اختراق الراب سين | «من غير ما أتمرن يابا أول جمهورية».. لماذا نجح ويجز؟
يختلف الناس عادة في تعريف النجاح، فهناك من يراه جمع المال أو الوصول للشهرة أو القدرة على التأثير في الغير، وفي المقابل يتساءل آخرون عن جدوى كل ذلك إن كان مخالفًا للأخلاقيات، فيمكن لخارج عن القانون- مثلًا- أن يحوز المال والشهرة والقوة، وهذا بالطبع لا يعتبر نجاحًا.. لذا تباينت الآراء حول "صحوة الراب في مصر".. رآها البعض طفرة والآخرون نكسة.
شئنا أم أبينا، أصبح ملايين الشباب في مصر والوطن العربي يتابعون فن "الراب" المصري، ليس لأنه جديد، بل لأن المشهد الموسيقي على ضفاف النيل تغير بشكل جدير بالرصد مؤخرًا، إذ ظهرت مجموعات من الشباب، كل منها ترى أنها الأكثر قدرة على استخدام "الراب" لإحياء فن الهجاء التاريخي، الذي أصبح اسمه "الدِسّ"، وأفرز هذا الحراك شخصيات كثيرة، على رأسها سكندري يدعى "ويجز"، نجح هو ورفاقه في إقناع جيل جديد بأن الاستماع لدندناتهم وعراكهم أكثر جدوى من الاستماع للأخبار.
"ويجز"، صاحب الـ24 عامًا، كمثال، احتل- مؤخرًا- المركزين الأول والثاني في تريند "يوتيوب ميوزك"، بأغنيتين، إذ ظلت أغنية "البخت" هي الأولى لمدة شهر، وجاءت أغنية "بعودة يا بلادي" في المركز الثاني، قبل أن تأخذ الثانية مكان الأولى، وكان "ويجز" سعيدًا بانتصاره في الحالتين، فضلًا عن اعتزازه بالوصول إلى تريند يوتيوب العالمي أكثر من مرة، وتساءل بفخر: "مابتسمعش ويجز؟ ماعندكش نت؟"، ويستعد حاليًا لإقامة حفل في باريس، وتقديم جزء ثان من مسلسله "بيمبو".
ما التغير الذي طرأ على الموسيقى في مصر؟ وما سبب إقبال الشباب على متابعة الراب؟ وهل الشخصيات التي دُفعت نحو الشهرة بـ"اللايك والشير" ناجحة وجديرة بالاحتفاء؟
أقصر الطرق.. كيف تصبح موسيقيًا فى أسرع وقت ممكن؟
قبل أكثر من 100 عام، كان على خالد الذكر سيد درويش السفر إلى الشام ليتعلم صنعة المزيكا، وبعد سنوات يعود إلى مصر ليصنع معجزات فنية ويموت في سن 31 عامًا، وكان على أم كلثوم أن تجوب القرى منشدة، وأن تجلس كتلميذة لتتعلم من شيوخ الموسيقى، مثل أبو العلا محمد أو علي محمود، وبعد تبلور المزيكا المصرية كفن مستقل أصيل، كان على أساتذة المهنة الحفاظ على منجزهم، وأصبح على من يريد صناعة موسيقى أن يتعلم، وعلى من يريد الغناء اجتياز اختبارات صعبة.
الآن، بات الواقع مختلفًا.. أصبح الطريق الأقصر هو تعلم صناعة الموسيقى الإلكترونية، ولتحقيق ذلك كل ما عليك هو حيازة تطبيق يجعلك تتعامل مع النغم كمقادير طبخة، ويتيح لك الاختيار بين آلاف النغمات المجانية لصناعة لحنك الخاص، ويتيح لك أيضًا التغيير في صوتك ليلائم تطلعاتك الفنية، ويعتبر تطبيق "أوتوتيون" خير مثال على ذلك.. ويراه "ويجز"- بالمناسبة- عمود خيمة في مشروعه.
كغيره، تأثر "ويجز" بالموسيقى الغربية، وانشغل بمشكلاته ومشكلات جيله "جيلي اتغرب.. جيل يجرب.. جيلي عارفين الصح.. جيلي عارف قيمته بره"، وبكل ثقة نشر المراهق ابن الورديان "بوست" على موقع فيسبوك، بتاريخ 8 أغسطس عام 2017، قال فيه: "اسمي ويجز.. بعمل راب من 4 شهور بس وهنزّل أغنية هتكسر الدنيا خلال يومين".. صحيح أن النبوءة تحققت، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، فهناك "تكاتك" تبث المهرجانات في الشوارع، وهناك "نمبر وان".
صدق الولد نفسه، وبدأ في أن يعيش حياته كنجم وارتضى بجمهور من أصدقائه، وبعد أن كان يلتزم بـ"يونيفورم" شركة خاصة، صبغ شعره باللون الأزرق، وأفصح عن أحلامه البسيطة "مش عايز دكتور عايز إيه تي إم.. ويجز يسوق الهبل في الـBM".
الشاب الذي أصبح جمهوره من مختلف الجنسيات، والذي أثار الجدل بأزيائه وعدد محبيه في موسم الرياض- لم ينجح فجأة، بل حاول وفشل أكثر من مرة قبل أن يستطيع اجتياز "اختبار القبول" المعتمد لدى جماهير "الراب"، وهو هجاء شخص مشهور بطريقة ذكية، وهو ما فعله في أغنيته الأشهر "دورك جاي"، التي وضع بها الفنان محمد رمضان في حجمه الحقيقي- حسبما يرى جمهور الراب- بعدما أخذ منه "نمبر وان" إعلانًا سبق أن اتفق عليه.
الأغنية التي مر على إصدارها نحو عامين، تخطى عدد مشاهداتها الآن 87 مليون مشاهدة، وعلى الرغم من أن الأجيال القديمة ترى معانيها مبهمة، نجح "ويجز" في صناعة رموز يتواصل بها مع جمهوره من الشباب.. رموز لا يفهمها الكبار، ولا يستطيعون منعها أو إدانتها، نجحت في أن تؤدي مهمتها على أكمل وجه "لو أنت بابا طب أنا مين؟" كانت هذه الإشارة الوحيدة الواضحة لأغنية "بابا" لمحمد رمضان، التي كانت سبب الخلاف.
نجاح "ويجز"- إن اعتبرناه نجاحًا- فتح مجالًا أمام المتباكين على تدهور الأحوال الموسيقية، ليضطلعوا بمسئوليتهم التاريخية في رفض الجديد ومحاولة تأطيره، قبل أن يفرض الجديد نفسه بقوة الزمن.
ربما كان السبب الأكبر لشهرة "ويجز" هو الهجوم عليه وشيطنته، وتحميله مسئولية كل المساوئ التي أصابت الموسيقى، وفي المقابل أكد الشاب في كل ظهور إعلامي أنه "يدندن" بشكل يعجب الناس، ويسعى لتطوير نفسه واختيار "كلمات محترمة" تناسب الجمهور، لإدراكه أن الشهرة مسئولية كبيرة، وهو المنطق الذي أشاد به بعد فترة الفنان هاني شاكر، نقيب الموسيقيين، مؤكدًا أن "ويجز" فنان واعد وأن أولاده يستمعون لأغنياته، لينهي بذلك الجدل حول الشاب الذي تخطى عتبة العشرين من عمره منذ سنوات قليلة.. قبل أن يحيي "هاني" الجدل مجددًا بسبب الثياب التي ارتداها "الورديانجي" في موسم الرياض.
تجدر الإشارة إلى أن حملات الهجوم التي يتعرض لها "ويجز" شارك فيها أكثر من فنان، منهم محمود الليثي، المطرب الشعبي الشهير، الذي صنع أغنية وصورها كفيديو كليب يهاجم فيها الشاب بشكل مباشر، ويعزله من منصبه كفنان، وفشلت الأغنية فشلًا ذريعًا، وانتظر الجميع رد "ويجز"، وبعد أيام قليلة أصدر الشاب أغنية "أسياد الصوت"، ووصل عدد مشاهداتها إلى عتبات الـ10 ملايين.
خلال هذه الأغنية أعمل "ويجز" آلته القتالية في "الليثي"، متهمًا إياه- بالرموز نفسها التي لا يستطيع أحد إدانتها بالقانون- بأنه حاقد ويستكثر الرزق على غيره، مفتخرًا بقدرته على معاقبة أعدائه بلسانه فقط "أنت روبابيكيا مش جرامافون.. اعملوا جلبة يا أسياد الصوت".
بدت هذه الأغنية بداية النهاية لعصر المهرجانات، حتى الآن، إن لم يطرأ جديد- وسيحدث ذلك لا محالة بحكم الزمن.
ومن الجدير بالذكر- أيضًا- أن الفنان حمو بيكا حاول القفز على المسرح بخفة منذ فترة، مثل فناني "الراب"، قبل أن يسقط به المسرح، ويصاب أمام ما تبقى من جمهوره.
"دليل إني مش فاشل إن عندي أعداء".. استخدام الخصوم "سر الخلطة"
"ويجز" ليس خارقًا، ومن الإنصاف أن نقول إنه ليس الوحيد الذي نجح خلال الفترة الماضية، فهناك مطرب راب يدعى أحمد ناصر الجوكر، صعد أيضًا منذ مدة- بأغنية تحمل اسم "التالتة ممكن"- للمرتبة الـ8 على مستوى العالم في "تريند" موقع "يوتيوب"، خلال أقل من 12 ساعة.
وتسببت الأغنية في خروج الفنانة رانيا يوسف بتصريح تهاجم فيه "الجوكر"، صاحب الشعبية، لأنه صنع "لعبة كلامية -wordplay"، داخل كلمات الأغنية، توحي بذكر اسمها، وقالت عنه إنه "يريد الشهرة" وإنها لا تعرف شيئًا عن هذا الموضوع بأكمله، وفي المقابل كان "الجوكر" أذكى منها، وأورد في كلمات الأغنية بدلًا من اسمها "Run يا يوسف"- ويقصد بها عدوه التقليدي الفنان "أبيوسف".
هذه الأغنية جاءت في سياق موسم هجاء "دِسّ"، غاب عنه الفنان "ويجز" على عكس كل التوقعات، "حفاظًا على صحته النفسية"- حسبما أعلن حينها، بل وبدأ في توجيه النصائح بأهمية أن يقضي الشخص وقتًا مع نفسه للتأمل.
هكذا يحدث الأمر، خلافات وهجوم وشهرة، ولفهم الأمر يجب أن نوضح أن هناك تحديًا مستمرًا ولا يتوقف بين جماعتين، وكان "ويجز" ذكيًا كفاية واختار الاستقلال.
الجماعة الأولى يقودها "الجوكر"، ويسانده الفنان مروان موسى والفنان "عفروتو"، في مواجهة "جماعة المكسيك"، بقيادة أبيوسف، ومعه الفنان أبو الأنوار "ميمو"، الذي تصدر بأغنية "عباسية" قائمة "تريند يوتيوب مصر"، ووصل خلال موسم "الدس" الماضي للمركز الـ11 في التريند العالمي لموقع الفيديوهات الأشهر، ليفاجأ محبو الراب في العالم كله بأكثر من أغنية مصرية في قائمة التريند العالمي في وقت واحد، قبل أن يتوب "ميمو" ويحذف "الديسات"، ويختار اتباع "منهج ويجز الأخلاقي الجديد".
الغريب، أن "ويجز" أصبح عدو الجميع حينما نجح، بعد أن كان صديق الجميع في البداية، ثم بذكاء شديد أصبح يعمل على تفكيك تحالفات خصومه، فبعد أن كانت جماعة المكسيك عدوًا لدودًا، فوجئنا بالفنان "أبو الأنوار – ميمو" يغني مقدمة مسلسل "بيمبو"، وتساءل الجميع حينها: "لماذا لم يتطوع ويجز لغناء تتر مسلسله؟"، لكن بعد فترة اتضح أن "ويجز" أصبح صديقًا لـ"ميمو"، قبل أن تتفكك جماعة المكسيك- من تلقاء نفسها- بانسحاب "أبيوسف".. كل ذلك حدث و"ويجز" يجلس في بيته مسالمًا، يعد تراك "البخت".
تجدر الإشارة إلى أن "جماعة المكسيك"، مجموعة من فناني الراب، يقودهم صانع محتوى إعلاني يسمي نفسه "أبيوسف"، يغني راب منذ سنوات طويلة، ويفتخر بأنه مستمر في هذه المهنة وبأن له أتباعًا ومحبين وأبناء.
أتباع "أبيو" من الشباب يحبونه بشكل مبالغ فيه، يرون أنه الأب الروحي لهم وللراب المصري، ويتصدون لأي "رابر" يحاول أن يهاجم أستاذهم، وفي المقابل يرى بقية "الرابرز" أن أتباع "أبيو" مغيبون.
من هؤلاء؟ وكيف صعدوا؟
"راب أور ضاي".. كواليس مفرخة مسرح الشارع التي أحيت فن الهجاء
"راب أور ضاي –Rap Or Die" هي فكرة من ضمن أفكار كثيرة نفذها شباب "الراب" في شوارع مصر والقاعات الخاصة، خلال السنوات الماضية، حيث يجتمع عدد من الشباب في مكان واحد، يقودهم أحدهم، ويصنعون حلبة مصارعة بأجسادهم، ويتقدم متنافسان ليذيق كل منهما الآخر الأمرين، عبر ارتجال مقاطع شعرية مهينة يحاول بها كسب ود الجمهور وإثبات أنه الأجدر بأن يفوز بهذه المعركة "الباتل".
وتنقسم المواجهات إلى مواجهات عادية وأخرى "ديرتي" أو غير نظيفة، وهي المسموح فيها بالسب صراحة، وهي الأشهر بالطبع، وأصبحت الآن نادرة لأن نوع الجمهور الذي يقبل بها هو صغار السن فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن "ويجز" شارك في الماضي في "باتل راب" ضد فنان آخر "أحمد سانتا"، وأحرج الأخير "ويجز" لدرجة دفعته إلى طلب إزالة وجهه من الفيديو الذي يوثق الحدث على موقع "يوتيوب".
كما تجدر الإشارة إلى أن مواجهات الراب هذه منتشرة في أكثر من دولة حول العالم، لكنها لم تكن مؤثرة بهذا الشكل في مصر من قبل.
عادة يبدأ الأمر بأن يعرف كل منافس نفسه خلال 30 ثانية، ويحاول كل منهما صياغة أبيات بسيطة باللهجة العامية، مليئة بالفخر وتؤكد الجاهزية للقضاء على العدو، ثم يمنح كل منهما 3 دقائق في كل مرة ليرد على خصمه، وسط صيحات إعجاب أو استياء يطلقها الجمهور حسب الأحوال.
وللنجاح في "باتل" يحتاج "الرابر" إلى الافتخار بنفسه وإنجازاته أولًا قبل الهجوم على الخصم، وهنا قد يكون الأمر غير منطقي، فكيف لمراهق لم يصل لسن العشرين أن يفتخر بإنجازات لم تتحقق بعد، لكن إن نظرنا إلى كلمات "ويجز" التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي قد نفهم: "من غير ما أتمرن يابا أول جمهورية".. وكأنه ينتصر للفهلوة، التي من الواضح أن لها الكثير من المؤيدين.
ولم يكن غريبًا أن نجاح "ويجز" ألهم عددًا كبيرًا من أقرانه، الذين أصابهم اليأس في الماضي واقتنعوا أن فن الراب لن يأخذ حقه أبدًا، فعادوا ليزاحموا بقوة في "الراب سين".
ومن بين العائدين نجوم حققوا ملايين المشاهدات في الماضي، بعدد من الأغنيات، لكن أحدًا منهم لم ينجح في تحقيق ما حققه "ويجز".
ومن بين العائدين الفنان مروان بابلو والفنان أحمد ناصر الجوكر، وبمجرد عودتهما بدأ "النكش" أو الاستفزاز المتبادل، فكل "رابر" يرى نفسه الأفضل ويرى الباقين حاقدين عليه، ويحاول حشد أدلة على كلامه "داتا" لفضح زيف منافسه.
كما يحاول كل "رابر" أن يؤكد أنه لا يقلد أحدًا، وأن لا أحد له فضل عليه، وفي المقابل يتهم الأعداء بأنهم مجرد أتباع.