مداعبات وقصص.. حكايات الفنانين على مقهى الندوة الثقافية
العديد من الفنانين المصريين كانوا ضيوفا على مقهى الندوة الثقافية، وكانت لهم الكثير من الحكايات على المقهى الذي بدأ نشاطه في ستينيات القرن الماضي، وأغلق بحكم المحكمة أمس، وكان خلو المقهى من التلفاز وألاعيب التسلية كالدومينو والطاولة والشطرنج وغيرها سببا في كونها مقصدا للفنانين والأدباء وفي التقرير التالي نستعرض أهم الفنانين الذين كانت لهم حكايات على المقهى.
أحمد زكي
في 1970 عرف أحمد زكي مقهى الندوة الثقافية، وقتها كانت تعرض مسرحية "هاللو شلبي، جاء الإمبراطور للمقهى وجلس وكان متواضعا جدا، ولم يكن معروفا في هذا الوقت بقوة كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي وأصبح واحدا من أفضل نجوم السينما في مصر.
اقترب زكي من المقهى ونادى على العامل وسأله عن الصحفي محمد تبارك، فأخبره أنه على وصول إن كان يحب انتظاره، فأجابه أنه سينتظره وطلب كوبا من الشاي.
وما كاد زكي ينتهي من كوب الشاي حتى أقبل محمد تبارك، فقابله عامل المقهى ليخبره أن هناك مَن ينتظره، وأشار إلى أحمد زكي، فأجابه تبارك بأنه يعرفه واتجه إلى أحمد زكي الذي قام واقفًا فصاح محمد تبارك:" أهلا بالفنان الكبير"، ليجيبه أحمد زكي:" لا.. أنا لسه صغير ع الفنان الكبير دي".
تحدث تبارك وزكي ما قيمته ساعة كاملة، وشكا زكي لتبارك عما يلاقيه من مصاعب في الحياة، كان هذا قبل دور أحمد زكي في مسرحية مدرسة المشاغبين بثلاث سنوات، فالمسرحيّة تم تقديمها عام 1973.
بعد عرض مدرسة المشاغبين جلس أحمد زكي على مقهى الندوة الثقافية، لكن في هذه المرة كان معروفا بعض الشئ وبدأ اسمه في الانتشار وكانت خطواته التي رسخت اسمه كواحد من ألمع الفنانين في مصر.
انتهى الدرس يا غبي
من ضيوف المقهى كان أبطال العرض المسرحي "انتهى الدرس يا غبي"، المسرحية التي عرضها على مسرح الليسيه عام 1975 بباب اللوق، من بطولة الفنان محمد صبحي وهناء الشوربجي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن، من تأليف لينين الرملي وإخراج السيد راضي.
طاقم المسرحية كان لسنوات وسنوات يجلس في مقاهي وسط البلد وباراتها قبل العرض المسرحي وبعده، وكان وجودهم يكسب للمنطقة حسًا مميزًا، فمن ذا الذي يجلس عنده المليجي أو توفيق الدقن ولا يكون سعيدا، كان الفنان محمود المليجي، متواضع لدرجة غريبة، فعند دخوله للمقهى ينظر في وجوه العاملين والزبائن الموجودين، بعكس صديقه توفيق الدقن الذي أول ما ينظر إليه عند دخوله إلى مقهى الندوة الثقافية هى النصبة، سائلًا المعلم سعيد: "بتعملوا قهوة كويسة" ليجيب عليه سعيد، كله موجود يا بيه، الكبيرين المليجي والدقن، كانا هما من فريق مسرحية "انتهى الدرس ياغبي" يخرجان سويًا، ويجلسان على المقهى مع بعضهم البعض، فكان الدقن يريد الجلوس بالبارات وكان بار الحرية هو أقرب بارات وسط البلد لقلب توفيق الدقن، عكس المليجي الذي يحب المقاهي وكانت قهوتي "ريست رانت" و"الندوة الثقافية" أحب المقاهي القريبة إلى قلبه..
طلب المعلم سعيد ذات يوم من الدقن أن يقص له مسرحية انتهى الدرس ياغبي، فرد عليه الدقن قائلًا: "يا سلام يا خويا مانمثلهالك أحسن" الموقف الذي أحرج سعيد، ليضحك بعدها الدقن، فقال له تعالى ياسيدى بكرة أنا عازمك، فأجابه سعيد: الله يكرمك بس مش هقدر عمي "هيعلّقني"، كان المليجي مستمعًا لذلك الموقف ولم يتدخل حتى قصها لسعيد وقال له: "شوف ياسيدي أنا دكتور واسمي فريد في الدور بكتشف أنه فيه جزء في مخ الإنسان، ممكن يخلي الانسان أكثر ذكاء وبنتي هناء الشوربجي، بتجيب متخلف في الدور واسمه سطوحي ودا الفنان محمد صبحي، فبنلاقيه غبي، فبراهن صاحبي اللى جنبي دا على أنه هيكون ذكي بعد العملية وبس يا سيدي".
قص المليجي المسرحية على فتى عامل في المقهى دون خجل، قصها عليه وكأنه ابنه أو صديقه، سعيد وقتها كان لا يتجاوز الـ 20 عامًا، كان يرتدي ملابس متواضعة خاصة بالعمل والمليجي بشخصه ونجوميته لم يفكر لو لثواني في كسر خاطر الفتى، يقول سعيد إنه كان يوجه أغلب كلامه للدقن عند قدومهم ويتحاشى المليجي، ورغم معرفته كامل المعرفة بأن الدقن من الممكن أن يحرجه أو يرد عليه ردًا غير مألوف وكان الفتى سعيد وقتها لهيبة المليجي.
يحيى العلمي
كان المخرج الشهير يصطحب معه المنتج حسن موافي، فقد كانا نزيلين دائمين على المقهى، بعد تناولهما وجبة المشوى من محل "شلبي" المجاور لمقهى الندوة الثقافية، وكان يغضب إذا سأله أحد زبائن المقهى "التلفزيون أحب أم السينما ؟"، فذات يوم، حضر نقاش بين أحد الصحفيين الموجودين والمخرج يحيى العلمي، فسأله الصحفي نفس السؤال، أثناء تنزيل مشروب القهوة المظبوط والشيشة التمباك للمخرج، وجاء رده للصحفي، كيف تصحف وتسأل خطأ، إن المسرح والسينما والتلفزيون ولو طرأ جديد يقدم الفن لذهبت إليه لعرض فني من خلاله.
كان يحيى العلمي كان شره في تدخين الشيشة التمباك، فكان يحرق 10 حجارة من المعسل الملتهب، وسط حديثه مع أصدقائه المتعددون، بين الصحفي مجدي تبارك مدير قسم الفن في جريدة أخبار اليوم والمنتج حسن موافي، والمخرج أحمد السبعاوي.
وحيد سيف
كان وحيد سيف كريما جدا، ويصفه صاحب مقهى الندوة الثقافية في تصريحات سابقة لـ"الدستور" بأنه لم يجد أسخى أو أكرم من الفنان وحيد سيف خصوصًا مع البسطاء من الناس، ولو سأله سائل لمنحه حتى وإن كان ما سيمنحه له آخر ما معه من نقود.
كان يملك حس الدعابة، وحي عمل على مسرح الريحاني كان ضيفا على مقهى الندوة الثقافية وقت فيلم الملكة وأنا في عام 1975 والذي كان يلعب فيه دور بطولة ثانية بجوار الفنان محرم فؤاد وملكة جمال لبنان جورجينا رزق وليلى حمادة، وعن المواقف التي جمعته بصاحب المقهى، فقد جلس وحيد سيف في مرة ومعه محرم فؤاد، وصاح:" عاوز قهوتين واحدة لي والتانية مظبوط للفنان لتكون متعرفوش فأجابه المعلم سعيد صاحب المقهى:" لا إزاي هو زيك مين ميعرفش الفنان محرم فؤاد، فبدعابة غالبها الضحك بصوت عال من الفنان وحيد سيف قال له غلبتني يا سعيد".
ومن هنا أصبح الفنان وحيد سيف صديقا للمعلم سعيد وليس مجرد زبون، فيشير إلى أنه كان يوده في المناسبات الرسمية وكان يتصل به للاطمئنان عليه.
يحيي الفخراني
كثيرًا ما أخذته قدماه بعيدًا عن عدسات الكاميرات، ومواقع التصوير، ليستقر على مقهى بسيط في قلب وسط البلد، تلك المنطقة من القاهرة، الزاخرة بالعديد من الحكايات عن كبار الأدباء والفنانين والمفكرين في تاريخ مصر الذين ما فتئوا يترددون عليها منذ فجر القرن الماضي.
كان الفنان يحيى الفخراني، على رأس الفنانين الذين يأتون إلى مقهى الندوة الثقافية من حين لآخر، وكان يتصف بالخجل وحسن المعاملة، والتواضع، الذي لم يره في مشاهير كُثر.
يروي المعلم سعيد، تفاصيل بسيطة عن يحيى الفخراني، والتي عند توقفنا أمامها نتعرف على الخيوط الخفية في شخصية النجم الكبير. يقول "سعيد" أنه عندما يقدم للفخراني مشروبه المفضل "قهوة سادة وشيشة تمباك": "لو كان يضع إحدى رجليه على الأخرى، فإنه ينزلها على الفور، احترامًا وتقديرًا للمقبل عليه، وإذا طلب شيئا من الخارج طلبه بطريقة في غاية الأدب والخلق، وإذا أتاه السايس وقف له".
صار "الفخراني" يتردد على المقهى منذ مطلع الألفية الجديدة، وتحديدًا عقب عرض مسرحية الملك لير في نسختها الأولى بالمسرح القومي، كما يروي العم "سعيد"، وقد كان يتعمد الجلوس بمفرده في المقهى وقت قراءته للنص. ويوضح سعيد أن "الفخراني" تردد طيلة أيامه الواصلة لشهرين أو أكثر، يتبدل حاله وقت القراءة وتتبدل ملامحه من الرجل المبتسم، صاحب الضحكة الطفولية المتواضعة إلى شخص آخر من شدة تركيزه يغلب على وجهه الغضب "التكشير"، حتى أن الواحد يخاف مقاطعته أثناء القراءة.
يشتهر "الفخراني" بحبه لـ "الشيشة التمباك" وكان شره التدخين، ولعله كان يدخن الشيشة منذ شبابه ووقت الجامعة. يقول "سعيد" أن "الفخراني كان كثير التدخين وكرات دخان المعسل التمباك قريبة منه بإستمرار فهو كان يحب حجر المعسل الساخن.