رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يوليو والسودان «٢-٢»

 

تحول موضوع استقلال السودان وانهيار حلم وحدة وادى النيل إلى حلبة الصراع بين المناوئين لثورة يوليو وأنصارها، ووصل الأمر بالبعض إلى ترديد مقولة إن الملك فاروق كان يُصر على أن لقبه هو «ملك مصر والسودان»، إيمانًا منه بوحدة وادى النيل، بينما فرطت ثورة يوليو- أو بالأحرى زعيمها جمال عبدالناصر- فى هذا المبدأ الذى أُريقت من أجله دماء مصرية وسودانية!

بل بالغ البعض، ومنهم مَن هم من معارضى ثورة يوليو، ومنهم مَن هم من أنصار يوليو، حين ألقوا بمسئولية فشل وحدة وادى النيل ورفض السودانيين مشروع الوحدة مع مصر على عاتق صلاح سالم، المسئول عن ملف السودان فى مجلس قيادة الثورة. وصوَّر هؤلاء صلاح سالم فى صورة المختل عقليًا، والمهتز نفسيًا، ودعموا رأيهم بصورة صلاح سالم وهو يرقص شبه عارٍ فى السودان مع القبائل، وتساءل البعض: كيف يؤتمن هذا الرجل على ملف حيوى مثل مسألة وحدة وادى النيل؟!

وبالقطع دخلت مسألة السودان ووحدة وادى النيل فى باب المهاترات السياسية، بل المكايدة بين عصرين: العصر الملكى، والعصر الجمهورى، وحتى بين سياسة حزب الوفد وسياسة ضباط يوليو، بينما الأمر أعمق من ذلك وأشد تعقيدًا.

وسأبدأ من الاتهام الأخير بتحميل صلاح سالم مسئولية فشل الوحدة مع السودان، وأنه كان غير مؤهل لذلك، فضلًا عن أنه «مهتز عصبيًا ونفسيًا». وفى الحقيقة من الصعب قبول أن أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة كان غريب الأطوار، أو يعانى من مشاكل عصبية كما تم تصويره.. الأمر الآخر أن مجلس قيادة الثورة هو من عَهِد إلى صلاح سالم بإدارة ملف السودان، فالمسئولية هنا جماعية.. كما أن معظم التقارير كان يشير فى البداية إلى نجاح صلاح سالم فى استمالة العديد من القوى السياسية والقبائل السودانية إلى جانب مشروع الوحدة مع مصر.. أما أمر الصورة المُشار إليها فإن الصحف البريطانية كانت هى أول من نشر الصورة فى إطار تشويه الدور المصرى، والحملة الدعائية فى الغرب ضد مصر.

أما عن قبول ثورة يوليو مبدأ حق تقرير المصير للسودان، واعتبار ذلك تضحية بمبدأ وحدة وادى النيل، فإن فكرة حق تقرير المصير كانت مطروحة منذ عهد حكومة الوفد الأخيرة، وكانت بريطانيا تماطل فى الجلاء عن مصر، وترفض وحدة مصر والسودان، وبالتالى كان قبول حق تقرير المصير فى نهاية الأمر شرًا لا بُد منه من جانب ثورة يوليو لتحريك الأمور، مع اقتناعهم بأن أى استفتاء سيكون فى صالح الوحدة.

ومع ذلك يرى البعض أن الاتجاه العام فى السودان كان مع الوحدة مع مصر، لكن حدثت أخطاء مصرية فى إدارة ملف السودان من جانب ثورة يوليو، كان من أهمها التسرع بإبعاد محمد نجيب عن السلطة قبل إنهاء مسألة السودان، وكان نجيب بحكم صلاته السابقة يتمتع بشعبية كبيرة فى الأوساط السودانية.. الأمر الآخر التواصل مع الحزب الشيوعى السودانى مما أغضب الحزب الاتحادى، وفى واقع الأمر كان الشيوعيون السودانيون مع فكرة استقلال السودان.

لكن الأمر الأهم أن تطور الأمور المحلية فى السودان، والإقليمية فى المنطقة، بل العالمية، كان يدفع نحو عدم حدوث وحدة وادى النيل، والدفع نحو استقلال السودان.