رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسئولية المجتمعية وإطلاق الحريات الدينية فى مصر

لاشك أن إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى أن عام ٢٠٢٢ هو عام «المجتمع المدنى»، فإن ذلك يعنى بالضرورة دعوة مؤسسات المجتمع المدنى ومنظماته، التى تعمل فى اتجاه مصلحة الوطن، للعمل مع الدولة والمساهمة بدور أساسى فى النهوض بمصر وتحقيق أهداف الوطن فى التنمية والاستقرار والسلام مع الدولة جنبًا إلى جنب فى بناء حاضر ومستقبل أفضل لمصر فى المجالات المختلفة، فلا يمكن للدولة المصرية أو أى دولة تريد التقدم إن لم يكن المجتمع المدنى مشاركًا لها ومتعاونًا معها فى تحقيق أى تقدم.

ومن هذا المنطلق فإننى أرى أن المسئولية المجتمعية تقتضى التعاون مع الدولة فى مسألة إطلاق الحريات الدينية التى دعا لها الرئيس مؤخرًا فى خطوة سباقة، فى تقديرى أنها ستُحدث تغييرًا فى وجه مصر وستسهم فى توثيق ريادة مصرية فى مجال حقوق الإنسان، وهى تعنى أن الدولة المصرية عازمة على السير فى طريق التنوير والتحديث والحرية، وأنها قد عقدت العزم أيضًا على التصدى لكل صور التطرف الدينى المقيت والتشدد الذى يعشش فى بعض العقليات المتحجرة، والتى ما زالت تعمل كخفافيش الظلام على بث الكراهية والفتنة بين عنصرى الأمة. 

وإذا ما رجعنا بالذاكرة قليلًا فإننا سندرك بلا شك أن توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى ببناء أكبر كاتدرائية فى منطقة الشرق الأوسط فى العاصمة الإدارية، وتوجيهه فى نفس الوقت ببناء أكبر جامع فى منطقة الشرق الأوسط فى العاصمة الإدارية أيضًا، فإن ذلك قد جاء متواكبًا مع قرب إعلان الجمهورية الجديدة، مما يعكس بحق وعلى أرض الواقع احترامًا كبيرًا للأديان وللدين الإسلامى كما الدين المسيحى.

كما أنه يعنى احترامًا كبيرًا لحقوق أهل مصر من المسيحيين كما المسلمين.. وأن المسلم والمسيحى كليهما فى الجمهورية الجديدة سواء، وأنه على الأرض المصرية سيعيش المسلم والمسيحى كما كانا طوال تاريخهما فى سلام ووئام وأمان.

وقبل أن يطلق الرئيس دعوته السباقة بإطلاق حرية الأديان، فإنه خلال مؤتمر صحفى عقد مؤخرًا فى شهر يوليو الماضى، بمناسبة زيارة المستشار الألمانى أولاف شولتز، عندما سأله صحفى ألمانى عن حقوق الإنسان فى مصر!! دعاه الرئيس السيسى لأن ينظر بنفسه وسيجد أن فى مصر حرية الأديان كحق من حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وفى هذا المؤتمر وجه دعوة لكل المهتمين بملف حقوق الإنسان فى ألمانيا بزيارة مصر ومعرفة الحقيقة بأنفسهم واللقاء بالناس على الطبيعة.

وقال: «إن حماية حرية الأديان فى مصر هى مسئوليتنا التاريخية والإنسانية..»، ودعا من يزور مصر من ألمانيا لأن يتأكد بنفسه من أن بها حرية ممارسة الشعائر الدينية وأن ينقل ما رآه على الطبيعة للعالم.

وكان السيسى، منذ توليه رئاسة مصر فى ٢٠١٤، قد دعا إلى حرية ممارسة الأديان كما دعا إلى احترام حقوق المرأة فى نفس الوقت.. وفى العام الماضى حدثت نقلة تاريخية فى تقديرى من جانبه عبرت عن رغبته فى تنفيذ احترامه الأديان وصونه حرية المعتقد، ففى ٢٠٢١ أطلق استراتيجية حقوق الإنسان التى تتضمن فى طياتها احترام الأديان، وهى فى تقديرى قفزة كبيرة فى تاريخ مصر لم يقم بها رئيس أو مسئول مصرى من قبل.. وهى تعنى فى تقديرى وفى نفس الوقت تلبية المطلب الشعبى المدوى الذى كان من ضمن أول أهداف ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأقصد به القضاء على التطرف الدينى وتشدد جماعات الظلاميين الذين طالب الشعب برحيلهم هم وأفكارهم المريضة إلى غير رجعة.

وقال الرئيس أيضًا، فى يناير ٢٠٢٢ بمناسبة ميلاد المسيح فى الكاتدرائية، إن الجمهورية الجديدة تتسع للجميع دون فرق وتمييز، ونعيش فيها فى سلام وأمان مع بعض. وفى كلمة تعكس احترامه لكل الأديان أيضًا بمناسبة إطلاق استراتيجية حقوق الإنسان قال الرئيس أيضًا كلمة لها مغزاها الواضح والمستنير، حيث قال:

«إيه يضايقك لما تشوف كنيسة أو معبد يهودى اللى عايز يسلم يسلم.. واللى مش عايز لا يُؤْمِن.. وهذه الحرية من منظور دينى». وقال بمناسبة اللقاء مع رؤساء كنائس الشرق الأوسط: «إن المواطنة والحقوق المتساوية هى قيم ثابتة تمثل نهج الدولة المصرية تجاه جميع المواطنين».

ومن جميع هذه العبارات المهمة للرئيس نستطيع أن نفهم نهج الدولة فى المستقبل القريب وفى الجمهورية الجديدة، وهى كلمات تدعو لعظيم الاحترام له والتقدير لحرصه على حرية ممارسة الشعائر الدينية، وهنا من ناحية أخرى أجد نفسى أتوقف عند مسئولية المواطنين والمواطنات المستنيرين والمستنيرات المخلصين لمصر واستقرارها وسلامها وأمان شعبها، لأنه واتساقًا مع هذا فإنه لا بد من أن يكون المواطن على قدر المسئولية المجتمعية التى تجعله يحافظ على الإخاء بين المسلم والمسيحى وعلى الوئام التاريخى بينهما.. فإذا كنا نطالب المسئولين بترجمة توجه الرئيس إلى سياسة تطبق على الأرض وحماية حرية العقائد والشعائر بكل طرق الحماية المتاحة والمناسبة والتصدى لكل محاولات تأجيج الفتنة وبكل الحزم، فإنه لا بد أن يساهم والمواطنون فى التوعية بحرية الأديان وباحترام حقوق الآخر وقبوله، وأن يتصدى المواطنون لأى محاولات لإذكاء الفتنة ورفض دعوات تكفير الآخر والممارسات المستفزة التى تدعو إلى تمييز المسلم؛ لأنه مسلم، وليس لأنه يتميز بالأخلاق والوعى والوطنية والعمل الجاد.

ولا بد أن نوقف أى دعوات متخلفة أو محاولات لتمييز المسلم على المسيحى لمجرد أنه مسلم.. فمن حق كل مواطن أن يحظى بالمساواة فى الحقوق ما دام مصريًا وليس من حق أى متشدد أن يردد عبارات تؤجج الكراهية للآخر.. نريد فى الجمهورية الجديدة أن تتضاعف أعداد الكنائس ما دامت تحصل على الموافقة ببنائها من الدولة وأن تتم حمايتها من قبل الأمن ومن قبل المواطنين.. ونريد أن يكون التآخى هو سمة أساسية فى تعاملاتنا مع أى صاحب معتقد آخر.. فالدين لله والوطن للجميع.. ونريد أن يوضع مبدأ احترام الأديان فى منظومة التعليم بمدارسنا منذ سن صغيرة للتلاميذ، ولا بد من تصحيح المفاهيم الخاطئة التى تدعو إلى التطرف، والذى لم يكن يومًا ما من سمات الشعب المصرى.. ولم نره إلا مع صعود تيار التطرف والوهابية مع التسعينيات من القرن الماضى أى منذ حوالى ٣٠ عامًا. 

وقبل هذا كان المصريون جميعًا يتعايشون بلا تطرف أو تشدد دينى، ثم لاحظنا تصاعد تيار كراهية الآخر بعد ثورة ٢٥يناير ٢٠١١حينما بدأت جماعات الظلام تمارس ممارساتها المتطرفة لإضعاف نسيج المجتمع المصرى، لتحقيق مخطط التقسيم وإثارة الفتنة بين الأشقاء فى وطننا، ونريد أيضًا منع العبارات المتطرفة التى عادت تُكتب على زجاج السيارات الأجرة مؤخرًا.. وكان قد تم منعها من قبل.. وسنطالب بمنع أى صورة من صور كراهية الدين الآخر أيًا كان.

فلقد كانت مصر وستظل مهد الحضارة وأرض السلام والأمان، ولا بد أن نعى كنساء هذا، فدور المرأة أساسى فى توعية أبنائها منذ الصغر بقيم قبول الآخر واحترام الدين الآخر، ويمكنها أن تكون حائط صد منيعًا بداخل بيتها، ودرعًا واقية لأبنائها فى مواجهة أى محاولات لإشعال ممارسات الكراهية والفتنة والتكفير. ومن الضرورى أن يعود دور المدرسة فى التربية والتوجيه إلى الاستنارة فى مصر وبرفض أى أفكار تدعو للتشدد، ومناهضة كل مدرس يبث التطرف بين التلاميذ، وألا يقتصر دورها على التدريس فقط.. وهو دور مهم للوزير الجديد رضا حجازى، نأمل أن يضطلع به.

وكذلك هناك دور الإعلام الأساسى والحيوى فى بث قيم قبول الآخر واحترام الأديان وحرية ممارسة الشعائر.. وهذه بعض الضرورات، فى تقديرى الأساسية؛ لتكون الجمهورية الجديدة بحق جمهورية تحمى حقوق الإنسان وحقوق ممارسة الشعائر واحترام الأديان.