامج الإخبارية طوال ما يقرب من ثلاثين سنة، وأيضًا هدى الرشيد، مذيعة الأخبار التي انضمت إلى بي بي سي في أواسط السبعينيات، وكذا سلوى جراح، التي التحقت بالقسم العربي في أواخر السبعينيات.