رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رشدى سعيد وثورة يوليو

أكاد أجزم بأن هناك جيلًا، وربما جيلان من المصريين لا يعرفان من هو «رشدى سعيد»، ولا أُخفى على القارئ الكريم إحساسى بالتقصير الشديد إذا وصفت رشدى سعيد بأنه فقط أحد أهم علماء الجيولوجيا على مستوى العالم. هل أتحدث عنه كأحد أهم رجال الصناعة والتعدين أثناء الفترة الناصرية؟ أم أتحدث عن أحد أهم من كتب عن ضرورة تعمير سيناء، ومنذ كتابه الأول فى عام ١٩٥٧؟ أم أتحدث عن دراساته عن أزمة مياه النيل؟ ومن المهم ألا ننسى أيضًا دوره البرلمانى فى مجلس الأمة فى الستينيات، وبداية السبعينيات، ويبقى قبل كل ذلك وبعده الأستاذ الجامعى المهموم بقضايا وطنه، حتى عندما اضطر إلى ترك الوطن إلى المهجر فى أوائل الثمانينيات.

لكننا هنا سنختار قراءة مذكرات رشدى سعيد «رحلة عمر: ثروات مصر بين عبدالناصر والسادات»، لنجد أنفسنا أمام رؤية مثقف من الطبقة الوسطى المصرية لمقدرات زمنه ووطنه. وبما أننا فى طور الاحتفاء بمرور سبعين عامًا على ثورة يوليو، فأود هنا الإشارة إلى رؤية رشدى سعيد لثورة يوليو ومتغيرات السبعينيات.

فى البداية لا بُد من الإشارة إلى تقدير رشدى سعيد لعبدالناصر الذى اختاره عضوًا فى البرلمان «مجلس الأمة» ضمن العشرة أعضاء الذين يختارهم الرئيس. ولم يكن الدافع وراء هذا الاختيار كون رشدى سعيد يمثل «الأقباط»، ولكن أيضًا لأنه من علماء الجامعات المصرية. ويشيد رشدى سعيد بالعديد من مواقف ناصر، لا سيما بعد تمسكه بمسألة «مكتب التنسيق» وتوزيع الطلاب على الجامعات وفقًا لمجموع الدرجات، خوفًا من تدخل نزعات طائفية لدى البعض لاستبعاد الطلاب الأقباط، أو الطلاب الفقراء.

لكن رشدى سعيد يوجه النقد إلى تجربة ثورة يوليو بشكل عام: «عشت سنوات حياتى الناضجة مع ثورة ١٩٥٢ بكل أحداثها المتلاطمة التى شاركت فى الكثير منها يحدونى الأمل فى أن نعيد بواسطتها الثقة إلى أفكار عصر النهضة- ما بعد ثورة ١٩- وأن نطور ونصلح فيها حتى نستكمل عن طريقها المسيرة التى بدأها الآباء، وأن ندخل العصر ونبنى بواسطتها النظام الديمقراطى السليم. لكن الأحداث الكبيرة التى لاحقت الثورة، والحروب التى كان عليها أن تخوضها، والمؤامرات الخارجية والداخلية، أعاقت تحقيق هذا الأمل. وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التى قامت بها الثورة، فإن سرية وعدم شفافية الكثير من الإجراءات التى اتخذتها بعيدًا عن الرقابة، وخارج إطار المؤسسات التى أصابها الكثير من الوهن، قد أديا إلى تعطيل الطاقات، وإبعاد الكفاءات وصعود الانتهازية، وانتشار النفاق على مقاييس واسعة».

وعلى الرغم من نقد رشدى سعيد لبعض ملامح الفترة الناصرية، إلا أنه يشيد بتجربة تصنيع مصر فى الستينيات، ويرى أن ثورة يوليو انتهت مع السادات عندما عمل على تصفية القطاع العام: «تهميش الدور الذى يمكن أن تلعبه الصناعة أو حتى الإنتاج فى عمومه فى الاقتصاد المصرى، وكان هذا التهميش جزءًا من خطة متكاملة تهدف لإعداد مصر للعيش فى ظل نظام شرق أوسطى جديد».

أدعوكم لقراءة مذكرات رشدى سعيد لنفهم مصر من الداخل فى زمن ناصر والسادات.