رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التهديد العالمى للإخوان المسلمين «2»

فى الجزء الثانى من سلسلة القراءة لأهم كتاب أمريكى صدر، مؤخرًا، ليكشف التهديد العالمى الذى تشكله جماعة الإخوان المسلمين، من واقع التقارير البحثية المعمقة التى أعدتها اللجنة الفرعية للأمن القومى الأمريكية التابعة للجنة الرقابة والإصلاح فى الكونجرس. ننتقل لاستعراض ما انتهينا به خلال الجزء الأول، وهو أن محللى الاستخبارات الذين أدلوا بشهاداتهم أمام لجنة الكونجرس، اجتمعوا على أنه لا توجد جماعة إخوان مسلمين «موحدة»، بل هناك من وجهة نظرهم «هيكل ضخم» من الشبكات التى تشترك فى الروابط الشخصية والتوجه الأيديولوجى، التى انبثقت من نواة مركزية تشكلت من قيادات الإخوان العالميين. وقد اعتمد هؤلاء فى جانب من شهادتهم التى تليت على أعضاء لجنة الكونجرس فى جلسات استماع مطولة، على تقرير لا يقل أهمية عن الكتاب الذى نحن بصدده، أصدره المركز النمساوى لتوثيق التطرف السياسى ذى الدوافع الدينية، يضع فيه خريطة لوجود الإخوان المسلمين فى أوروبا.

اعتبر التقرير النمساوى المهم، أنه جاء كى يفكك جدلية راسخة داخل مختلف المجتمعات الأوروبية، تتمثل فى أن التصور العام حول الإسلاموية على مدى السنوات القليلة الماضية، يشوبه ضعف المعلومات فى العديد من النقاط، حيث يخلط الناس خطأ بين مختلف المظاهر الخارجية للعقيدة الإسلامية، وأفعال «الإسلامويين». ذلك أن الإسلاموية هى عبارة عن «حركة أيديولوجية» متباينة للغاية، حيث يوجد جهاديون عنيفون مثل تنظيم القاعدة وداعش، فى جانب من الصورة. وفى جانب آخر ما يمكن تسميتهم بـ«الانخراطيون»، وتظل هناك مجموعة واسعة حاضرة بينهما، بما فى ذلك السلفيون و«الجماعات المتشددة». التقرير وضع جماعة «الإخوان المسلمين» فى تصنيف «الانخراطيون»، التى من وجهة نظر التقرير أن الانخراط والعمل فى إطار الأنظمة السياسية القائمة، حتى لو كان ذلك يعنى التضحية أحيانًا وبصورة مؤقتة ببعض مبادئهم، هو أفضل وسيلة لتعزيز أهدافهم فى التواجد على الساحة الأوروبية. فجماعة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا فى مصر عام ١٩٢٨، هى أقدم جماعة إسلاموية. ويتمثل التمييز والصعوبة الكبيرة عند النظر إليها فى أوروبا؛ أن الجماعة فى أوروبا تنشط على عكس عملها فى الدول العربية، من خلال منظمات سياسية وتعليمية وخيرية، وغيرها من المنظمات التى غالبًا ما تذهب إلى «حدود بعيدة»، لإنكار أنها تشكيلات للإخوان المسلمين. هذا الخداع يفسر السبب فى أنه لا توجد دولة أوروبية، اعتمدت تقييمًا متماسكًا لـ«ماهية الإخوان» داخل حدودها مما يمكنها أن تتبعه جميع دوائرها الأمنية والحكومية.

التقرير النمساوى أثبت أن غرس البذرة الأصلية لوجود الإخوان فى أوروبا، جرت فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضى، غالبًا بواسطة كوادر قليلة من كبار أعضاء الإخوان المسلمين، الذين فروا من بلدانهم. وأيضًا بواسطة شريحة شبابية من طلاب الجامعات القادمين من الشرق الأوسط، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكوادر القيادية لرجال مثل سعيد رمضان، ويوسف ندا، وغالب همت، وراشد الغنوشى، ونوح القدو، وأحمد جاب الله، ما زالوا يشغلون مناصب قيادية فى الجماعة، إذا كانوا على قيد الحياة، وإذا لم يكونوا كذلك، فقد استولت عائلاتهم على تلك المناصب. ووفق نص التقرير؛ جاء أنه بعيدًا عن كونها مؤامرة مدروسة جيدًا للتسلل إلى القارة، لم يكن قادة الإخوان ولا الطلاب ينوون فى البداية البقاء على المدى الطويل فى أوروبا. بيد أن هؤلاء الرواد الأوائل شرعوا فى توطيد أقدامهم فى الدول الأوروبية التى رحلوا إليها، وأنشأوا فيها مساجد وشركات وجمعيات خيرية ومنظمات ضغط. ويوضح التقرير أن كل دولة أوروبية كبرى، صارت اليوم موطنًا لشبكة صغيرة من الأفراد والمنظمات التى لديها درجات متفاوتة من الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين.

لذلك خلص التقرير إلى أن طبيعة «البنية التحتية» لجماعة الإخوان المسلمين فى كل دولة أوروبية، على أنها ملائمة لـ«ثلاث حقائق» منفصلة، ولكنها مترابطة للغاية، وهى وفق درجات متناقصة الشدة، الأولى جماعات الإخوان الأساسية. حيث أنشأ الجيل الأول من الرواد القادمين من العالم العربى هياكل مماثلة، لتلك الموجودة فى دول المنشأ. من الواضح أنها نسخت بالضبط ولكن على نطاق أصغر، فالإخوان الأساسيون هم أفراد ينتمون بعد أن خضعوا لعملية تجنيد صارمة، ودانوا بالولاء إلى الهيكل غير العلنى «السرى» الذى أنشأه أعضاء الإخوان فى كل دولة أوروبية. الثانية الجماعات المتفرعة عن الإخوان. فلدى وصولهم إلى أوروبا، أنشأ الإخوان الأوائل شبكة من المنظمات المكرسة لمجموعة واسعة من الأنشطة، ولا تعرف أى من هذه الكيانات نفسها علنًا بأن لها صلات بأى هيكل من جماعة الإخوان المسلمين. لكنها فى الواقع تمثل الجانب الآخر من الإخوان الأساسيين، والوجه الذى يلعب دور العام والظاهر للشبكة السرية، باعتباره الجزء الذى يعزز أجندة الجماعة فى المجتمع، دون التخلى عن البنية السرية. ولا تعتبر الجماعات المتفرعة مرتبطة تنظيميًا بجماعة الإخوان المسلمين، وترفض أى اتهام بعكس ذلك، وغالبًا ما تستخدم الحجة القائلة بأنها كيانات مستقلة، وهو أمر صحيح ظاهريًا على المستوى الشكلى البحت. علاوة على ذلك، ولزيادة إمكانات مشاركتهم مع المجتمعات المسلمة والمجتمعات الأوروبية، تعطى الجماعات المتفرعة عن الإخوان أسماء تهدف إلى تصدير صورة الاعتدال والتمثيل العريض للمجتمع.

الثالثة المنظمات المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين. هذه كيانات لها بعض الروابط التاريخية والتنظيمية والمالية بالتنظيم، والأهم من ذلك تطابق الأيديولوجية مع الوسط الأساسى لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنها تظل ليست لها علاقات عملياتية واضحة معها. ولذلك يندرج الإخوان الأساسيون، وقيادة الفئتين الأخريين، ضمن ما يسميه التقرير «الوسط الإخوانى»، باعتباره مصطلحًا أفضل وأوضح من مصطلح «الفرع»، كون الأخير يعطى انطباعًا بالتبعية. وفى الواقع، يعمل كل وسط أوروبى للإخوان فى استقلال ذاتى تام عن الأوساط الأوروبية الأخرى، وعن الفروع الأكبر بكثير فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ورغم أن عدد أعضاء الإخوان الخالصين فى كل دولة «صغير نسبيًا»؛ حيث يبلغوا قرابة «ألف عضو» فى دول كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا، فإن لكل منهم القدرة على التأثير على عدد أكبر بكثير من الحلفاء وحشدهم، كما تعمل الجبهات المختلفة فى بلدان الشرق الأوسط كـ«مجموعة متماسكة».