فى ذكراه.. سر انجذاب أحمد رامى لترجمة «رباعيات الخيام»
41 عامًا مرت على وفاة الشاعر أحمد رامي الملقب بـ"شاعر الشباب"، إذ رحل عن عالمنا في 5 يونيو لعام 1981، بالقاهرة، بعد أن عاصر كل مدارس الشعر العربي الحديث، فقد تفتح وعيه في القرن العشرين على حركة الإحياء الشعري أو المدرسة الكلاسيكية الجديدة، وهي الحركة الشعرية التي أعادت الشعر العربي إلى سيرته الأولى، فأحيت تقاليده وقيمه الفنية واعتدت به ملاذًا يحمي الشخصية القومية من هجمات الغزاة ورياح الثقافات الأجنبية.
وعن التسلسل المرحلي لشعره أوضح أحمد رامي: أدين بنظمي للشعر، للغناء أولًا.. لأني أعتقد أن الصلة بين الموسيقى والشعر وثيقة إلى حد بعيد، وكان لي في صباي عود ورق، فمن صغري، مالت أذناي إلى النغم، وقد كان لهذا أثر في كبير، وكشف عما أحدثه الشعر الجديد من أثر في الشعر العربي قائلًا: دخلت ميدان الأغنية بروح الشعر وأسلوب الشعر، وأبحر الشعر، فأدخلت كل هذا في الأغنية الدارجة، بعد أن كانت على وتيرة واحدة.. هذه واحدة، ثم أن انصبابي على نظم الأغنية، دعاني إلى التنويع في أوزانها وقوافيها بحيث فتحت آفاقًا في سبيل التلحين، هذا إلى ما تناولته من المعاني السامية في النسيب لا في التشبيب، فإن النسيب هو الغزل الطاهر البريء، أما التشبيب فهو وصف مفاتن الجسد، وهذا ما كانت الأغنية الدارجة تتناوله في ذلك الوقت.
كان الشاعر أحمد رامي أول من قدموا "عمر الخيام" إلى قراء العربية، كاشفًا عما جذبه إلى هذه الشخصية الفريدة في التراث الإنساني في لقاء له بمجلة "البيان" الكويتية، بعددها رقم 31 والصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1968: أول معرفتي بعمر الخيام تمت عن طريق قراءتي لترجمة عربية لرباعياته عن الإنجليز، من ترجمة "فيتزجيرالد"، وقد راقتني معانيها وأخيلتها، ولكني كنت أحس أن الأصل الإنجليزي أقرب إلى الفارسية، لأن الترجمة إلى لغتين متواليتين تبدد الكثير من صدق الأصل، مستطردًا: بعد أن تخرجت من مدرسة المعلمين العليا، وأتقنت الإنجليزية، قرأت ترجمة "فيتزجيرالد" فلم تشف لي غليلي، فظللت أحلم أن أتعلم اللغة الفارسية ثماني سنين، حتى أوفدتني دار الكتب المصرية إلى باريس لدراسة فنون المكتبات واللغات الشرقية، فاخترت اللغة الفارسية، رغبة مني في خدمة دار الكتب لفهرسة المخطوطات الفارسية الموجودة بها، وكان في قرارة نفسي أن أدرس الفارسية طمعًا في قراءة هذه الرباعيات بلغتها الأصلية واتفق أن عثرت على نسخة من هذه الرباعيات مترجمة إلى اللغة الفرنسية نثرا، فكان هذا من أكبر البواعث لي على فهم هذه الرباعيات، لأن هذه الترجمة النثرية كانت دقيقة صادقة، وانصببت على قراءة هذه الرباعيات ودراستها والرجوع إلى المخطوطات الأخرى في مكتبات فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإيران والهند، وانتقيت من كل ما نسب إلى الخيام قرابة 175 رباعية، بعد دراسة في سبيل التحقق من نسبتها إليه، لأن بعض النسخ المخطوطة كانت تحوي أكثر من 800 رباعية، ونسخة "فيتزجيرالد" لم تتعد رباعيتها المائة.
وأضاف: عند عودتي إلى مصر، طبعتها ثانية وثالثة، حتى وصل عدد طبعاتها إلى إحدى عشرة رباعية، لحنها السنباطي وغنتها سيدة الغناء، وقد راقني في الخيام منذ أن قرأته للمرة الأولى، تلك النزعة الصوفية العميقة التي تتسلل في رباعياته، وهذا الحب للحياة والاستمتاع بمباهجها وانتهاز فرصة اليوم وعدم التفكير في الغد، يضاف إلى هذا، الإيمان العميق من ابتهال واستغفار وتوبة وعودة غلى الله، فقد كانت آخر كلمات عمر الخيام وهو يجود بالنفس الأخير "اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني.. فاغفر لي، فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك".