القمة العربية الأمريكية فى الرياض.. ضرورات استراتيجية ومكاسب للمنطقة
تمثل زيارة الرئيس الأمريكي جو بادين المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية منتصف الشهر المقبل نقلة مفصلية في العلاقات الأمريكية العربية، وتأتي لتغليب مصالح واشنطن على الشعارات الانتخابية التي أطلقها بايدن خلال الانتخابات الرئاسية التي خاضها ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، كما تحمل مكاسب استراتيجية للدول العربية المشاركة في اللقاء بالمملكة، بحسب محللين وخبراء عرب تحدثوا لـ"الدستور".
نقلة مفصلية
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي، إن: زيارة بايدن إلى الخليج تمثل نقلة مفصلية في العلاقات المصرية والعربية مع الجانب الأمريكي، وتكمن أهميتها في تجاوز الخلافات الهيكلية منذ إدارة ترامب إلى اليوم، ولا علاقة لها فقط بالملف الاقتصادي أو النفط والغاز، لكن دعم العلاقات السعودية الأمريكية وتخوف واشنطن من تمركز سعودي في خندق واحد مع الروس في الحرب الدائرة بأوكرانيا.
وأضاف فهمي في تصريحات لـ"الدستور"، أن: هذا الصراع الدولي القائم في أوروبا، أكد أن دول الخليج أصبح لديها أوراق كبيرة في اللعبة، وأبرزت التخوفات الأمريكية من خسارة الحلفاء، ولهذا سينحي الرئيس الأمريكي الخلافات السابقة.
وتابع بقوله، إن ملف النووي الإيراني سيتم مناقشته بصورة أو بأخرى، فالولايات المتحدة مسئولة عن أمن الإقليم، وجزء من أهداف الزيارة تشكيل تحالف عسكري مرتبط بالاستراتيجية العسكرية الأمريكية، ونحن أمام مصالح مباشرة فرضت نفسها على الطرفين.
وأشار إلى أن مشاركة مصر والأردن والعراق في القمة تأتي بهدف تحقيق مكاسب للجانبين، وتنبئ أيضا عن تخوف الرئيس الأمريكي من انحيازات عربية لروسيا، وبث رسائل طمأنة للجانب العربي، لافتا إلى أنه من المبكر الحديث عن نجاح بايدن أو فشله في تغيير المواقف العربية تجاه بعض الأمور، ومنها إنشاء تحالف عسكري مع إسرائيل.
ضرورة براجماتية
يرى أستاذ العلوم السياسية الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله، أن هناك ضرورة أمريكية وبراجماتية أمريكية في هذه الزيارة، لها علاقة بالحرب الأوكرانية، وفشل الاتفاق النووي مع إيران، واستمرار الحرب في أوكرانيا، وانشغال العالم بهذه الحرب، والطاقة، وحاجة العالم وليس فقط أمريكا لنفط وغاز الخليج.
وقال عبدالله في تصريحات لـ"الدستور"، إن كل هذه العوامل دفعت الرئيس الأمريكي جو بايدن للتصالح مع هذه المنطقة التي أدار ظهره لها، وتأكد أن تجاهله الخليج كان قرارا غير حكيم، لافتا إلى أن بايدن وقع بين اختيار القيم الأمريكية أو المصالح الأمريكية، لكن البراجماتية فرضت عليه الانحياز للمصالح الأمريكية، وهو ما يبرز تناقضاته حين تعهد أنه لن يساوم على القيم مقابل النفط، واتضح أن ذلك الحديث كان في سياق الدعايا الانتخابية. ولم لم تكن هذه الضرورات حتمية لما قام بالزيارة ليصافح الملك وولي العهد.
وحول دعوة دول خليجية وعربية للقاء بايدن في السعودية، أضاف أن: هذا الطلب بقدر ما هو دعوة سعودية فهو طلب أمريكي أيضا، فالرئيس الأمريكي لن يستطيع زيارة كل هذه العواصم العربية في فترة قصيرة جدا، ولهذا سيجتمع في الرياض مع قادة دول الاعتدال العربي، وحضور العراق بقدر ما هو ملفت للانتباه إلا أنه يحمل رسالة أمريكا ودول الخليج أنها لن تدير ظهرها للعراق.
وفيما يتعلق بالمكاسب العربية من اللقاء، أشار عبدالله، إلى أن الولايات المتحدة اليوم، مستعدة أن تذهب إلى أبعد ما يمكن؛ للحفاظ على شركائها وحلفائها، وهناك حاجة أمريكية للارتقاء بالعلاقات، وكسب المزيد من الأصدقاء لأنه في صراع مع روسيا، ومنافسة قد تستمر 50 سنة قادمة مع الصين.
الركود العالمي
من ناحيته، يرى المحلل السياسي الأردني الدكتور منذر الحوارات، أن القمة تأتي بدافع المصلحة الاستراتيجية الأمريكية أولا، بعد ما حدث في أوكرانيا من حرب أدت لارتفاع حاد في أسعار الطاقة، والتضخم في الولايات المتحدة ودول العالم بشكل غير مسبوق، ما يهدد بالركود الاقتصادي العالمي، وتجاوزت عن تصريحاتها السابقة المتعلقة بالسعودية.
وقال الحوارات في تصريحات لـ"الدستور"، إن واشنطن تريد جمع قادة المنطقة لغايات استراتيجية أمريكية أولا، لدفع الدول العربية والخليجية لضخ المزيد من النفط، بعد أن امتنعت بسبب علاقتها المميزة مع روسيا التي لا تريد خسارتها.
وتابع قائلا: أمريكا تريد أن تضمن منظومة دفاعية أو ربما في مرحلة ما هجومية ضد إيران، يتبلور عنها ما يطلق عليه "ناتو عربي" بوجود دولة الاحتلال هذه المرة، ورأينا إسرائيل تنشر منظومة صواريخ في دول عديدة في إطار منظومة دفاعية، ربما تأخذ الشكل الرسمي العلني، وتدفع نحو مزيد من التطبيع.
وأشار إلى أن المقايضة المطلوبة هي ضمانات أمنية للدول العربية مثل ما تفعله الولايات المتحدة مع دول الاتحاد الأوروبي، تشمل الدفاع عن الدول العربية في صد أي هجوم إيراني محتمل، لكن أمريكا في مرحلة الانسحاب الاستراتيجي من المواقع الساخنة، وربما تزيد ضخ السلاح للمنطقة، وتعطي الوكالة لإسرائيل للقيام بالدور الأمريكي.
وتوقع أن تكون النتائج مقتصرة على مساعدات أو مبيعات سلاح أمريكي، لصد داعش ودعم بعض الدول العربية، مثل الأردن لضمان عدم انحدار الوضع الاجتماعي فيه نتيجة ارتفاع الأسعار، وضمان تأمين الكهرباء والطاقة وتحجيم الدور الإيراني في العراقة.
ورجح الحوارات أن تكون القمة بمجملها من مصلحة الولايات المتحدة، والنتائج التي سيحصل عليها العرب ستكون جانبية، خصوصا مع التزام واشنطن بموقفها بعدم الانخراط في صراعات المنطقة، وأن لا تدخل صراعات عسكرية، لكنها قد تدعم عسكريًا والتجربة الأوكرانية دليل على ذلك.