«هرقليون» و«أثنيوس».. قصة استخراج أكبر حضارة غارقة تحت الماء
مدينة كاملة من آثار وتماثيل ونحوت وقوارب، تلك كانت المدينة الغارقة التي ظن كثيرون أن ليس لها وجود إلا في كتب الأساطير والروايات لتفاجئ الاكتشافات أن هذه الأسطورة كائنة بالفعل ومستقرة بتفاصيلها تحت مياه مدينة الإسكندرية تلك هي حضارة "هرقليون" أو ما يسمى باليونانية "أثنيوس".
قصة الاكتشاف
بدأت القصة عام ١٩٣٣ حين حلق طيار إنجليزي فوق خليج أبو قير ولمح حينئذ بقايا مبان لآثار أسفل المياه، وأبلغ حينها الأمير عمر طوسون باشا أمير الأسكندرية الذي عرف بحبه للآثار، لينطلق الأمير عمر طوسون على مركب صغيرة ومعه غاطسون من القوات البحرية.
وتم حينها العثور على مدينتين هما مدينة “كانوب"، و"مدينة ثونيس-هيراكليون"، واللاتي تبين أنهما سابقين لإنشاء مدينة الأسكندرية بحوالي قرنين من الزمان، وتشير الدراسات إلى أنهم غرقوا بالتدريج لكونهم قد بنوا على الأساسات الطينية التي كانت كائنة في خليج أبو قير بسبب فرع النيل الكانوبي.
موقعها
وتقع مدينة "هرقليون" قرب الفرع الكانوبي من النيل، أي حوالي 32 كم شمال شرق الإسكندرية، كما تقع بقاياها في خليج أبي قير على بعد 2.5 كم من الشاطيء وعلى عمق 10 متر (30 قدم).
عودة اكتشافها
أعيد البحث مرة أخرى عن المدينة الغارقة في عام 1996، واستغرق رسم خريطة للموقع بأكمله عدة سنوات، وأسفر هذا الاكتشاف عن معلومات مهمة عن المعالم القديمة، ومفادها أن هرقليون وثونيس في الحقيقة هما اسمين لمدينة واحدة، إذ ينسب هرقليون للاسم اليوناني، بينما يُنسب ثونيس للاسم المصري.
وفي عام 2000، تمكن فريق من غواصي المعهد الأوروبي للآثار الغارقة من اكتشاف أطلال المدينة والميناء اللذين كانا يقعا على مصب الفرع الغربي لدلتا نهر النيل، والمعروف بالفرع الكانوبي، بحسب موقع وزارة الآثار المصرية.
وفرة كبيرة من المواد الأثرية المستخرجة من موقع المدينة دلت على الأهمية التي كانت تحظى بها تلك المدينة، إذ عثر على العديد من العملات المعدنية، والمجوهرات الذهبية، والسيراميك، بالإضافة إلى التماثيل الضخمة، والنقوش، والآثار المعمارية، والخزف.
رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة: “تسونامي” السبب في الغرق
يؤكد إيهاب فهمي رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة لـ"لدستور" أنه قد استخرج من المدينة كذلك أكبر رأس للإسكندر الأكبر، وتابع أن اكتشافات المدينة تؤكد أنها كانت ذات أهمية دينية كبيرة وكذلك كانت تتمتع بأهمية تجارية ضخمة، إذ تم العثور على 70 قارب وغيرها من الآثار التي تؤكد الحركة التجارية بها حينئذ.
وتابع أنه من المرجح أن نشاط المدينة قد امتد لعدة عصور، إذ عثر على العديد من الآثار البطلمية و الإسلامية فيها، مشيرًا إلى أنه ومع هبوب العديد من موجات تسونامي عليها، قلّ النشاط التجاري فيها كما هجرها السكان تدريجيًا، إذ أن سقوطها جاء نتيجة التغيرات المناخية وليس نتيجة لأفعال أياد بشرية، مُضيفًا أن الآثار التي عثر عليها جميعها سليمة محتفظة بالحالة التي غرقت عليها، وذلك لسقوطها في طمي النيل ذو الطبيعة الحافظة.
أما عن استخراج هذه الآثار قال فهمي أنها لا تجرى إلا بعد أن تتم عملية المعالجة لها من آثار المياه المالحة التي ظلت فيها مئات السنوات لكي يمكنها ملائمة البيئة الجافة التي ستخرج إليها ولا تتهشم، مضيفًا أن معالجة واستخراج الآثار الغارقة تتكلف ميزانيات مالية ضخمة، وخاصة في حالة الآثار مثل المراكب التي تحتاج إلى دقة شديدة عند استخراجها من المياه لكي لا تتهشم مشيرًا إلى أن البيئة المالحة هي الأكثر حفاظًا عليها.
وعن استكمال عمليات الاكتشاف أكد أنه من المرجح أن تبدأ في شهر يناير القادم، وذلك نظرًا لأن استخراج الآثار الغارقة يحتاج إلى ظروف خاصة تتوقف على درجات الحرارة ونشاط المياه وغيرها من العوامل التي تتعلق بالمناخ، ويعد فصل الخريف وبداية فصل الشتاء أنسب الأوقات لذلك.
مكتشفها الفرنسي: استخدمنا أجهزة قياس الرنين المغناطيسي النووي (NMR) للوصول لها
استطاعت "الدستور" التوصل إلى الموقع الإليكتروني الخاص بمشرف البعثة التي نظمها المعهد الأوروبى للآثار البحرية "IEASM" وهو " فرانكو جوديو" الذي دون فيه أنه قد بدأت أعمال التنقيب بالتعاون مع المجلس الأعلى المصري للآثار، وغطت منطقة البحث الميناء الشرقي الحالي، والذي تبلغ مساحته حوالي 400 هكتار.
للمزيد من التفاصيل اضغط هنـــــــــــــــــــا
تابع أن هذه الاكتشافات تمت بعد برنامج مكثف للمسوحات الإلكترونية لإنشاء خريطة دقيقة لأرضية الميناء ، التي على إثرها تم تحديد البقايا الأثرية المدفونة تحت الرواسب عن طريق السبر الميكانيكي الانتقائي أو من خلال استخدام أدوات الكشف الإلكترونية مثل أجهزة قياس الرنين المغناطيسي النووي (NMR).
كما أكد "فرانكو" عبر تدويناته على موقعه أن نجاحه فريق العمل معه نابع من العمل الجماعي المدعوم من قبل محترفين وغواصين وعلماء ولوجستيين وعلماء والعديد من الخبراء الآخرين الذي تعاون فيه سلطات التراث في الدولة مثل العديد من فرق المجلس الأعلى للآثار في مصر (SCA).
مجوهرات ذهبية و750 مرسى وتماثيل ضخمة أبرز محتوياتها
وقد تمكّن غواصو البعثة من الكشف عن مبان، ومنحوتات ضخمة الحجم، وطيف واسع من القطع الأثرية، بدءًا من المباخر البرونزية، حتى المجوهرات الذهبية، كما تم الكشف أيضًا عن أكثر من 750 مِرْسَى من المراسى القديمة التي يرجع معظمها إلى الفترة من القرن السادس إلى الثانى قبل الميلاد.
أسطورتها
وكانت قد حملت تلك المدينة اسم " ثونيس-هرقليون"، نسبةً إلى المعبود هرقل، وهو المقابل اليوناني للمعبود "آمون جرب"، والذي انتشرت عبادته في المنطقة، وكان يعد بمثابة المعبود الحامي للمدينة، بحسب موقع وزارة الآثار المصرية.
بنيت هرقليون على مدينة "ثونس" المصرية التي كانت ميناءً هاماً لمصر على البحر الأبيض المتوسط في القديم نحو 600 سنة قبل الميلاد.
وتقول قصص الإغريق أن باريس من طروادة أحب هيلينا زوجة الملك وهربا سويا إلى هرقليون، وعلى إثر ذلك اشتعلت الحرب بين اسبرطة وطروادة في الحرب المعروفة بحصار طروادة.
وترجع أهمية المدينة الدينية إلى معبد خونس (وهو ابن لآمون) الذي يعد من أهم معالم ثونس، إذ كان يؤمه الناس من شرق المتوسط للعبادة والشفاء، وكان الإغريق يقرنون به إلاههم هرقل وبعد ذلك أصبح المعبد معبدا لآمون.