رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقتل الظواهرى.. كيف جرى وماذا ينتظر القاعدة؟

أيمن الظواهرى ابن العائلة المصرية الشهيرة، التى لم تمثل شخصياتها البارزة حاجزًا لحمايته من الانخراط المبكر فى صفوف التنظيمات الإرهابية. فأيمن اختلفت روايات بدء انزلاقه إلى داخل العديد من الكهوف المظلمة، فهناك من رفاقه القدامى من يؤكد انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين فى نهاية ستينيات القرن الماضى، يدللون على ذلك بكونه كان ضمن المتهمين فى قضية الفنية العسكرية فى العام ١٩٧٤. وهناك من يعتبر طلقة البداية، من خطوة انضمامه لتنظيم الجهاد قبل التحاقه بكلية الطب التى تخرج فيها العام ١٩٧٥، لكن الثابت فى طريقه الأهم هو أنه عقب تخرج أيمن الظواهرى فى كلية الطب، اتفق مع أحد قيادات تنظيم الجهاد الذى أقنعه بالسفر لأفغانستان للمشاركة مع المجاهدين الأفغان فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى، وتحمس أيمن للفكرة، حيث كان من قبل يرغب فى السفر واستغلال مهنته كطبيب لعلاج الجرحى والمصابين، ولهذا سافر بالفعل. مكث أيمن فى أفغانستان لمدة عام واحد، وتعرف لأول مرة على أسامة بن لادن وانضم للعمل بـ«معسكر الأنصار»، ليتولى خلال تواجده فى المعسكر علاج المصابين والجرحى من المتطوعين العرب.

 

عاد الظواهرى إلى مصر بشخصية جديدة متطورة تبلور لديه ما سيخطط له مستقبلًا، حيث بدا وكأنه اكتشف طريقه الذى وجد أن آفاق ما يجرى فى أفغانستان، هو المجال الحيوى الذى قرر أن يتحرك فيه مستقبلًا، لذلك وعقب الإفراج عنه عام ١٩٨٥ بعد الحبس لمدة ثلاث سنوات، على خلفية إدانته بتهمة حيازة أسلحة غير مشروعة كان يخفيها لصالح تنظيم الجهاد فى مصر. سافر الظواهرى إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان ليلتقى أسامة بن لادن، ويبدأ معه مشوار تأسيس تنظيم القاعدة بعدما تنقلا معًا بين أفغانستان والسودان، مع بقائه لسنوات محتفظًا بقيادته فروع خاصة بتنظيم الجهاد، أشهرها الذى ظل يعمل فى مصر ويدار من الخارج، استمر ذلك طوال النصف الثانى من الثمانينيات وحقبة التسعينيات من القرن الماضى، نفذ التنظيم خلالها سلسلة من الهجمات داخل مصر والسودان وباكستان، بما فيها محاولة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك عاطف صدقى، وصدر على الظواهرى حكم بالإعدام غيابيًا من قبل محكمة عسكرية مصرية لدوره فى الكثير من الهجمات فى البلاد.

 

هذه المقدمات الطويلة العامرة بالعنف والسلاح والدماء التى أريقت بغير حساب، قادت أيمن الظواهرى إلى زعامة التنظيم الإرهابى الدولى، الذى لعب فيه الدور الأبرز، من أجل نقله إلى مستوى ممارسة العنف المسلح فى كل بقاع الأرض، عبر الفروع والخلايا ومجموعات الذئاب المنفردة. سقط أخيرًا هذا القائد التاريخى بعد أن تمكنت الولايات المتحدة مؤخرًا من الوصول إليه بعد عقود من الملاحقة، فى عملية نوعية أعلن عن أن وكالة المخابرات المركزية أدارتها ببراعة منذ شهور، إلى أن نجحت فى عملية قصف المنزل الذى يقطن فيه بالعاصمة الأفغانية كابول. الجانب الأمريكى يرى الغارة التى استهدفت الظواهرى تمثل ضربة كبيرة، ضد شخص كان العقل المدبر لواحدة من أكثر هجمات تنظيم «القاعدة» وحشية وهى هجمات سبتمبر ٢٠٠١، وكذلك الهجوم على السفارتين الأمريكيتين فى إفريقيا والمدمرة كول قبالة السواحل اليمنية، فضلًا عن هجمات أخرى. الاستخبارات الأمريكية صارت تمتلك الآن إمكانية مكافحة الإرهاب دون الدخول فى حروب مباشرة، عبر القيام بعمليات من الأفق من مسافات بعيدة، والتحليق الجوى بالمسيرات وغيرها من وسائل التنصت فوق مناطق تخضع للمراقبة لمعرفة وتحديد الأهداف الخطيرة، وهو ما حدث أخيرًا مع أيمن الظواهرى، حيث تمت مراقبة نمط حياته بمجرد تأكيد معلومة وصوله إلى مدينة كابول.

الطائرة دون طيار التى قتلت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى؛ استخدمت فى الهجوم صاروخين من طراز «هلفاير»، استهدفاه أثناء وقوفه فى شرفة منزله بإحدى أرقى ضواحى العاصمة الأفغانية كابول. منزل أيمن الظواهرى هذا كان يقيم معه فيه زوجته وابنته وأحفاده أيضًا، ووفق ما نشر من صور فوتوغرافية بعد إتمام العملية لم يتعرض لأضرار كبيرة خاصة مع عدم حدوث أى انفجار أو وقوع ضحايا. العناصر الأمريكية التى نفذت العملية استخدمت سلاحًا لم يكن قد تم تأكيد وجوده حتى الآن، وهو صاروخ «هلفاير أر ٩ إكس»، ويعد الصيغة المعدلة من الصاروخ الأمريكى «هلفاير» التقليدى، فالنسخة الجديدة خالية من أى عبوة ناسفة، فى حين أنها مجهزة بست شفرات تنبثق من الصاروخ قبل الاصطدام مباشرة لتقطيع الهدف دون إحداث انفجار. الصاروخ يزيد طوله قليلًا على خمسة أقدام ويزن نحو ١٠٠ رطل، ويستخدم هذا السلاح عادة فى ظروف محددة، لا سيما عندما يتم تحديد موقع زعيم إرهابى كبير حتى لا تتم إصابة المدنيين عند القيام بعملية استهداف لإرهابيين، خاصة أن القوات الأمريكية لديها يقين أن الإرهابيين وخاصة القيادات منهم، يختبئون عادة بين مجموعات من النساء والأطفال لحماية أنفسهم من الضربات الأمريكية. هذا السلاح الجديد استخدم لأول مرة فى فبراير ٢٠١٧، لقتل الزعيم الثانى لتنظيم القاعدة «أبوالخير المصرى» صهر أسامة بن لادن، كان حينها متواجدًا فى محافظة إدلب شمال غرب سوريا. كما استخدم فى اليمن يناير ٢٠١٩، فى عملية قتل «جمال البدوى» أحد المتهمين الرئيسيين بالمشاركة فى تفجير المدمرة البحرية الأمريكية كول عام ٢٠٠٠.

عملية قتل الظواهرى بالتأكيد ستفتح العديد من التساؤلات حول مستقبل تنظيم القاعدة، خاصة فيما يتعلق بقدرة التنظيم الحفاظ على وحدته وتماسك فروعه الخارجية، أيمن الظواهرى دون شك لعب دور المنظر الفكرى الأول والقائد الحركى حتى وهو فى منصب الرجل الثانى، كما لا يغفل دوره فى ارتباط الفروع بالتنظيم المركزى. لهذا تأتى عملية إزاحة الظواهرى اليوم من القيادة، فى وقت يعانى التنظيم الأم من تراجع وانحسار شديد لصالح تنظيم «داعش»، نتيجة مجموعة من العوامل المهمة ما قد يزيد من مشاكله ويدخله فى نفق مظلم من الأزمات قد لا يستطيع الخروج منها، فى المنظور القريب على الأقل. بالأخص وهو يواجه أزمة القيادة البديلة، حيث لا يوجد بين القادة الحاليين من يتمتع بمؤهلات أيمن الظواهرى التنظيمية، فضلًا عن الرصيد الطويل لتاريخه فى العمل المسلح.