بعد معركة عادل صابر وأكرم حسني..
كل ما تريد معرفته عن فن «المربع والواو»
بعد اتهام عادل صابر لأكرم حسني بسرقة مذهب من أحد مربعاته وتضمينها في إحدى أغانية التي غناها المطرب محمد منير، راح الكل يتساءل عن فن الواو والمربع وغيره، وفي هذا التقرير نرصد كل ما يمكن أن تعرفه عن فن الواو والمربع، ويتحدث فيه الشاعر عادل صابر.
يقول أولًا عادل صابر عن الأخطاء التي يقع فيها شعراء الواو والموال:
1- تفكك وتناقض وتباعد أركان الواو والموال، وهذا يجعل المربع أو الموال يفقد وحدته العضوية فيصبح متناقضًا مهترئاً لا يحمل القيمة الأدبية المرتقبة ولا يؤدى الى المعنى المنشود الذي انتظره المتلقي من الشاعر، وكانت حصيلته صفراً بعد قراءة أو سماع النص الأدبي فيكون الشاعر في وادٍ والمتلقي في وادٍ آخر، فمن المعروف لدى الجماعة الشعبية أن النص الأدبي للواو والموال يتكون من العتب والطرح والشد والصيد، فنجد الشاعر يخرق هذه القواعد بجهالة ويصنع مسافة كبيرة بين أركان النص الأدبي، فلا يستطيع المتلقي الربط بين الأركان الأربعة فيضيع النص بتفكك الأركان ولا يجني المتلقي سوى حطام موال أو واو يابس مهشَّم، كان من الممكن أن ننفخ فيهما روح الخََضَار، فلابد من الشاعر أن يحافظ بقدر الإمكان على الوحدة العضوية للنص وإلا سيصبح هشيماً تذروه الرياح.
2- الصورة الشعرية الفاشلة
الصورة الشعرية الفاشلة في النص الأدبي للواو والموال تنقسم إلى نوعين، أولهما الصورة الشعرية العكسية، وفيها يأتي الشاعر بصورة متناقضة مع الواقع المجتمعي الذي يعيشه والمسَلَّم به فى التركيبة الاجتماعية للناس والمجتمع المحيط به، أو متناقضة مع الظواهر والمسلّمات الكونية وحياة وطبائع الكائنات المعروفة لديها بكل شيمها ونواقصها وإيجابياتها، من وفاء ومكر وخيانة وطيبة وخير وجمال وتقلُّب من حال إلى حال، وكنت أود أن أضرب بعض الأمثلة للصورة الشعرية الفاشلة التي قرأتها لكثير من الشعراء والتي أردت ان أدعّم بها ما أقول ولكن لا أريد أن أحدث إحراجاً لبعض أصدقائي من الشعراء، ولكن كل ما أود أن أطرحه هو تجنب الصورة الشعرية الفاشلة التي تقع تحت هذا البند، أما النوع الثاني من الصورة الفاشلة وهي وجهة نظر خاصة بي، وهي الصورة الطلسمية الغامضة التي يستعصي ذهن المتلقي عن استيعابها مهما أوتي من عبقرية الفهم، وهي الصورة اللغوريتماتية المبهمة، وقد انقسم الشعراء هنا على مستوى القصيدة وليس الفن الشعبي إلى فريقين: الفريق الأول يرى النزول إلى ذهن المتلقي وإشباع تطلعه الروحي للشعر بالوضوح في النص وأن يبتعدوا عن الصور الغامضة حتى لا نرهق ذهن المتلقي ويحظى بالتشبع الذهني للقصيدة بسرعة وبدون جهد يُذكر، أما الفريق الثاني للشعراء فقد ذهب أن النجاح في الغموض، ولابد أن نرقي بالمتلقي ونرتقي بفهمه وثقافته ويبذل أقصى جهده للفهم والاستيعاب، ولا ذنب للشاعر في عدم فهم المتلقي أو بلادته، وهذا النوع من الشعراء يريد أن يخرج المتلقي من المعتاد والمكرر إلى الجديد والمستنير من النصوص الأدبية، وهناك من يرى أن يطبَّق هذا الاتجاه على النصوص الشعبية كالواو والموّال، وأن نرتقي بالجماعة الشعبية إلى التجديد في كتابة وسماع النصوص الشعبية، وكلٌُ له منهاجه الذي يتمسك به، أما انا فمع الوسطية رحمة بالمتلقي، فلا أنا مع الطلسمية رحمة بالمتلقي البسيط الشعبي، ولا أنا مع المباشرة والسطحية رحمة بالمتلقي المثقف الذي يبحث عن التجديد.
3- القفلة المتكلفة
القفلة المتكلِّفة المفتعلة من الأخطاء التي يقع فيها شاعر الواو والموّال ،فنجد الشاعر يستخدم الفذلكة الغريبة للمفردات، فيأتي بقفلات مزدحمة مستعصية لا تروق للمتلقي ولا تخدم النص الشعبي بل تنتقص من القيمة الأدبية للنص، فمثلا قد يدمج بعض المفردات التي لا تمت إلى بعضها في اللغة أو قد يستخدم مفردات فصحى شديدة الفصاحة وغير متداولة ليخدم بها جناسه التام رغماً عن أنف المفردة والمتلقي في نفس الوقت، هذا المتلقي الذي قد يعجب بالموال أو مربع الواو ولكنه يُصدَم في النهاية بقفلات مفتعلة ميتة تفقد الموال عنصر التشويق والمواصلة فلا يُكتَب له النجاح في ذهن المتلقي مهما كانت قيمته الأدبية.
4- المقفول والمفتوح من الواو والموال
انقسم الشعراء في هذا الشأن الى فريقين : الفريق الأول يرى أن الواو أو الموال لابد أن يكون مقفولاً وأن مهارة الشاعر تظهرها مغاليقه، فيشحذ الشاعر ذهنه ويبات على أعتاب المفردات وهو يتوسل ويتسول منها الجناس التام ليصبح من الماهرين في كتابته، وبعد أن تحن عليه يد المفردات بجناس تام يتوسل للمعاني أن تحن عليه حتى لايفقد العمل الأدبي مضامينه، وكلما سد طاقة انفتح له باب كما يقولون، وهذا الفريق يرى أن لا يصبح الواو واواً ولا الموال موالاً إلا إذا كان مغلقًا وله قفلات يلقيها في حجر المتلقي ليفكها، أما الفريق الثاني فيرى أنه لا فرق بين المقفول أو المفتوح ولكن كل همه أن تصل الفكرة والنص بكل معناه وآلياته إلى ذهن المتلقي ويستمتع بقيمته الأدبية ويطرح له فكرة جديدة ومعنى عميق يشبع به رغباته الروحية ويرى هذا الفريق أن النص المفتوح أكثر خلوداً وأطول عمراً من النص المقفول، لأنه سهل الحفظ، سلس القراءة، سريع الإيقاع في ذهن المتلقي، ويستشهدون بمؤسس هذا الفن أحمد بن عروس الذي لم يقل مربعًا مقفولاً في مربعاته التي جاءت إلينا بالتواتر وبعض المخطوطات القديمة، بل أحيانًا كان لا يستخدم إلا حروف الروي فقط في نهاية مربعه، ومع ذلك كان مربعه هو الأكثر خلوداً في كل ما قيل من مربعات، وصار مثلاً يحتذى به لشعراء الواو وقواليه المحدثين، ولذلك كان لزاماً علينا أن نكتب النوعين من الواو والموال حتى لايتهمنا أحد بالعجز والتقصير، فكتبت ديوان (بحر الدميرة) مواويل رباعية مقفولة، وكتبت ديوان (المشي في القيلة) مواويل مفتوحة، أماعن الواو فكان ديواني الأول (موال الليل والصبر) خليط ما بين المقفول والمفتوح، وديوان واو مقفول تحت الطبع بعنوان (النخل والطيّاب)، وكان كل همي في كل ما اكتب هو توصيل فكرتي للمتلقي بأي شكل من الأشكال الأدبية، المسموح به في كتابة الواو والموّال.
1- توظيف الأمثال الشعبية
لشاعر الواو والموّال الحق في توظيف المثل الشعبي في النص الأدبي الخاص به لتوصيل المعنى المراد، فالمثل الشعبي ليس ملكاً ولا حكراً على أحد ولكنه ملك الجماعة الشعبية بأسرها والشاعر نفسه يُعَد واحدًا من تلك الجماعة فله مالها وعليه ما عليها، ومن مهارة القوال أو الشاعر الشعبي الانغماس مع جماعته الشعبية واختزال كل ما لديها من أمثال ومقولات ليختزلها في نصه الأدبي مهما كان شكله، سواء مربع أو موال ولا ضير في ذلك، بل يحسب له ذلك ويقوي من نصوصه الأدبية الشعبية.
2- العبارات الشعبية المتداولة
هناك عبارات وتيمات شعبية متفق عليها يتداولها الناس وهى كثيرة، ( كل حي ونصيبه) (النصيب غلاب) (مايصينا غير المقدر) (وعد ومكتوب علينا) (ياشقاوتك ياحي) (الحي بيقاتل) (دنيا كدابة) (مسيرها تتعدّل) (بس الصبر) (العمر مين ضمنه) (ربنا كبير) (ربك عينه واسعة) (يفرجها أبو خيمة زرقة ) (الناس لبعضيها) (ماحدش عاش لوحده) (ماحدش واخد منها حاجة) (المتغطي بيها عريان) وكثيرة كثيرة هى المقولات الشعبية المتداولة التي لم يبدعها واحد معين ولم يختص بها شاعر من الشعراء بعينه، وهي من حق الشاعر الشعبي أن يستخدمها في نصوصه الشعبية وهي تحسب لمهارة الشاعر الشعبي وليس ضده.
3- تناول نفس الفكرة بطريقة مغايرة
هناك فرق كبيرة بين سرقة الفكرة وتناولها بطريقة مغايرة، فتكرار نفس التناول للفكرة يعتبر نوع من التأثر الشديد لشاعر آخر ولا أريد أن أضعها تحت بند السرقة، ولكن تناول نفس الفكرة بطريقة مغايرة وبمفردات مغايرة مسموح به في الفن الشعبي، فالفكرة كقطعة الماس تلمع من جميع نواحيها وليس بها جانب مظلم ، ولكن قد يكون هناك جانباً اكثر لمعاناً ووميضاً من الجانب الآخر ولكن هذا لا يضير أن يتناول الشاعر نفس الفكر ليخدم هدف مختلف عن هدف ومراد الجانب الاخر من الفكرة الواحدة.
4- المفردات
كلنا يعرف ان المفردات ليست حكراً على أحد، ولكنها ملقاة على قارعة الطريقة وعلى الشاعر أن يلتقطها، فمنا من يصنع بها عقدا برّاقاً جميلًا، ومنا من يصنع بها رصاصاً يقتل به الآخرين، وكل على حسب اتجاهاته وما يجول في نفسه من خير وشر، يخرجها اللسان من خلال مفردات، والمفردات ملك للجميع ولكن تختلف باختلاف تناولها.
الممنوع في كتابة الواو والموال
1- السرقة التقليدية المعروفة وهى سرقة مربع لشاعر آخر كما هو منشور أو مع تغيير مفردة أو مفردتين كنوع من الهروب من السرقة الواضحة الجلية.
2- الصعود على أكتاف التراث
هناك الكثير من الشعراء ينهلون من التراث كما ينهلون ماء من ساقية قديمة مع أن نهر الأفكار والمفردات يتجدد يوم بيوم، فلا داعي من تكرار المكرر وإعادة المعاد مع تشويه القديم والتجني والتطفل على شاعر تراثي بذل جهدًا في صياغة مربعه أو مواله ويأتي شاعر حديث ويتطفل عليه ويسرق مجهوده.
3- سرقة الصور الشعرية للآخرين
هناك الكثير من الصور الشعرية في بعض المربعات وتكون خاصة بشاعر معين وتكون وغير متداولة ويأتي شاعر اخر ويضعها في مربعه الخاص به مع أنها صورة جديدة لشاعر لم يكتبها أحد قبله وليست من المقولات الشعبية المتداولة.
4- هناك رأى خاص بي قد تختلفون فيه معي وهو أن هناك بعض الشعراء يتناولون مطلع لشاعر معروف ويسيرون على خطاه في مربعاتهم، فيصبح المبدع الوحيد هو الشاعر الأول صاحب المطلع، أما الاخرون فيعدون مجرد مقلدون فقط ولا يحسب لهم ما كتبوه على خطى المربع الأول من إبداعهم الخاص.
5- سطحية الفكرة وعدم جديتها وقصر عمر الموال والذي يقع فيها الكثير من شعراءنا الرائعين دون قصد، فيبذلون جهدًا كبير في معنى قليل، ويسهرون ليل طويل لمضمون قصير.