رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يوليو والسودان «2-1»

 

تعتبر العلاقة بين مصر والسودان علاقة تاريخية وثيقة، ربما حتى من قبل ظهور السودان ككيان سياسى حديث، وبالقطع يلعب نهر النيل دورًا مهمًا فى ذلك الأمر كشريان الحياة فى وادى النيل، هذا فضلًا عن الروابط الدينية والثقافية؛ إذ دخلت المسيحية وبعدها الإسلام إلى السودان عبر مصر، وكانت النوبة- وستظل- أداة وصل بين مصر والسودان.

وبمناسبة اقتراب الذكرى السبعين لثورة ٢٣ يوليو، أتذكر المقولة السلبية التى تزعم أن ثورة يوليو فرطت فى وحدة وادى النيل عندما فصلت القضية المصرية عن القضية السودانية أثناء مفاوضات الجلاء مع الاستعمار البريطانى، وأيضًا عندما أقرت بقبول استفتاء السودان على تقرير مصيره: الاستقلال أم الاتحاد مع مصر؟

وتعتبر مذكرات صلاح سالم من أهم المصادر التاريخية التى تعرضت لهذا الأمر، بحكم توليه ملف السودان بعد قيام ثورة يوليو.. وصلاح سالم هو أحد كبار الضباط الأحرار، وأيضًا عضو مجلس قيادة الثورة بعد ذلك، ولم يتم اختيار صلاح سالم لإدارة الملف بالصدفة؛ إذ وُلِد فى السودان لأبوين مصريين حيث كان والده يعمل، وعاش هناك حتى سن السادسة من عمره. وفى بداية عهد الثورة عَهِد مجلس قيادة الثورة إليه بمهمة الإشراف على وحدات الجيش المصرى فى السودان، كما تولى فى عام ١٩٥٣ منصب وزير الإرشاد القومى، ووزير دولة لشئون السودان، وتولى بعد ذلك ملف السودان والوحدة مع مصر.

ويعتبر صلاح سالم من الشخصيات الخلافية فى تاريخ ثورة يوليو؛ إذ وُصِف بأنه عصبى المزاج وانفعالى الطبع، كما حمّله البعض مسئولية فشل سياسة الوحدة بين مصر والسودان، كما وصفه البعض بأنه الشخص «المجنون» الذى ذهب إلى السودان ليدعم الدور المصرى، فما كان منه إلا أن أخذ يرقص مع القبائل رقصات شعبية لا تليق بضابط مصرى كبير، ولا بوزير.. ونسى هؤلاء أن الصورة الشهيرة له وهو يرقص رقصة الحرب تحية لقبائل الدنكا، وبملابس أشبه بملابس داخلية، كانت فى إطار زيارة صلاح سالم للمنطقة، حيث استقبله أهل المنطقة بالرقص التقليدى على عادتهم، ورد سالم التحية بأن شاركهم الرقص تكريمًا لهم. لكن الصحف البريطانية، وكانت بريطانيا معادية لوحدة مصر والسودان، استثمرت هذا الوضع جيدًا؛ حيث نشرت الصورة تحت عنوان «الصاغ الراقص»، مشيرة إلى رتبته العسكرية التى تعادل الرائد. واستغل بعض المناوئين لصلاح سالم فى مصر هذه الصورة والتعليق الساخر للصحافة البريطانية فى تحميل صلاح سالم وزر فشل الوحدة بين مصر والسودان.. والحقيقة أن فشل مشروع الوحدة له العديد من الأسباب المُركّبة والأكثر عمقًا من مجرد هذه الصورة المشار إليها، وهو ما سنتناوله فى المقال المقبل.