أقدم مكوجي بالدلتا: المهنة ستندثر وأفخر بأني مكوجي الأمراء والقراء (فيديو)
تعد مهنة «المكوجي» واحدة من أقدم المهن في مصر، وفي السابق لم يهتم بها سوى الملوك والرؤساء، حتى وصلت عامة الشعب المصري مع ثورة يوليو 1952، واعتمدت في بدايتها على نوعين فقط، المكواة اليدوية والمكواه بالقدم "المكوة الرجل"، وتنوعت الأشكال والأنواع ودخل التطور العلمي في تصنيعها حتى وصلت لما هي عليه الآن من الأشكال الحديثة المتنوعة، وتم تجسيدها في الروايات والأفلام السينمائية والدراما كجزء أصيل من التراث المصري الراقي.
وتعد مهنة الكي بـ"الرجل" من أقدم المهن الموجودة في مصر، وهي في طريقها للاندثار رغم أنها الأداة الأقوى في الكي، بسبب التقدم الكبير الذي شهدته مهنة المكواة حديثًا بعد ظهور الأشكال الحديثة المتعددة، والآلات الحديثة التي يستخدمها المكوجي الحديث، إلا أن البعض من أصحاب تلك المهنة مازالوا متمسكين بها برغم قلة دخلهم، بل وأصبحت محال "مكوجي الرجل" نادرة لكن تتميز بتردد أنواع معينة من المواطنين عليها وحرصهم على كي ملابسهم فيها، ومازال هناك الكثير يحرصون على كي ملابسهم عند "مكوجي الرجل" حتى الآن.
حظيت المهنة باهتمام وإقبال كبير من الرجال والسيدات من مختلف الأعمار والمناصب خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، لذلك كانت مربحة، لكن مع مرور الوقت وظهور الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي، بدأت تتراجع أهمية مكوجي الرجل، لكن هذا لايعني أن هذه الشخصية المهنية الرائعة قد اختفت نهائيًا، فما زال لها "زبونها" الذي يعشقها ولا يشعر بأناقته سوى بلمسة مكواة الرجل على ملابسه.
«الدستور» تواجدت داخل مدينة طنطا، وبالتحديد عند أقدم محل مكوجي رجل بمحافظة الغربية، محل هاشم العتيق والذي يمتلكه ويديره حاليًا الأسطى ربيع عبد الله علي هاشم، والذي يبلغ من العمر 64 سنة، يطلق عليه أهالي منطقته، مكوجي الشيوخ والقراء والزعماء، وهو أمر يفخر به، استطاع رغم كبر سنه أن يحافظ على هذه المهنة ويواصل العمل فيها بعدما ورثها هو وأخواته من والده وأجداده، ترك الدراسة في الأزهر وعمره 6 سنوات من أجل العمل فيها حتى اتقنها جيدًا، ثم توفي شقيقه وترك له المحل بمفرده، وفق ما بدأ به ربيع حديثه.
"بدأ أبي العمل في هذه المهنة منذ عام 1906، فأجر والدي هذا المحل بعد أن تعلم على يد جدي وبدأ في العمل عقب تجهيزه، وكان يعمل في هذا المحل عشرات العمال الذين أتقنوا المهنة جيدا من هنا ثم افتتحوا محلات الخاصة بهم، إذ يعتبر هذا المحل هو الأكاديمية التي تخرج منها العديد من أساتذة هذه المهنة".
وأوضح، أن عددا كبير من الشيوخ والقراء المشاهير مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ الحصري والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ سيد النقشبندي، علاوة على عدد كبير من العمد بجميع مراكز ومدن المحافظة كانوا يقومون بكي ملابسهم في هذا المحل، ومازال هو يحافظ على وجود مثل هذه النوعيات للتعامل مع محله.
وأضاف "عم ربيع"، أن الترزي الخاص بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، كان يتعامل معهم لكي ملابس الراحل، وكان دائما ينقل لهم إعجابه الشديد بطريقة الكي الخاصة بهم، وأن أسرة السادات من مَن يرتدون الجلباب مازالوا يترددون على المحل لكي الملابس البلدية والعربية، رغم أنهم من محافظة المنوفية.
وأكد أقدم مكوجي بالدلتا، أنه لم ولن يترك المهنة بالرغم من ظهور تلك الآلات الحديثة، والمحل ما زال على طرازه القديم منذ أكثر من 100 عام، موضحا أنه لم يدخل على المهنة أي تجديد، وكل ما قام بتغييره هو الانتقال من استخدام «الغاز» في تشغيل الفرن، الذي تسخن فيه المكواة، إلى العمل بأنابيب الغاز الكبيرة.
وأضاف: "المكواة مكونة من عنصرين هما الحديد والزهر، بالإضافة إلى قطعة من الخشب تثبت فوقها لوضع القدم عليها، موضحا أن أي مكواة حديدية يجب تسخينها من 5 إلى 10 دقائق على (وابور الجاز) حسب الحجم والوزن قبل أن ترفع ويتم مسحها جيدا بقطعة قماش ثم يبدأ الكي، مشيرًا إلى أهمية أن يضع المكوجي قدمه على المكواة في أثناء الكي لمزيد من الثقل والضغط على قطعة القماش، مع انحناء المكوجي في أثناء الحركة بكل جسمه على ذراع المكواة".
واستطرد، أن درجة حرارة المكواة نعرفها بالخبرة دون الاعتماد على أجهزة قياس، فلكل قطعة ملابس ما يناسبها من حرارة ومن طريقة رش ماء حسب نوع القماش، فالصوف يحتاج إلى أن تكون المكواة في أعلى درجة ممكنة بينما الحرير العكس.
وأوضح، أن المكواة الحديدية تعد آلة نموذجية لا تتعطل وغير مكلفة، وتظل صالحة للعمل عشرات السنين طالما يتم الحفاظ عليها من الصدأ، بينما المكواة الحديثة التي تعتمد على الكهرباء والبخار لها عمر افتراضي، وتستهلك طاقة ما يجعل المكوجي يحمل الزبون ثمن كل هذا من خلال زيادة أسعار الكي.
ولفت، إلى أنه مع مرور الوقت تنخفض كمية الملابس التي يقوم بكيها يوميا، وبشكل تدريجي، وبالرغم من أن أسعاره لا تقارن بالأسعار التي يدفعها الفرد لشراء احتياجاته الخاصة، فمثلا سعر كي البالطو 20 جنيه، القميص أو البنطلون من 3 إلى 4 جنيه، أما الجلباب فيحدد سعره وفقا لنوع القماش.
واختتم عم ربيع حديثه قائلا: "لهذا المحل تاريخ كبير في هذه المهنة التي عرفها المصريون منذ مئات السنين، لم أتركه يوما بالرغم من قلة الإقبال عليه، وسأظل أحافظ عليه ومهنتي حتى ألقى الله وكنت أود أن يتوارثها أبنائي من بعدي، وبالفعل بدأت في تعليمهم ولكن أحدهم عمل كمحام ورفض العمل في المهنة والآخر يعمل مدرس ويحبان الكي ولكن لن يمتهن هذه المهنة التي ستختفي بموت من هم في أعمارنا.