حكاية «فاطمة الشقراء».. مسجد مملوكي يخلد اسم زوجة السلطان
تعد مصر واحدة من الدول القليلة في العالم العربي، التي تحمل العديد من مساجدها أسماء نساء، فتجد في مصر مساجد السيدة (زينب، نفيسة، وعائشة)، وغيرها من المساجد التى تحمل أسماء نساء آل البيت والصالحين.
ومن بين تلك المساجد صاحبة التاريخ الأثري الكبير، مسجد فاطمة الشقراء، أو"المرأة"، بمنطقة الدرب الأحمر شارع أحمد ماهر "تحت الربع سابقًا"، وهو مسجد يعود للعصر المملوكي، بني على يد الأمير رشيد الدين البهائي في عام 873 هجرية / 1468 ميلادية، خلال عهد السلطان المملوكي قايتباي المحمودي الأشرفي، وهو أحد سلاطين الدولة المملوكية البرجية، وتم تجديده على يد السيدة فاطمة الشقراء والتي وضع اسمها على جانبي باب المسجد في الواجهة الغربية وكتب :"بسم الله الرحمن الرحيم، الست المصونة فاطمة الشقراء، بتاريخ شهر جمادى الآخر من سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة من الهجرة".
وقيل عن تاريخها إنها إحدى الجاريات الروسيات، تم عتقها في عهد العصر العثماني وهي من أصول شركسية الأصل، تم أسرها في إحدى الحروب وأعجب بها السلطان قايتباي وقرر اتخاذها زوجة له، فأنجبت له ولي العهد الذي أصبح سلطان فيما بعد محمد بن قايتباي، وعقب إنجاب ولي العهد أصبحت الزوجة الرسمية للسلطان وحظيت بمكانة أجتماعية عالية واشتهر عنها انشاء السبل والمساجد والكتاتيب
الرواية الثانية تقول إنها بالفعل زوجة السلطان قايتباي، ولكنها لم تكن جارية وإنما هي من أصول نبيلة، وسميت باسم فاطمة الشقراء نسبة إلى جدتها إلى أمها، الأميرة شقراء بنت الملك الناصر فرج بن برقوق المتوفاة عام 1482 ميلادية، وهي أبنة الأمير خير بك أمير طبلخانة الأشرفي المتوفى بمكة في ذات العام، وأمها هي السيدة خديجة بنت الأتابك جرباش الناصري سبطة الملك الناصر.
أضيف إلى المسجد مئذنة يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1063 هجرية /1683ميلادية، وأمر بانشائها الوزير محمد باشا، في عهد أحد الولاة التابعين للدولة العثمانية.
وللمسجد محراب من أجمل المحاريب الحجرية، واشتملت طاقيته على مقرنصات مغطاة بالرخام الأسود ويحيط به أشرطة منقوشة ويعلوه مستطيلان يحتوى بنهاية الصحن مقصورة خشبية.
تحتوي المقصورة الخشبية للمسجد على ضريحان أحدهما للسيدة فاطمة الشقراء كما هو مدون عليه، وأما الاخرفهو مجهول وغير مدون عليه أي شيء يدل على صاحب/صاحبة الضريح.
وعاني مسجد فاطمة الشقراء من الأهمال لسنوات طويلة فقد صدر قرار ترميمه في عام 1996، بعدما تعرضت مئذنته للتصدع والميل نتيجة زلزال 1992، لكن قرار الترميم لم يأتى متأخرًا فقط، لكنه لم ينفذ لسنوات طويلة، حتى جاء قرار ترميم وتطوير القاهرة التاريخية، وشمل القرار المسجد كأحد أهم مواقع التراث العالمي في مصر، واستغرق ترميم المسجد والمئذنة عامان حتى أعيد افتتاحه مرة أخرى للصلاة في العام 2019.