رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب العالمية الأولى

لا أدرى هل انتبه البعض إلى التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسى «لافروف» أم لا، حيث حذّر من «خطر فعلى» لاندلاع حرب عالمية ثالثة! وربما يأخذ البعض هذا التصريح فى إطار الحرب الدبلوماسية بين روسيا والغرب، وبالتالى فهو مجرد تصريح لا يجب أن يؤخذ على محمل الجد.. وربما يكون فى هذا الرأى بعض الصواب، ولكن لا يعلم البعض أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأنه من السهل بدء الحرب، ولكن الأصعب السيطرة عليها، أو حتى إيقافها، فلم تكن أى قوة من القوى العالمية التى اشتركت فى الحرب العالمية الأولى، أو حتى الثانية، تتخيل فى بداية الحرب أن كرة الثلج ستتدحرج بهذا الشكل، وأن الأمور ستصل إلى هذا الكابوس المريع الذى عرفته البشرية لأول مرة تحت اسم «الحرب العالمية»، هذا الكابوس الذى حرص العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ على تجنبه!

وبالقطع تختلف الوقائع التاريخية عن بعضها فى تفاصيلها، لكنها تتشابه ربما فى خطوطها العامة، لا سيما عند الحديث عن «قانون الحرب»، وهو أقدم فعل جماعى فى تاريخ البشرية؛ إذ يتشابه الوضع الحالى مع عالم قبيل الحرب العالمية الأولى فى عدة أمور، لعل على رأسها صراع الأقطاب الدولية والرغبة فى إرساء قواعد نظام عالمى جديد، إذ رفضت كل من ألمانيا وإمبراطورية النمسا والمجر قواعد اللعبة القديمة التى لا تخدم مصالحها، وعقدتا العزم على صناعة عالم جديد.

ومن المتشابهات أيضًا سباق التسلح الرهيب الذى يسبق عادةً الحروب الكبرى، وبالقطع كان الغرض الأساسى من سباق التسلح هو الردع، لكن الجيوش فى حاجة لتجربة الأسلحة الجديدة، والجيوش عندما تستمر فترات طويلة بلا حرب تصبح خطرًا على السياسة.

الأمر الآخر فى المتشابهات بين عالم عشية الحرب العالمية الأولى والعالم الآن هو علو روح العداوة بين الدول بعضها البعض، من خلال بعث النعرات التاريخية التقليدية بين القوميات، والادعاء بالحقوق التاريخية، وبث ذلك فى الرأى العام عن طريق الصحف والمناهج الدراسية، واستثمار ذلك فى خطب الزعماء.

وعادةً ما تبدأ الحرب العالمية بداية متواضعة من خلال اعتداء دولة كبرى على دولة صغيرة مجاورة، تمثل لها مشكلة قومية واستراتيجية، ويظهر ذلك فى اعتداء إمبراطورية النمسا على الصرب، وأيضًا اعتداء ألمانيا على بلجيكا.

وبدأت الحرب العالمية الأولى بداية متواضعة، إذ رسمت ألمانيا استراتيجياتها على أساس ما سُمى «الحرب الصاعقة» أى الحرب الخاطفة، وكانت استراتيجية الحلفاء لإفساد ذلك تحويل الحرب إلى «لعبة شطرنج»، أى حرب طويلة الأمد، واستنزاف الخصم.

كما شهد العالم فى عشية، بل وفى بداية، الحرب العالمية الأولى، الكثير من الجهود الدبلوماسية والزيارات المكوكية فى محاولة لوقف الحرب أو حتى تحجيمها، لكن العالم انزلق سريعًا فى أتون الحرب.

كما شهدت الحرب العالمية الأولى، أيضًا، تطبيق سياسة المقاطعة الاقتصادية، بل والحصار الاقتصادى، الذى ضاعف من تكلفة الحرب، وللأسف أطال من أمد الحرب بدلًا من الحث على سرعة إنهائها.

هل يقرأ الساسة، قبل العسكريين، حكمة التاريخ؟