رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لم تكن لدي أم كسائر الأطفال

أونوريه دي بلزاك.. ظل يشعر بالجوع طيلة حياته جراء قسوة والدته

بلزاك
بلزاك

 تحل اليوم ذكرى ميلاد أونوريه دي بلزاك،، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1799، والذي يعد رائد من رواد الواقعية الاجتماعية في الأدب والرواية، وعلم كبير تزهو به فرنسا في تراثها الأدبي العريق. 

تباينت الآراء في نقد أو مدح بعض من أعماله من حيث مغزاها تارة وأثرها في نفوس القراء تارة أخرى. وحتى على مستوى اللغة التي كتب بها، لكن دائما كان هناك شيء واحد لم يختلف فيه اثنان ألا أنه كان قادرا بعبقريته الفذة من خلال كلماته، وأسلوبه وصوره، ووصفه، كان قادرا على أن يبعث الحياة في الحجارة، وعلى أن يجعل البيوت والأشجار والأشياء تبدو وكأنها تتكلم.

أونوريه دي بلزاك يعد أحد جبابرة العقل والقلم في التاريخ، والذي كان في كتباته رساما لصور الحياة بقلمه كما يصورها الرسام ريشته، بكل ما في هذه الحياة من واقعية من حيث القبح والجمال ومختلف المتناقضات. وحياة بلزاك وأطوارها وصعوباتها وتقلباتها وشدتها ورخاءها لا تنفصل أبدا عن أدبه، بل كان أدب أونوريه دي بلزاك تجسيد لواقع مشاهداته الحياتية الحية واليومية. كان أدب بلزاك محصلة لرحلة كفاح أصر صاحبها على النجاح فيها مهما كان الثمن ومهما كانت الموانع والعقبات، ومهما تعددت محطات الخيبة.

ــ أبرز المحطات في حياة أونوريه دي بلزاك

ولد أونوريه دي بلزاك في سنة 1799 بمدينة تور في فرنسا خلال الثورة الفرنسية، وكانت وفاته في سنة 1850 أي أنه عاش 51 سنة فقط، لكن إنتاجه الغزير جعله يحتل تلك المكانة المتميزة في تاريخ الأدب الفرنسي والعالمي.

عانى بلزاك في طفولته من تلك الشخصية العصبية لوالدته، والتي بلغت في بعض الأحيان إلى الإهمال والقسوة في معاملته والتشدد في مراقبته، مما أثر في تكوينه الفكري والنفسي. هذه الأم تركت ولدها بلزاك لدى حاضنة كانت تقيم في مكان بعيد عن بيت العائلة، وكانت نادرا ما تقوم بزيارته هناك. وعندما بلغ سن الثالثة أرسلته والدته مجددا إلى مدرسة داخلية ظل فيها حوالي 6 سنوات لم تزره والدته خلال هذه السنوات إلا مرتين فقط.

يتحدث أونوريه دي بلزاك عن أمه التي لم يغفر لها أبدا قائلا: “من يخبرني عن ذلك الأذي البدني والنفسي الذي لحقني نتيجة مشاعر أمي الباردة، فلم أكن أمثل لها سوى طفل جاء نتيجة واجب زواجي عابر. هل كانت ولادتي مجرد صدفة كي أرسل إلى حاضنة في بلدة بعيدة ويتم إهمالي من أسرتي لمدة ثلاث سنوات، وعندما عدت إلى المنزل لم أجد أنهم يشعرون بأي أسي من أجل ما فعلوه بي.” لينهي بنوع من الأسي قائلا: “لم تكن لدي أم أبدا كسائر الأطفال".

يحلل الكاتب “أندريه دي مروا” وهو من أهم من كتبوا سيرة بلزاك النفسية، أثر هذه الفترة والمعاملة القاسية من والدة أونوريه دي بلزاك، قائلا: “إن هؤلاء الأطفال الذين يشعرون بأنهم مرفوضون من قبل ذويهم دون أن يعرفوا لماذا، يتوقون أكثر من غيرهم للانتصار على العالم من أجل تعويض إحساسهم العميق بالفقد المبكر الذي حدث لهم".

ومن جانبه يقول “أنطوني ستور”الكاتب والعالم النفسي والذي وضع دراسة نفسية تحليلية حول  أونوريه دي بلزاك، ويتحدث محللا الحالة النفسية التي أصابت بلزاك جراء معاملة أمه السيئة فيقول: “ظل بلزاك طيلة حياته لا يشعر بالشبع، بل ظل في حالة جوع دائم إلى الحنان والحب، كما لو كان هناك فراغ لا نهائي في داخله، ولا تستطيع أي كمية من المدعمات الخارجية أن تملئه".

تشبه طفولة أونوريه دي بلزاك والمعاملة السيئة من قبل والدته إلى حد كبير يكاد يتطابق مع الظروف الحياتية القاسية في الفترة المبكرة من حياة الفيلسوف والمفكر الألماني “شوينهاور” وخاصة فيما يتعلق بالمعاملة السيئة والإهمال من قبل والدة كلا منهما. ففي حالة “شوبنهاور” كان والدته “يوهانا” شديدة القسوة عليه مهملة له على النقيض من والده الذي كان يعوضه العطف والحنان، بينما في حالة أونوريه دي بلزاك، كانت الأم هي مصدر الشقاء بالنسبة له، سواء في إبعادها عنه وإهمالها له والقسوة في معاملته في الفترات القليلة التي كانت بجانبه. كما ينطبق الأمر أيضا فيما يخص قسوة الأم وإهمالها وسوء معاملتها في حالة “كافكا”.