شعراء: لهذه الأسباب يكره النقاد شعر العامية
يبدو أن ثمة تجاهل نقدي يصل إلى حد الصمت والتهميش لمنجز لشعراء العامية المصرية الذين يواجهون طوال الوقت رؤية ونظرة متعالية من قبل النقاد بوصفهم شعراء درجة ثانية.
يسرى حسان: التعالي الأكاديمي يرى في العامية رجسًا
أرجع الشاعر والناقد المسرحي يسري حسان تجاهل النقاد لشعر العامية إلى عدة أسباب "أولها معظم المجلات العربية لا تنشر دراسات عن شعر العامية والنقاد يهمهم أن تنشر دراساتهم فى هذه المجلات ويتقاضون عنها أجرا وهذا حقهم، وثانيها الكتابة عن الفصحى أسهل بكثير فى ظنى من الكتابة عن العامية التى تحتاج دربة خاصة وفهما جيدا لجماليات هذه اللغة، ثالثا هناك نوع من التعالي على العامية، تصور مثلا أن بيرم التونسي بجلالة قدره لم تنجز عنه سوى رسالة ماجستير واحدة وكذلك والد الشعراء وإمامهم الأكبر فؤاد حداد رسالة دكتوراه واحدة ونفس الأمر للقطب الكبير صلاح جاهين وهكذا الأبنودى وسيد حجاب ومجدى نجيب وفؤاد قاعود وغيرهم، والمقصود بالتعالى هنا هو التعالي الأكاديمي الذي يعتبر العامية رجسا من عمل الشيطان".
ولفت إلى أن هناك سببا ديني “فنحن لا نعدم نقادا متشددين فى الجامعة وخارجها يعتبرون العامية ضربا في لغة القرآن مع أنهم يتحدثون بها ويمارسون حياتهم بها”.
وسط هذا التجاهل لم يجد شعراء العامية بدا من القيام بالدور النقدى ومنهم على سبيل المثال مسعود شومان ومحمود الحلواني وغيرهم.
سعيد شحاتة: معظم النقاد ميولهم بترو دولارية
ومن جانبه، يشير الشاعر سعيد شحاتة إلى أن "معظم النقاد عندنا ميولهم بقت بترولودولارية، فالعامية بالنسبة لهم شيء هامشي، أو شيء غير معترف بيه لا من بعيد ولا من قريب".
وتابع شحاتة: “كل ما يفعلونه إذا استمعوا لقصيدة عامية من شاعر جاد يصفقون بفتور وينصرفون، هؤلاء بالتحديد العامية ليست بحاجة إليهم لأن معاول نقدهم وعدتهم النقدية لا تصلح أو لا ترتقي لمستوى جمال وسلاسة وبساطة هذا المستوى الراقي من الفن”.
وأكد شحاتة على أن “النقد في أزمة ما دام جيب الناقد لم يمتلئ.. والأدب في مصر في أزمة ما دام الناقد المهووس جنسيًّا أو الجائع للمال والشهرة هو المنظر له، لذا لن تجد غير الحسناوات والمرضي عن كتاباتهم من قبل ذائقة الممول”.
وهذه النماذج الرديئة المسيئة أضاعت الناقد الحقيقي المحترم وغطت عليه، نظرًا لأنهم يجيدون التسلل إلى المنصات والصحف ويسمح لهم بهذا من باب أنهم (مشهلاتية) وليسوا نقادًا بالمعنى الدقيق".
وختم: "شعراء العامية يتناولون قصائد ودواوين بعضهم في بعض الأحيان لأنهم أدرى بجمال ما يكتبون من النقاد البترودولاريين أو النقاد ذوي الآلات البترودولارية".
أشرف البولاقي: سيطرة الثقافة الرسمية على الذائقة همشت العامية
من جانبه، يرى الشاعر أشرف البولاقي “إذا كان الزمن كفيلاً بتغيير كل شيء، وقادرا على منح استحقاقاته، فإن هناك ثمنا غاليا يُدفَع دائما لتأخرنا عن التقاط المعرفة في أوانها”.
وتابع البولاقي: “لقد دفع المنجز النقدي الإبداعي المصري هذا الثمن بسبب سيطرة الثقافة الرسمية على الذائقة المعرفية سنوات طويلة، ظلت خلالها هذه الثقافة لا ترى إبداعا إلا ما كان فصيحا”.
وأشار البولاقي إلى أن “الأدب الشعبي والفلكلور، وشعر العامية، لم يكن في نظر هذه الثقافة بهيئاتها ومؤسساتها إلا لغوا وضلالا! حتى استطاع مخلصون أن يتحدوا ممثلي الثقافة الرسمية وسلطتهم ليفتحوا الطريق أمام إبداع شعر العامية، لكن ظل المنجز فقيرا يتمثل في قلة المشروع النقدي، بل في غيابه، عن مواكبة منجز العامية إذا قيس به في الفصحى”.
وأضاف البولاقي “لقد أذكر أن الأبنودي رحمه الله كان ملتفتا لهذا المأزق، وكان مستعدا أن يساهم في طباعة كتاب نقدي يتناول تجربته، وما كان له على شهرته وذيوع صيته أن يفعل ذلك لولا إحساسه بعتمة المشروع النقدي لشعر العامية”..
وأشار البولاقي إلى "شعر العامية ليس هيّنا، ولا هو أقل جماليات من شعر الفصحى، لكن المشكلة أن الفصحى ماتزال حتى لحظتنا هذه مرتبطة بمؤسسات ضخمة، وهيئات كبيرة، بل دول وشعوب ترصد لها جوائز ومسابقات وميزانيات يسيل لها لعاب النقاد.فماذا ننتظر أمام حالة من حالات الضغط الاقتصادي على النقاد والمبدعين؟!
ونبه البولاقي إلى أن "ما يحدث مؤسف جدا، ولا حل له إلا فتح مزيد من الأبواب، ومنح مساحات جديدة لشعر العامية، والاهتمام بالتجارب الشعرية المختلفة والمغايرة، على القائمين على الإعلام وأصحاب القنوات الثقافية، والصفحات أن يقوموا بدور أيضا في تثقيف الناس بزيادة مساحات شعر العامية وتناول نقديا.
وختم البولاقي: “بمرور الوقت سنكتشف أن شعر العامية الحقيقي ليس سهلا ولا مجانيا كما يتصور الكثيرون”.