«رفاق الأستاذ».. صداقة نجيب محفوظ وعبد الحليم نويرة وحلم لم يتحقق (2)

توطدت علاقة أديب نوبل نجيب محفوظ بالموسيقار عبد الحليم نويرة، الذي كانت أسرته تسكن بجوار عائلة "محفوظ" في العباسية. اعتادا لعب كرة القدم مع "فؤاد" شقيق "عبد الحليم" الذي كان يصغرهم بحوالي خمس سنوات. 

في مذكراته المنشورة بعنوان "ذكريات لا مذكرات" روى ثروت أباظة، أنه درس مادة الحساب في الابتدائية على يد فؤاد نويرة شقيق الموسيقار عبد الحليم نويرة، وكان شقيقهما الأكبر "مختار" صديقا لنجيب محفوظ. وبعد انتقال عائلة "أباظة" للعباسية، سأله فؤاد نويرة، لمن تقرأ؟، فرد: طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد وهكيل والمازني، فأجابه "فؤاد": يجب عليك أن تقرأ للشاب الجديد نجيب محفوظ. واتفق معه أن يحضر له قصصا وروايات.

قرأ "أباظة" روايات وقصص لنجيب محفوظ، واتفق مع فؤاد نويرة أن يعرفه بنجيب محفوظ فالتقيا في كازينو أوبرا عام 1943، أضاف: "عندما رأيته شعرت أنني أعرفه عمري كله".

درس عبد الحليم نويرة الموسيقى الشرقية على يد أستاذ إيطالي، وشارك في وضع ألحان كثيرة من الأعمال السينمائية الغنائية، وحلم بتحول رواية "رادوبيس" لنجيب محفوظ إلى أوبريت موسيقى.

عرض "عبد الحليم" رواية "رادوبيس" حسبما روى نجيب محفوظ في مذكراته المنشورة بعنوان "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" لرجاء النقاش، على عدد من الشعراء الكبار مثل أحمد رامي لتحويلها إلى أشعار يسهل تلحينها، لكنهم رفضوا، لأن "محفوظ" لم يكن مشهورًا وقتها عام 1943. 

بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب عام 1988 زاره موسيقار هاو من كندا وطلب منه تحويل رواية "اللص والكلاب" إلى أوبرا تشبه أوبرا عايدة، تذكر "محفوظ" حلم عبد الحليم نويرة، فعرض على الشاب الكندري تحويل "رادوبيس" لرؤيته أنها تصلح أكثر لذلك، لأجواءها الأقرب للموسيقى وقربها من تاريخ الفراعنة المحبوب في العالم كله، لكنه صمم على أن يحوّل "اللص والكلاب" لرؤيته أنها تصلح أكثر، فوافق نجيب محفوظ على طلبه، قال: "قال لي إنه استمع إلى كثير من الأغاني الدينية التي تناسب شخصية علي الجنيدي وهي شخصية المتصوف الموجودة في الرواية، ولما رأيت إصراره أعطيته توقيعي بالتنازل عن الرواية ليقوم بهذه التجربة الغريبة، فكانت فرحته لا توصف". 

روى نجيب محفوظ أن الشاب الكندي أخبره أنه اعتقد أن المقابلة ستكون صعبة للغاية خاصة بعد حصوله على نوبل، ولم يتوقع أن يحصل على هذا الطلب بسهولة، وبعد سفره أرسل خطابا إلى نجيب محفوظ يخبره بأنه انتهى من العمل الأوبرالي وحول الرواية إلى أشعار ومناظر، ثم انقطعت أخباره.

حكى "محفوظ" موقفا طريفا وقع في علاقته بصديقه عبد الحليم نويرة، ففي أحد الأيام زار شقيقه "مختار" وأخبره أن عبد الحليم نويرة تزوج، فسأله "محفوظ": من الزوجة؟، فرد: "تزوج أخت الضابط أنور السادات الذي كان متهما في قضية أمين عثمان"، رد محفوظ بالدعوات بالتوفيق له: "الزوجة ليس لها ذنب ولم ترتكب جريمة".

نفى "محفوظ" ما تردد أن عبد الحليم نويرة استغل صلة النسب بينه وبين "السادات" فقد وصل إلى ما وصل إليه لأنه يستحق أكبر مما حصل عليه، أضاف: "ويكفي أنه من خلال الفرقة الموسيقية التي كونها أعاد تراثا موسيقيا لا تعرفه الأجيال الشابة مثل أعمال دواد حسني ومحمد عثمان وغيرهما".

أنشأت الفرقة القومية للموسيقى العربية عام 1968 وأسندت قيادتها للموسيقار عبد الحليم نويرة وظل في منصبه حتى وفاته. 

في فترة شبابه دخل نجيب محفوظ معركة مع المتحمسين للموسيقى الغريبة ضد الموسيقى الشرقية مثل الدكتور حسين فوزي الذي كان يرى أن الموسيقى الشرقية أفضل مكان لها هو صندوق القمامة. وأشار إلى أنه عرف من خلال "نويرة" عزيز عثمان الذي انعسكت شخصيته المرحة والظريفة على ألحانه.