وزير الأوقاف: فى إخفاء ليلة القدر حكمة إلهية
ألقى وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، خطبة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان اليوم 28 رمضان 1443 هــ الموافق 29 / 4 / 2019 م بمسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) بالقاهرة، تحت عنوان: "حسن الخاتمة" بحضور اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة نائبًا عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، واللواء محمود سيد شعراوي وزير التنمية المحلية، ومحمد محمود سعفان وزير القوى العاملة، والدكتور هشام عبدالعزيز علي رئيس القطاع الديني، والدكتور خالد صلاح مدير مديرية أوقاف القاهرة، ولفيف من قيادات الوزارة، وجمع غفير من المصلين.
وفي خطبته أكد محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن التقوى هي الغاية الأسمى من الصيام كما قال الحق سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وفي الأصل هم مؤمنون، والمعنى ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، وتقوى على ما هم فيه من التقوى، والتقوى كما قال عنها بعض أهل العلم: هي الخوف من الجليل (عز وجل) والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، بأن يولِّد الصيام في العبد حسن المراقبة لله سبحانه والخشية منه، يقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، وعلينا أن نسأل أنفسنا هل ازددنا حبًا للطاعة وبعدًا عن المعصية؟ فإذا تحقق ذلك فقد حقق الله لنا التقوى.
وقال إن من كان يأكل الحرام سواء بغشٍ أو احتكارٍ أو سرقةٍ أو اختلاسٍ أو رشوةٍ أو غير ذلك، هل عاهد الله أن يكف عن هذه الطرق المحرمة؟، من كان يكذب قبل رمضان، هل عاهد الله على الصدق وأقلع عن الكذب وأقلع عن أذى الناس؟، هل سابق في الطاعات وتسابق في ترك المعاصي؟، من تحقق له ذلك فقد استفاد من الصيام وقراءة القرآن، يقول الحق سبحانه: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" فهل استفدنا من قراءة ومدارسة القرآن الكريم وتحول ذلك إلى سلوك، كما سُئِلَتْ السيدة عائِشةُ (رضي الله عنها) عن خُلُقِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، فقالَتْ: "كان خُلُقُه القُرآنَ" حيث كانت أخلاقه وسلوكياته ترجمة عملية لآداب وشرائع القرآن الكريم.
كما أكد أن بعض الناس إذا مضت ليلة السابع والعشرين ظن أنه قد قضى نحبه ولم يعد بنفس الحماس الذي بدأ به الشهر ظنًا أن ليلة القدر قد مضت، وهنا نقول له هل قالت السيدة عائشة (رضي الله عنها) كان إذا دخل السبع أحيا ليله؟، أم قالت: "أنَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ"؟، بل كان (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) يجتهد كل العشر، فعلى المسلم أن يسابق الزمن وكلما أوشك الشهر على الانتهاء فكأن خيرًا يتفلت منه فيزداد اجتهادًا في الطاعة والعبادة، فلنجتهد في الأيام الأخيرة كاجتهادنا في أول رمضان أو أشد، فالفرصة سانحة لنيل رضوان الله (عز وجل)، فإذا ضيعنا الأيام الباقية فمن أين نعوضها، كما أن أمر رسول الله (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) كان واضحًا بأن نتحرى ليلة القدر في الليالي العشر الأواخر منه وليس في الليالي السبع الأواخر منه، فليلة القدر كما يمكن أن تقع في ليلة السابع والعشرين، يمكن أن تقع في ليلة الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو الثلاثين، وفي إخفاء تحديدها حكمة إلهية وهي أن نجتهد في كل هذه الليالي وليس في ليلة واحدة، بل إن السعيد إذا وفقه الله لليلة القدر شرح صدره لمزيد من الطاعة، وكان النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) يحيي الليالي العشر كاملة حتى ليلة الثلاثين، بل أبعد من هذا وهو إحياء ليلة العيد التي يغفل كثير من الناس عنها، والثواب في ساعات الغفلة أعلى، ذلك أن النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) يقول: "وإنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ".
وأوضح أن الناس كما يجتهدون في الطاعة والقيام والتراويح وقراءة القرآن عليهم أن يكملوا ما بدأوا به الشهر من الإنفاق وتقديم المساعدة للفقراء والمساكين، حيث إن الفقراء يحتاجون الطعام والغذاء في آخر الشهر كما كانوا يحتاجونه في أوله ، فعلينا مواصلة ما كنا بدأنا به الشهر الكريم من الإطعام ، بل علينا أن ننظر إلى ما هو أبعد من الإطعام، فهل فكر أحد أن يكسو بعض الفقراء كما يكسو أبناءه؟ ، ليُدخل الفرحة على الفقراء والمساكين والأيتام في هذه الأيام المباركة، حيث وردت الآثار بفضل إغنائهم عن الطواف والسؤال في هذه الأيام.
فمن واجب الوقت إطعام الطعام وإكرام الفقراء والمساكين والأيتام فيما تبقى من أيام هذا الشهر وفي أيام العيد لنغنيهم عن الحاجة إلى سؤال الناس، فمن ذاق عرف ومن عرف اغترف ولم يتوقف، والعبرة بالخواتيم، وكان نبينا (ص) يقول: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ "وعن عائشة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أنها قالت: يا رسول اللَّه، إنك تُكثر أن تدعو بهذا الدعاء؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عز وجل فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ".