تخاريف «إله النقد» المزيف: أنا المكتشف.. والأدب المصري مسروق من أعمال غربية
منذ فترة خرج "صبري ممدوح" على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" – كل شخص من الممكن أن تكون له صفحة شخصية على الـ"فيس بوك" - وراح ينشر أغلفة لكتاب رواد مصريين من أجيال مختلفة، ويذكر أن رواياتهم مسروقة من أعمال أجنبية، ومنهم نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم، ولم يأبه له أحد أو يأخذ حيزًا من الاهتمام على اعتبار أن بعض ما يقوله معروف ومحاولته للتجديد والزج بأسماء أخرى كان قميئا، وسخر الجميع منه وتركوه يكتب ما يكتب دون أي تدخلات على اعتبار أن ما يقوله ترهات سوف تنتهي.
وعبر أجيال أخرى انتقلت السرقات لأعمال وحيد الطويلة وأحمد القرملاوي وطارق إمام ونورا ناجي وغيرهم، والغريب في الأمر أن كل الأعمال التي ذكرها صبري ممدوح سرقت من أعمال أجنبية معظمها لم يترجم، ومعظمها ذكر قديما وكانت حوله العديد من المعارك، أي أن ما فعله هو أنه نقل رؤية لآخرين قديما ودعمها بسرقات لروائيين جدد.
هل هي سرقات؟
في مقال له تحت عنوان "اللصوصية" يقول الروائي الراحل محمد مستجاب: "رواية الأرض الشهيرة لعبد الرحمن الشرقاوي تأتي من رحم "فونتمارا" للروائي الإيطالي إينادزيوسيلوني"، ويكمل محمد مستجاب: "لكن هذا لا تتحقق فيه اللصوصية بالمعني الذي نرومه بالطبع، ولاسيما أن الأمور تتم بحسن النوايا".
و"مستجاب" هنا برغم أنه أشار لنفس الرواية التي أشار إليها "ممدوح" بعده بقرن لكنه لم يؤكد أنها سرقة بالمعنى المشار إليه، ولكن ممدوح أكد هذا الأمر وأشار إلى أنها سرقة، والعديد من الأعمال التي وجد أن هناك تشابه في فكرتها بينها وبين أعمال أخرى أجنبية.
وفي مقال له يقول واسيني الأعرج: “أندهش أحياناً كيف يتحدث بعض القراء، والكتاب، والنقاد العرب أيضاً عن السرقة الأدبية بسهولة كبيرة، بلغة فضفاضة لا تمت بصلة للعلمية، وكأن المسألة لا تستحق كل الاهتمام الذي يليق بها بوصفها قضيةً شائكةً تضع جهداً إبداعياً في مواجهة جهد آخر. بينما ألف باء الموضوعية تقتضي توقفاً تأملياً وفكرياً وبحثياً ضرورياً”.
لا يمكن لأي واحد أن يتهم كما يشاء، ووفق مزاجه المريض الذي يرى وراء كل حجرة عدواً مفترضاً تجب محاربته. يعرف جميع من مارس نقداً ثقافياً عاماً أو أكاديمياً، أنه من أشد الحقول التناصية تعقيداً، لأنه يستدعي بالضرورة البرهان ليس فقط بذكر النص المرجعي، ولكن أيضاً بالتوقف عند العلامات الماكرو والميكرو نصية، التي انتقلت من نص سابق إلى نص لاحق، وما هي القنوات التي سلكتها ليصل التناص إلى السرقة.
ويكمل: "أغلب النقود العربية اليوم تتجه مباشرة نحو الاتهام مثل الذي ألقي عليه القبض بالجرم المشهود، وبشكل إرهابي. حتى الساعة لم أر ناقداً عربياً واحداً أخذ العمل الروائي ودرسه بشكل عميق وعثر في «باكغراوند» الرواية، كل النصوص الصامتة التي نشأت عليها الرواية المتهمة. يجب أن لا ننسى بأن الأمر يتعلق بتهمة وليس بدرس نقدي. مجرد كلام عام وإحالات ساذجة جداً الكاتب نفسه يكون قد اعترف بوجودها في نصه. القصد من وراء ذلك هو الإساءة لا أكثر، بعيداً عن الجهد النقدي التأملي والتطبيقي. غواية انتقامية تستعير الوسائط النقدية ظلماً لتهديم نصوص حققت نجاحات عربية وعالمية.
هل نحن فقط من نكتب؟
مفهوم السرقات الأدبية يتخطى أفكار بعينها متاحة للجميع بصفتهم مشاركين بالحياة على هذا الكوكب، فهناك فكرة الموت والحياة/ الوجود والعدم، وفكرة الخلود وهناك الأحلام والطعام والشراب والهواء وكل ما يتشارك فيه بني الإنسان ويؤخذ منه مادة للكتابة، ومن الممكن أن يفكر روائي من أهل التبت كما يفكر روائي من أحراش إثيوبيا، والعديد بعد ابن المقفع كتبوا أعمال أدبية ابطالها حيوانات فهل معنى هذا أنهم سرقوا ابن المقفع؟، وهكذا تصبح بعض الأفكار مشاعا للجميع.
ومنذ زمن قديم جدا تناول ابن عبد ربه في عقده الفريد هذا الأمر، في باب "الاستعارة" يقول": لم تزل الاستعارة قديمةً تُستعمل في المَنظوم والمَنثور. وأحسن ما تكون أن يُستعار المنثور من المنظوم، والمَنظوم من المنثور. وهذه الاستعارة خفية لا يُؤبه بها، لأنك قد نقلت الكلام من حال إلى حال. وأكثر ما يجتلبه الشعراء ويتصرف فيه البلغاء فإنما يجري فيه الآخر على سنَن الأول. وقلَّ ما يأتي لهم معنى لم يَسبق إليه أحد، إما في مَنظوم وإما في مَنثور، لأن الكلام بعضه من بعض، ولذلك قالوا في الأمثال: ما ترك الأول للآخر شيئاً. ألا ترى أنّ كعب بن زُهير، وهو في الرَّعيل الأول والصدر المتقدم، قد قال ِفي شعره:
ما أرانا نقول إلا مُعاراً … أو مُعاداً من قولنا مَكْرورا
ونفس الامر قاله عنترة ابن شداد في مطلع معلقته الشهيرة
هل غادر الشعراء من متردم … أم هل عرفت الدار بعد توهم
وشرح البيت أن الشعراء السابقين لم يتركوا ما يكتب إلا وكتبوا عنه، فهل نتوقف الآن عن الكتابة عن الموت لأن هناك كتاب ذكروا الموت في اعمالهم؟
طارق إمام ونورا ناجي
لو أن الأمر اتهامات بالسرقة فقط لما اهتم أحد من الأدباء، ولما صدرت بيانات وشجب واستنكار لرجل يدعي أنه "إله النقد" وبالمناسبة فلن يجد له أحد مقالا حقيقيا، خاصة وأن ما كان ينشره على صفحته الشخصية هو مقالات لآخرين لا يذكر فيها اسم كاتبها، وما حدث من اتهامات لنورا ناجي أو طارق إمام ما هو إلا محاولة للبحث عن أنظار في عز التجاهل، لأن التجاهل لن يأت إلا لذو قيمة، وبالتالي ومع تردي القيمة تصبح الاتهامات وسيلة نجاحة لجذب النظر، والأمر لم يقتصر فقط على اتهامات بالسرقات وإنما لأشياء أخرى مخجلة لا يصح الحديث عنها حتى على "المصاطب".
قناة النيل الثقافية
في شهر يناير الماضي استضافت الفترة المفتوحة لقناة النيل الثقافية صبري ممدوح ليتحدث حول السرقات الأدبية، وراحت القناة تعرض أغلفة لروائيين غربيين ومعها روايات مصرية، ويفترض أن نفهم أن الروايات المصرية كلها مسروقة من الروايات الغربية، وهو كلام مرسل لا يوجد دليل واحد عليه، فلا يقول مثلا اين السرقة بالتحديد وهل هي في الفكرة أم في الكتابة أم في أي شئ آخر، مجرد حديث أن رواية مسروقة من رواية كما أشيع عن معظم الروايات المصرية، وبالطبع أن تستضيف قناة مصرية مثل هذا العبث دون وعي إو إدراك، وهو يقول ان نجيب محفوظ سارق وإحسان عبد القدوس سارق فهذا شيء مخل جدا.
لماذا يتحدث الجميع الآن
نظرا لتفاقم الأمر وتحوله من مجرد رؤية عبثية لاتهامات ومكائد فقد راح روائيون مصريون وعرب يتضامنون بقوة مع نورا ناجي وطارق إمام، وتحول الأمر لصنع شهرة لشخص محدود لم يستطع جلب الشهرة بكتابة وغيرها فراح يكيل الاتهامات جزافا ويبحث عن أقصر الطرق لمحاولة معرفته، وكان أيسرها ان يطلق على نفسه "آله النقد" وأي شخص عاقل سيدرك تماما أن محاولته لتلقيب نفسه هي عبارة عن “أنا” لا تجد من يلتفت إليها وتحاول كسب ذلك.