«القاهرة وما فيها».. «زوبة الكلوباتية» الراقصة التى ظهرت منتجات استهلاكية باسمها
في كتابه المعنون بــ “القاهرة وما فيها”، والذي صدر عن الدار المصرية اللبنانية للنشر بعد رحيله بعدة أسابيع، ينقب الكاتب الروائي مكاوي سعيد ويبحث في أماكن وشخصيات عاشت في مدينة القاهرة، والتي وقع اختيار منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ــ الإسيسكو ــ عليها لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية للعام الجاري ٢٠٢٢.
يقدم مكاوي سعيد في كتابه “القاهرة وما فيها” حكايات وطرائف عن شخصيات سياسية وأدبية وفنية عاشت في القاهرة، وحققت من الشهرة والنجاح وسلطت عليها الأضواء، ومن بين هذه الشخصيات، الفنانة “زوبة الكلوباتية”.
يقول “مكاوي”: في منطقة درب سعادة بالدرب الأحمر ولدت “زينب حسين”، ومن صغرها كانت حلوة مثل القمر، بيضاء مثل لهطة القشدة، عيون مفنجلة وشعر نازل لحد الركبتين، وقوام مثل الغزال. وعند بلوغها الثالثة عشرة تقدم لها “كلوباتي” نسبة إلي مهنة من يشعل الكلوبات في الأفراح، وتزوجته علي عادة تلك الأيام دون أن تراه.
تقول زينب حسين: بعد ما دخلت علي جوزي واتستت في بيت العدل، شوية ولاقيته بيسهر كل ليلة في فرح عشان يولع الكلوبات، ويرجع وش الصبح ومعاه رقاصة الفرح وداخل بيها البيت وهو سكران، أنا أشوف الرقاصة أروح فاقعة بالصوت، الناس تتلم يروح بسلامته مطلع قسيمة الزواج أو عقد عرفي من جيبه، ويقول أنا متجوزها علي سنة الله ورسوله وما حدش له حاجة عندي."
ــ زواج “زوبة الكلوباتية” عليها أكثر من مرة يدفعها إلي عالم الرقص
ويستطرد “مكاوي”: وتزوج زوجها وهي علي ذمته، زيجات كثيرة بعضها لا يستمر بضعة أيام، حتي ضجرت وسألته: إنت إيه اللي عاجبك في جواز الرقاصات؟ أجابها: أنا مبحبش الست الخام، أنا عاوز واحدة ترقص وتغني عشان تبسطني ده الجواز انبساط.
وكعادة السيدات المصريات زمان في مفهومهن عن إرضاء الزوج، قررت زينب مفاجأته وجلب السرور إلي قلبه، "بقي هو يخرج من هنا أروح واخدة ملايتي وعلي بيت خديجة الونش العالمة عشان تعلمني الرقص والمغني. ولما ييجي جوزي من الشغل أرقص له وأغنيله. في الأول انبسط ومبقاش يجيب رقاصات آخر الليل، لكن لما عرف إني بتعلم عند واحدة عالمة طلقني.
ويعقب “مكاوي”: وهكذا بعد أن تحولت زينب إلي أداة انبساط في محاولة لإرضاء زوجها، طلقها ليواصل سعيه خلف الراقصات والعوالم خارج بيت الزوجية، وخرجت زينب التي كانوا يدلعونها بـ “زوبة” من هذه الزيجة بخفي حنين، هما الرغبة في أن تصير راقصة محترفة، واللقب الذي لازمها حتي النهاية “زوبة الكلوباتية”.
وبعد طلاقها تلقفتها العالمة “خديجة الونش” وانطلقت بها إلي فرح في السبتية لتغني “لأن صوتها حلو” وأجلستها وسط الفرقة ووضعت أسفلها ثلاث وسادات حتي تبدو كبيرة، لكن بمجرد ما سمعت زوبة نقرات الطبلة، لم تتمالك نفسها ونزلت دون إذن لترقص، ففتن الناس برقصها وجسدها الثعباني، واعتمدت راقصة من الليلة الأولي، ثم أصبحت ترقص وتغني كعادة الغواني زمان ومن أغانيها حينذاك “أعلمك ضرب النبلة .. وأول ما ترمي ترميني”، و"يا باشا كلك شربات وبغاشة"، و"يا جميل يا بو خاتم ومنشة.. قلبي مايل لك بس أنا كاشة" وذاع صيتها وانهال عليها الطلب من الصالات المهمة، مثل: صالة عماد الدين وماجيستك وروض الفرج، وفي إحداها شهدت رجلا مخنثا كان شهيرا في هذه الملاهي بأنه يرقص ببدلة رقص نسائية ويضع علي رأسه الشمعدان، وقررت أن ترقص به، ومن الصباح انطلقت إلي “النحاسين” وعملت شمعدانا ضخما من خمسة أدوار “وزنه عشرة كيلو” وخلال أسبوع رقصت به واهتمت بها الصحافة وصارت أول راقصة ترقص بالشمعدان، وسرعان ما ظهرت مواهبها الأخري مثل الرقص وعلي رأسها “شيشة مولعة والمبسم في فمها” تأخذ نفس وتهز هزة، والرقص علي رأسها صينية مملوءة بأكواب الشربات وتدور وتنحني للمعازيم ليشربوا من رأسها، وحنت للماضي فوضعت عصا علي كتفيها ودللت من طرفيها “كلوبين منورين” وراحت ترقص بهما، ثم تفننت أكثر وصارت لها رقصات باسمها، مثل: “الفشخة” و “القلبة” و"شمعة البحر"، دون أن يتقلق الشمعدان أو أن ينطفئ شمعه.
وظهرت زوبة في بعض الأفلام، مثل “فتاة السيرك”، “الخمسة جنية”، وأيضا في فيلم ألماني عن الرقص الشرقي بمشاركة “تحية كاريوكا”، وهي الراقصة الوحيدة التي ظهرت منتجات استهلاكية باسمها مثل : “قماش زوبة” ، “مناديل زوبة”، “فناجين زوبة”، وتماثيل لها يبيعونها في مقابل زجاجات المرطبات الفارغة قبل موضوع “شكوكو بإزازة” ولما أقامت لمدة سنتين بمدينة بورسعيد، البورسعيدية عملوا أغنية لها وهي “مين بيشوف زوبة.. مين بيحب زوبة .. زوبة تحب كل الناس”، وزوبة الكلوباتية لها الفضل في اكتشاف الراقصة “نعمت مختار” وما أدراك ما نعمت مختار. من يرد أن يستمتع فليشاهد فيلمها “المرأة التي غلبت الشيطان”، وفي برنامج تليفزيوني عام ٢٠١٤ قالت الراقصة “لوسي” أن والدتها تاهت وهي صغيرة وزوبة الكلوباتية هي التي ربتها. ولولاها أيضا كان من الممكن ألا تظهر عندنا الراقصة والنجمة “لوسي” ولكان هذا خسارة فنية بلا جدال.